بابل وأشور(Chaldia).. الأصول التاريخية ــــ والأسس الحضارية
الحضارة البابلية :Mesopotamia
يعتقد علماء الحضارة - ظنا - أن المدينة
انسابت من الصين، ومالت غربا عبر القارة الآسيوية.. فقد ازدهرت الحضارة هناك منذ 4000 سنة قبل
الميلاد، ولكنها لم تصل إلى أوروبا الغربية إلا بعد 3000 سنة.. إلا أن البعض يذهب إلى أن أصل السكان "الكلدان"
قد انحدر من وادى نهر الهندوس بالهند؛ وهم المعرفون في التاريخ باسم "السومريين"،
ونود أن نسجل بعض الحقائق التاريخية هنا بالأ قام لما أثبته علماء الحفائر والآثار؛
فمن الحفائر التي أجراها العالم الاثرى schweinfurth
في مدخل الدلتا إلى عمق 30 مترا، وفي بعض
النقاط 20 مترا؛ حيث عثر على أوانى من الفخار، وقوالب من الطوب، وعلى مثل هذا
العمق بالقرب من دمياط عثر على جمجمة بشرية.. ولما كانت طبقة الطمي التي يكسو بها
النيل أرض الدلتا كل عام معروفة بالتقريب فقد أمكن للعالم الامريكى Breasted . H . J حساب عمر هذه الجمجمة على هذا الأساس فوجد أن
عمرها 16000 سنة، بينما يجد العالم A.Moret أنه لم يعثر على أى أثر لإنسان
سابق على 4000 سنه ق.م. في بلاد ما بين النهرين ما خلا نقطا قليلة في فلسطين لم
يحدد تاريخها بعد بدقة..
انقسمت منطقة ما بين النهرين إلى منطقتى نفوذ
كبيرتين هما الشمال حيث إمبراطورية آشور(مرتفعات الصخرة)، والجنوب حيث إمبراطورية
بابل(سهول، ومنخفضات)، وكان التنافس قائما على مناطق النفوذ حتى سيطرت بابل على المنطقة
كلها..
السامريون والاكاديون Sumerians
and Akkadians:
أنشأ السامريون، والأكاديون في الجزء الجنوبي الإمبراطوريات
المبكرة بعد أن كانتا في مبدأ الأمر مركزين في حواضر رئيسية مثل: "أور"،
"لاجاش"، "أكاديا"، وامتدت لتشمل كل المنطقة فيما سمي "بابل"
بعد ذلك..
*
المظاهر الحضارية:
اصطناع
أسلوب التصوير المقطعى بتطوير أسلوب الكتابة المخروطية، وبناء أول طراز من أبراج
المعابد المستديرة، والزيجورات ziggurat والمعروفة لدى اليهود "ببرج بابل"، وكانت الزيجورات عبارة عن
سبع طبقات؛ لكل طبقة لون خاص، واله معين من الآلهة السبعة: الشمس، والقمر،
والسيارات الخمسة، وكل طبقة عبارة عن مكعب وأعلاها هيكل صغير يعبد فيه الاله الوطني..
*
أصل الاكاديين:
مواطنون ساميون يحتمل أن يكونوا قد انسلوا إلى
هذه الأرجاء من الصحراء العربية واستقروا في المنطقة الشمالية لإقليم السامريين..
قهر ملكهم الكبير "سارجون "sargon (2350 – 2300) ق.م. بابل كلها حتى
الخليج الفارسي جنوبا، وحدود عيلام شرقا، والجهة الغربية من المنطقة العليا لنهر
الفرات، ثم إلى البحر المتوسط، وحتى سنة 2000 تقريبا استطاع "الجوتيون "Gutis (ساكنى الجبال الشرقية) أن يقوضوا
أركان هذه الامبراطورية..
حدثت الحرب بعد ذلك حتى تم توحيد جميع أرجاء
ما بين النهرين تحت امرة الحكام السامريين بأور Ur، واستتب الأمر إلى أن حل بهم
الدمار بعد مرور مائة عام من الحكم على يد "العلاميين Elamites
"(قبائل من
الشمال)الذين لم يستطيعوا أن يعيدوا الاستقرار الى البلاد المقهورة؛ حتى ولى أمرها
حكومتان ساميتان هما "لارسا، وآيسين Larsa&Isin"، وانتهى عصر الازدهار للأمة
الكلدانية نحو سنة 2200 ق.م.
الإمبراطورية البابلية الاولى:
في حوالي سنة
1800 ق.م. قام "حامورابى "Hammurabi
بتوحيد مملكتي آيسين، ولارسا، وأصبح أول ملك للمملكة البابلية؛ والذي جعل بابل Babylon عاصمتها، والاهها "ماردوخ Marduk"، ويعد عصره من أزهى عصور
المملكة 43 سنة حيث أصبحت المدينة مركزا تجاريا يموج بالمعاملات التجارية بين
الناس.. الأمر الذي جعله يضع مجموعة من
القوانين عرفت باسمه(وجدت مسجلة على حجر أسود ضخم في "سوسا" باللغة
المسمارية)..
الإمبراطورية
الآشورية:
بعد وفاة
حمورابى بفترة وجيزة تعرضت الإمبراطورية البابلية الأولى للتخريب على أيدى أفواج
من الغزاة أمثال "الحثيين Hittites "، و"الحورانيين Hurrians" من سورية، و"الكاسيتيين
"Kassites من جبال زاجروس؛ حيث كانوا طوائف
من الهمج البرابرة بالقياس الى البابليين ذوى الحضارة..
انتقل ميزان
القوى في ما بين النهرين الى "الإمبراطورية الآشورية Assyrians" في الشمال؛ حيث أخضعوا
البابليين بالتدريج، وأغرقوا مدينتهم بتحويل مجرى الفرات، كما أخضعوا كل الولايات
السورية، وصمم الملك الآشوري الكبير "آشور ناسيبال "Assurnasipalعلى السيطرة على آسيا الصغرى حتى شواطىء البحر المتوسط،
ودفع الملوك الاسرائليون الجزية، ومن العاصمة "نينوى Nineveh"(على نهر د جلة)..
بسطت "آشور"
نفوذها على الحدود المصرية، والجبال الأنيميانية، والخليج الفارسي..
بلغت الإمبراطورية
ذورة قوتها تحت ظل "تيجلاثبيليسر الثالث
tiglathpileser"
(أول أشورى يتوج
ملكا على بابل)، وخلفاؤه "شاكمنر",
و"سارجون الثاني", و"سناشريب", و"آشوربانيبال" آخر
الملوك(كانت لديه مكتبة ضخمة بها 22000 لوحة فخارية)..
الإمبراطورية
البابلية الثانية:
استمرت
السيطرة الآشورية أكثر من 500 سنة قبل أن ينهض البابليون ليستعيدوا أمجادهم
الحضارية، ويهزموا الشماليين ففي سنه 612 ق.م. تحالف الملك "نابوبولاسار Nabopolasar " ملك بابل مع "الميديين
Medes"
على غزو "نينوى" وبذا أصبحت لهم السيادة على أرض ما بين النهرين أقل من
مائة عام ولكنها كانت السيادة الأخيرة..
تولى بعد بولاسار
ابنه "نيبوشادنيزار "Nebuchadnezzar(بنوخذ
نصر عند العرب) الذي قام بإخضاع الشام، والقدس، وأعاد كثيرا من اليهود الى بابل
فقد كان مصلحا كبيرا أقام المدينة، والحضارة؛ فأرخت الزيجورات في عهده، واليه تنسب
حدائق بابل الأسطورية المعلقة(أحدى عجائب الدنيا السبع)..
انهارت الدولة،
أو كادت بعد وفاه الملك بفترة فقد أمضى "نابونيداس Nabonidus" آخر ملوك بابل(556- 539
ق.م.) معظم حكمه يشن الغارات على البادية العربية يساعده ابنه "بلشازار "Belshazzar
الذي كان يقوم مقامة في بابل
الى أن قرر "قورش cyrus"
ملك الفرس مهاجمتها سنة 539 ق.م. حيث هزم بلشازار في "أوبيس"، وبنفي
الملك نابونيداس انهارت بابل دون مقاومة، وأصبحت ولاية من الولايات الفارسية..
استهدفت
البلاد بعد ذلك لحملات كثير من الدول كالفرس، واليونان، والبارثيانيين Parthians، والرومان حتى فتحها العرب في
القرن السابع بعد الميلاد مبشرين بالدين الاسلامى حتى خرب المغول نظام الرى فيها في
القرن الثالث عشر بعد الميلاد..
يعود أصل
الفرس، والهنود قديما الى جنس واحد كان يستوطن سهول وسط أسيا شمال شرق بحر قزوين والذي
عرف في التاريخ "بالجنس، أو العنصر الآرى" أى النبيل لنبل تفكيره، وسمو مكانته، واعتزاره بنفسه..
اجتاحتهم موجة
الهجرات التي حدثت لسكان العالم في ذلك الوقت؛ وان كانوا أولى من غيرهم بالهجرة
الى السهول التي كانوا يرنون إليها، ويعدونها رخاء بالنسبة لجبالهم، ووديانهم
المقفرة؛ فاتجهت جماعات منهم شرقا نحو "أفعانستان" مجتازين الممر الوحيد
الموصل الى حوض السند والمعروف "بممر خيبر" فانتشروا في بلاد البنجاب
مجتاحين سكانها الأصليين، والمعروفين باسم "دوزا"، أو "دازير"
فاستأثروا بالأماكن الخصبة، وتركوا لهم سكنى الكهوف، والأحراش، واستعانوا بمن بقى
معهم في خدمتهم(حدث هذا في العصر الحديث عندما زحف الأوروبيون ميممين الى شواطىء
العالم الجديد المكتشف حديثا في الأمريكيتين؛ فاحتلوا السهول، وتركوا لسكان البلاد
الأصليين من الهنود الحمر سكنى الجبال، والكهوف الى يومنا هذا)..
تغلغل فريق
منهم حتى بلاد "الدكن" حيث يقطن "الدارويداس" منتشرين في تلك الأصقاع
مكونين المدينة المعروفة باسم "الهنود"..
اتجهت سيول أخرى
منهم نحو الغرب مجتاحين كل ما يصادفهم من سهول؛ فتسموا "بالفرس"؛ بينما
تسمى الذين اتجهوا شرقا "بالهنود".. سار الفرس مخترقين السهول فاستقرت منهم قبائل في
أماكن مختلفة بأسماء مختلفة؛ فاستوطنت قبيلة منهم( سمت نفسها "بالإيرانيين"
نسبة لأصلهم الآرى) هضبة إيران، والمرتفعات التي تشرف على الخليج العربي من ناحية
الشمال الشرقي، ومنها راحوا يتسللون الى سهول ما بين النهرين، وممالكها حتى امتد
نفوذهم من بحر قزوين حتى بحر العرب..
بعد ذلك استمر
تمييز قبائل منهم في أماكن مختلفة حيثما طاب المقام، والاستقرار.. فسكن "الميديون medes " جنوب بحر قزوين، وسكن "البارثيون"
في خرسان، و"البكتيريون" في هضاب الهندوكوش الشمالية(يلاحظ على الخريطة أنهم
تفرعوا فى ثلاث اتجاهات مختلفة)، ولا شك هنا أن سهولة اجتياز هذه القبائل للمناطق التي
استوطنوا فيها، وما بعد ذلك، وما دمروا من إمبراطوريات، وحضارات كانت موجودة في
طريقهم كالحضارة البابلية بعد حمورابى منهم من استمر في الهجرة غربا حتى احتلوا
مصر إنما يرجع لصلابة هؤلاء القوم، وخشونة عيشهم، وعدم امتلاكهم لما يخافون عليه؛
وقد عودتهم حياة الجبال، وشظف العيش أساليب المباغتة, والانقضاض, والشجاعة؛ وفضلا
عن ذلك أنهم كانوا قوم برابرة همج.. وكم أباد
البرابرة من حضارات..
لقد كان الميديون
سابقين على الفرس إدراكا لفكرة المجتمعات، وتمثلا لظاهرة الدولة كوحدة سياسية
متميزة.. فأقاموا الدويلات، والامارات، أو
المشيخات الصغيرة منذ الألف الأول ق.م. إلا أن الدولة الآشورية لم تسعفها كي تزدهر
فاحتوتها خلال فترة سيادتها ( 705- 626
ق.م.) إلا أن التوسع الآشورى قد استكان، وتقوضت مملكتها حين برزت "ميديا"
كمملكة ذات قوة، وسيادة تحالف البابليون، وأهل ليديا، ومصر ليهزموا الآشوريين،
ويدمروا عاصمة الإمبراطورية "نينوى" عام 612 ق.م.
انسحب
الميديون مرتقين مرتفعاتهم في محاوله لتوحيد القبائل الهند – أوروبية في دولة
واحدة؛ كما قاموا بتأسيس عاصمة لهم هي "Ecbatana" - "همدان" الحالية – شمال إقليم
ميديا على الهضبة الإيرانية، ويقول هيرودوت إن مؤسسها هو "ديوقيس
"Deioces ، وسرعان ما أصبحت مقر الحكم الصيفي
لحكم الأسرة الاكمينية(الهنجمانشية)؛ والتي أسسها قورش cyrus الذي ولى عرش
الفرس أميرا قويا بعد أن نجح الفرس في توحيد رقعتهم خلال الفترة ما بين( 593- 550
ق.م.)..
قاد هذا
القائد عدة حملات توسيعية أخضع بها "ليديا" واستولى على عاصمتها "سارديسSardis " عام(556 ق.م.) رغم مساعدة
ملوك الأسرة الصاوية في مصر، ومدن الإغريق، والكلدان..
واستولى على
بابل عام( 538 ق.م.)، وأصبحت ولاية فارسية تنعى حاضرها، وتبكى مجدها الامبراطورى
الزائل..
عام 529 ق.م
توقف قورش الكبير عن الفتح مع خروج آخر أنفاسه عند سقوطه في ميدان القتال شمالي إيران
تاركا إمبراطورية عظيمة تمتد شرقا الى جبال الهندوكوش، وغربا حتى بحر ايجه، ومن
بحر قزوين في الشمال حتى صحراء العرب في الجنوب؛ تلك حدود إمبراطورية صنعها هو عبر
المكان وصانتها الأقدار عبر الزمان؛ فتربعت فوق اثنتي عشرة قرنا من الزمان لترتقي أطلالها
الإمبراطورية الإسلامية تحت القيادة العربية في القرن السابع الميلادي..
كان قورش
جنديا محبوبا قبل أن يكون إمبراطورا يخلع على نفسه لقب "الشاهنشاه" أى ملك الملوك امتدادا لأحلامه
في أن تكون إمبراطورية عالمية فيدرالية متحدة تحت قيادته..
تولى بعده ابنه "قمبيز " cambyses (529 -521 ق.م.) الذي حقق
انتصارات كبيرة في أسيا مواصلا السير الى أفريقية بهدف تأمين سيطرة الفرس على مركز
الصراع في العالم القديم، وهو حوض البحر المتوسط مدركا أن أخطر منافسيه في السيطرة
على البحر هم الإغريق الذين يرتبطون بمصالح اقتصادية مع مصر؛ فقرر أن يحتلها مع
"قورينه" في ليبيا؛ فاحتل مصر دون مقاومة عام 525 ق.م. فأمكن له ضرب
اقتصاديات الإغريق في مصر إذ كانت صومعة القمح التى تطعم الإغريق، وكانت
تحوى "نقراطيس" التى كانت بمثابة السوق
الدولية الحرة The ancient free zone of Egypt ..
تولى بعده "داريوس"،
ثم ملوك آخرين غلبوا على أمرهم حتى غزا "الاسكندر الأكبر" بلادهم في
القرن الرابع ق.م.، ثم غزاهم "البرطيون" بقيادة "أرساسيس الأول"
وحكموهم 500سنة..
ثار الفرس ضد
الحكم الأجنبى سنة 226م بقيادة "آردشير" حتى طردهم، وأسس دولة الفرس
المشهورة في التاريخ "بالدولة الساسانية" حيث حكمهم أعظم ملوكهم "كسرى
أنوشروان" الملقب بالملك العادل، وصار لفظ كسرى من اسمه لقبا ممن جاء بعده من
الملوك الذين عرفوا بالأكاسرة..
حكم كسرى 48
عاما في عاصمة اتخذها على نهر الفرات سميت "بالمدائن"، وخلفه
"هرمز" ابنه الذي كانت أمه ابنة ملك التتر، وأستاذه
هو الحكيم "بزرجمهر" الذي صار وزيره، وعندما مات أهمل "هرمز" شئون
مملكته حتى غزاه "ملك التتر" لولا أن نصره أكفأ قواده "بهرام"
فرد التتر عن البلاد، ثم تحول لمحاربة "الرومانيين" حتى وقع الخلاف بينه،
وبين "هرمز" فخلعه، وولى بعده ابنه كسرى "ابرويز" الذى عمل
على التخلص من أبيه بالاستعانة بالامبراطور "موريس" الرومانى، فصادقه
طوال فترة حياته، وأكرم الرومانيين فى بلاده، ثم انقلب عليهم بعد موت امبراطورهم،
فغزا بلاد الشام، ودخل الشام، وبيت المقدس؛ حتى جاء "هرقل" الامبراطور
الرومانى فرده، ودخل بلاده حتى وصل المدائن ففر منه حتى قتله ابنه
"شيرويه" نظرا للهوه، وانصرافه عن شئون ملكه..
وتولى الحكم
سنة 629 م ولكنه لم يحكم طويلا.. حتى تولى العرش ابنه "هرمز"، ثم أختها
"آزرميدخت" سنة632م؛ ولكنها ماتت مسمومة حتى أفضى الحكم الى الملك
"يزدجرد شهريار كسرى" الذي فتح العرب بلاده فى أيامه، وجدير بالذكر أن
هرمز هو الذى جاءه كتاب "الرسول" صلى الله عليه وسلم فلم يحسن استقباله،
وأهان حامله؛ وذلك فى نفس الوقت الذي بعث فيه بكتاب الدعوة الى "هرقل"
عندما كان يزور بيت المقدس .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق