الاثنين، 11 فبراير 2013

اسرائيل.. التطور الطبيعى للاستعمار




    يقول د."عبد الوهاب المسيرى" فى تقديمه لكتاب الدكتور "جمال حمدان" عن "اليهود".. طبعة "دار الهلال":
-"جمال حمدان صاحب فكر، وليس ناقلا للأفكار" مثل عدد لايستهان به ممن يسمون بالمفكرين فى بلادنا.. الذين جعلوا همهم نقل آخر فكرة، وآخر صيحة عادة من الغرب.. أولئك الذين يرون أن العالم هو الغرب، ولاشىء سواه، وهى النظرة الاستعمارية التى سادت طويلا، والتى تركز على أن الدنيا هى أوروباEuro-Centric ، والآن أوروبا، وأمريكا معا Atlanta-Centric، أو الغرب بعامة West-Centric، وهكذا يتحول المثقفون الى أعضاء فى شركات نقل الأفكار التى لاتختلف كثيرا عن شركات نقل المعلومات، أو حتى نقل البضائع..
    ولاشك أن غياب المشروع الحضارى المستقل يزيد من انتشار هذا النموذج، اذ يحل التفكير السهل المباشر من خلال الكم المصمت محل التفكير المركب من خلال الرؤية، والهوية، والحلم، والأمل، ويصبح التلقى المهزوم، والاذعان الموضوعى للأمر الواقع بديلا لمحاولة رصد الواقع بأمل تغييره، واعادة صياغته، وقد زحف هذا النموذج على المقررات المدرسية، وفلسفة التعليم فى مدارسنا، ومن هنا كان التلقين، والدروس الخصوصية التى لاتعلم الطالب شيئا الا اجتياز الامتحانات..
    ولكن حق علينا كذلك ألا نغرق فيها، أو نتوه، هذه الثنائية الأساسية هى التى جعلت جمال حمدان يرفض هذا المفهوم المعرفى الذى يشكل الأساس الفلسفى، وامكانية الاجتهاد، ليحل محل فكر مادى حتمى ممل يقضى على الانسان.. فمصر الفرعونية لم تعد الا مكدسة فى المتحف، أو معلقة كالحفريات على سفوح الهضبتين، أما فى الوادى فقد انقرضت كما انقرضت من قبل تماسيح النيل من النهر..
    جمال حمدان بلا منازع هو واحد من أهم فلاسفة ثورة 23 يوليو.. فقد بلور رؤيتها للذات، وللكون، وللآخر، ووضع الأسس الفلسفية لمشروعها الحضارى الثورى..
    يعبر جمال حمدان الموقف الجيوستراتيجى المصرى كله فى ايجاز من خلال سلسلة من المعادلات الاستراتيجية على النحو التالى:
-         من يسيطر على فلسطين.. يهدد خط دفاع سيناء الأول..
-         من يسيطر على خط سيناء الأوسط.. يتحكم فى سيناء..
-         من يسيطر على سيناء.. يتحكم فى خط دفاع مصر الأخير..
-    من يسيطر على دفاع مصر الأخير.. يهدد الوادى.. وهذا بالضبط نواة نظرية الأمن المصرى.. فان موقع مصر مهددا، وأبدا، وبانتظام بالاجهاض، والشلل الجزئى مابقيت اسرائيل.. خاصة وانها تريد أن ترث دور القناة نهائيا..
    ويرى جمال حمدان أن اسرائيل استعمار سكنى فى الدرجة الأولى، ويرى ثمة خصوصية لهذا الاستعمار السكنى.. فالنمط اللاتينى يضيف المستعمرين الى الأهالى الأصليين بلا ابادة عامة كما فى أمريكا اللاتينية، أو الجزائر، والنمط السكسونى يقوم على احلال المستعمرين محل الأهالى الوطنيين بالابادة، أو الطرد كما فى استراليا، وجنوب أفريقيا، والولايات المتحدة، ثم اسرائيل التى تتبع بالتأكيد النمط السكسونى..
    وهدف اسرائيل الكبرى أن تستوعب كل يهود العالم، ومثل هذا لايتم الا بتفريغ المنطقة من أصحابها بالطرد، أو الابادة، ولاسبيل الى هذا الا بالحروب العدوانية الشاملة، ونحن بهذا ازاء اخطبوط سرطانى، وعدوان آنى واقع، وعدوان سيقع فى أى آن.. فوجودها الشرعى رهن بالقوة العسكرية، وبكونها ترسانة، وقاعدة، وثكنة مسلحة، وأمن اسرائيل هو مشكلتها المحورية، وحلها أن يصبح جيشها هو سكانها، وسكانها هم جيشها، وهو مايعبر عنه "بعسكرة اسرائيل"، وأنها استعمار اقتصادى..
-"ان العرب، واليهود أبناء عم من الناحية العنصرية"..
    بهذه الجملة الخطيرة، وبهذا الجزم القاطع يخاطب "فيصل بن الحسين الهاشمى" الذى سيصبح ملكا على العراق فيما بعد القاضى الأمريكى اليهودى "فيلكس فراكفورتر سنة 1919م، ويقول فيصل أيضا – حسب ماورد فى كتاب الأستاذ "جمال حمدان" - :
-"اننا سنرحب باليهود ترحيبا قلبيا فى عودتهم الى البلاد، وهناك مجال فى سوريا يتسع لنا جميعا"..
    ويعود نفس المتحدث الى نفس الفكرة ليؤكدها فى مؤتمر الصلح بباريس فى نفس العام فيعلن:
-"ان هناك صلات وثيقة من القرابة، والدم بين العرب، واليهود.. كما انه ليس ثمة تعارض واضح فى الصفات المميزة للشعبين"..
    وبعد نحو نصف قرن من هذه التصريحات.. أعلن السعودى "فيصل" أثناء زيارته للولايات المتحدة انه:
-"لايكن شيئا ضد اليهود لأننا أبناء عمومة فى الدم"..
    وهذا "حسين" الأردن – آخر الهاشميين –  يأتى من بعده ليعلن أخيرا جدا:
-"ان العرب، واليهود عاشوا مراحل طويلة فى التاريخ جنبا الى جنب فى صداقة، وتعاون كأقارب، وجيران"..
    وهذه قيادات عربية رجعية دعية فرضت، أو فرضت نفسها عليهم، والثابت المقرر فى القانون الدولى أن ترك شعب لوطنه آلافا سحيقة من السنين لايمكن الا أن يحرمه كل حق فى المطالبة بالعودة اليه الآن، والا انقلبت صورة الدنيا رأسا على عقب.. فهؤلاء الساسة يمكن أن تفتح أقوالهم هذه بابا للحلول الخاطئة، أو الخائنة.. سيئة النية، أو ساذجة النية..
    وأول سماعنا عن اليهود فى التاريخ كان مع "ابراهيم الخليل أبى الأنبياء".. الذى ظهر مع قومه فى القرن الثامن عشر ق.م. كجماعة من الرعاة الرحل بجنوب "العراق" الذى كان يؤلف دولة "الكلدانيين" فى "أور"، ومن قبله خرج ابراهيم، وقومه من قلب الجزيرة العربية..  كجماعة من الجماعات السامية العديدة التى خرجت من هذا الخزان البشرى كاقليم طارد فى موجة تلو الأخرى الى منطقة "الهلال الخصيب" المتاخمة، والجذابة..
    هاجر ابراهيم، وقومه فى دوره عكس عقارب الساعة شمالا بغرب، ثم جنوبا على طول حواف الهلال الخصيب حتى وصلوا الى "حوران" ثم الى "فلسطين"، وهناك يولد "اسحق".. ثم "يعقوب"، ومن ابناء يعقوب الاثنى عشر ستتأصل "الأسباط"، أو القبائل الاثنتا عشرة الشهيرة فى التاريخ، والتوراة..
    و"الكنعانيون" فى التوراة هم أبناء "كنعان بن حام بن نوح" أول من سكن فلسطين.. جاءوا أصلا من الجزيرة العربية منذ 2500 ق.م.، أو 3500 ق.م.، ورحل منهم جزء الى الساحل اللبنانى حيث عرفوا بعد ذلك "بالفينيقيين"، وشارك "الأدوميين"، و"العمونيين"، و"المؤابيين" الكنعان على تخوم فلسطين، وهى أيضا "قبائل سامية"، كما جاورهم "الآراميين" فى "سوريا" كموجة سامية منذ القرن الرابع عشر ق.م...
    ويعد "الفلسطينيون Philistines" أحدث عهدا من "العبرانيين" فى المنطقة، وأصل هؤلاء "شعوب البحر Sea-Peoples" الذى أتوا من "العالم الايجى"، وانتشروا على سواحل اللفانت، أو مشرق البحر المتوسط نتيجة اضطرابات فى موطنهم الأصلى نتجت بدورها عن تدفق "الاغريق" ربما على "جزيرة كريت" التى يرجح أنها موطنهم الأصلى، وذلك أيام "حروب طروادة" سنة 1200ق.م...    
    وكان لابد من قيام حروب بين الكنعانيين الأصليين، واليهود الوافدين الذين تميز وجودهم بسفك الدماء اللاأخلاقى، وكانت الهزيمة من نصيبهم غالبا، وعلى يد الفلسطينيين أقوى أعدائهم، وهاجر "يعقوب"، وأولاده الى مصر بسبب القحط المشهور فى منتصف القرن السابع عشر ق.م... أى بعد 150 سنة فقط من هجرة ابراهيم، واستقر يعقوب "بأرض جاشان Land of Goshen"(وادى الطميلات، والشرقية) نحوا من 3500 سنة الى خرج بهم "موسى" عليه السلام(من الجيل السابع بعد ابراهيم) حوالى سنة 1300ق.م. هربا من اضطهاد "فرعون" الذى استعبدهم، ومرر حياتهم فى الطوب، والملاط انتقاما منهم لتعاونهم فى خيانة واضحة مع "الهكسوس" غزاة مصر..
    وفى التوراة كانت قوة الخروج 600 ألف نسمة، والهدف هو العودة الى "أرض كنعان"، ولكنهم خافوا الكنعانيين(العمالقة) فأدت بهم الى المعصية، والعقاب فى التيه فى سيناء 40 سنة، ويرى البعض أن الحكمة من التيه هو اخضاع اليهود لعملية صارمة من "الانتخاب الطبيعى" تصفى، وتستبعد منهم العناصر الضعيفة الخائرة، وتنتخب العناصرالقوية الصلبة من جيل هش منسحق، الى جيل مجدد فوار يصلح لحمل الرسالة، الى أن قادهم "يوشع" الى "نهر الأردن" حيث انتزعوا بعضا من أرض كنعان فى الداخل دون العاصمة "يبوس"(القدس)، وساحل الفلسطينيين..
    وبالتحديد وحد "داود" عليه السلام الأسباط، أو قبائل اسرائيل الاثنتا عشرة سنة 1000ق.م...  فهزم اليبوسيين، والفلسطينيين، وأسس، ووسع "مملكة اسرائيل Frests Israel" من "دان" فى الشمال الى "بير سبع" فى الجنوب، واتخذت يبوس عاصمة لها بعد أن تحول اسمها الى "أورشليم Ierouchoulaim" أى مدينة السلام، ولم تصل الدولة قط نحو الساحل، ثم انشطرت الى مملكتين بعد "سليمان" عليه السلام خليفة داود، وصاحب الهيكل، وهما مملكة "يهوذا" جنوبا فى هضبة يهودية، وتضم قبيلتا "يهودا"، و"بنيامين"، ومملكة "اسرائيل" شمالا فى "السامرة"، وتضم القبائل العشرة الباقية، ونلاحظ أن حدود هاتين الدولتين تتفق الى حد ما مع رقعة "الضفة الغربية" من دولة الأردن..
    وأصبحت المملكتان متعاديتين متحاربتين.. فتعرضت الجنوبية للهجوم المصرى على يد "شيشنق"، والثانية على يد "نخاو"، كما تعرضت المملكة الشمالية لهجوم "سرجون" الآشورى فى القرن الثامن ق.م.(عام 721) ليقضى عليها نهائيا.. بينما قضى "بنوختنصر" البابلى على المملكة الجنوبية فى القرن السادس ق.م... حيث دمر أورشليم، والهيكل(586 ق.م.).. فزالت دولة اليهود فى فلسطين بعد أربعة قرون فقط.. فلم تزد اقامتهم المتصلة فى فلسطين عن ستة قرون من 1200 الى 586 ق.م... 
الشتات:
1- الشتات البابلى:   
     يبدأ بعد سفر "التكوين" سفر "الخروج"، والشتات Diaspora.. فقد بدأ سرجون ينقل كثيرا من بنى اسرائيل "السامرة" من أبناء القبائل العشر الى "بابل"، وأسكن مكانهم بعض أسراه من البلاد المفتوحة.. بينما نقل بنوختنصر أغلبية اليهود(ربع السكان المقدر بثلاثة أرباع المليون) أسرى الى بابل..
    استمر الأسر البابلى مدة نصف قرن بعد أن هزم "الفرس" البابليين على يد "كسرى" 538 ق.م.، وسمح لهم بالعودة الى أورشليم التى لم ترحب كثيرا خاصة من أولئك الأسرى الذين حلو محلهم، ولم يعد منهم الكثير الذين كونوا مستعمرات "بالعراق".. انتشروا منها الى "كردستان"، و"أفغانستان"، و"بخارى"، و"سمرقند" فى "التركستان" مع تعرضهم للابادة مع سكان العراق ابان المد المغولى على الدول الاسلامية، وانتشر اليهود الى الشرق الأقصى "بالهند"، و"الصين"..
    أما يهود "الجزيرة العربية" قبل الاسلام فلا يعرف بالضبط من أين أتوا، وأى طريق سلكوا، وربما كانوا امتدادا للشتات البابلى.. فقد كانوا غير قليلين فى مدن وسط الجزيرة، وجنوبها.. خاصة "الحجاز"، و"اليمن".. ففى الوسط كانت "المدينة"، و"خيبر"..  حتى أن اسم المدينة كان "يهوديا"، وهو "يثرب"، والمرجح أنهم كانوا "عربا محليين" متحولين، وليسوا من يهود فلسطين الوافدين.. أما فى اليمن فقد تحولت أعداد كبيرة من سكان العصر السبئى الى اليهودية حتى كان منهم أحد ملوك سبأ وهو "ذو نواس" فى القرن السادس الميلادى.. كما أن "الحضارمة" الذين أسسوا "الامبراطورية الحبشية" بعد أن هاجروا الى الحبشة كانوا "يهودا تحولوا مبكرا الى المسيحية"، ولما جاء الاسلام..  صفى الجزيرة العربية من اليهود؛ ماعدا اليمن..  كما اتجهت بعض الهجرات من شتات الأسر البابلى غربا نحو المغرب؛ ويسمون Plishtim..  وهو تحريف واضح لفلسطين، وهناك من يرجح دخولهم "شمال أفريقيا" مع "الفينيقيين"..
2- الشتات الهللينى:
    وهى تبدأ بفتوح "الاسكندر"، وتستمر مع "السلوقيين"، و"البطالسة"، ثم "البيزنطيين"، وكان الاتجاه نحو "الغرب"، وقد قاوم بعض يهود فلسطين "الصبغة الهللينية"، وقاموا فى القرن الثانى ق.م. "بالثورة المكابية" المتعصبة..  رغم انتشارهم الواسع فى كل العالم "الهللينيستى"، و"البيزنطى"..
    وفى "مصر" كانوا ثلث سكان "الاسكندرية البطلمية" الذين قاموا فيها بثورة قتلوا فيها 220 ألفا من السكان الأصليين، وكان هناك ثمة مركزان رئيسيان لهم هما.. "البلقان"، وسواحل "البحر الأسود" الشمالية، وقد أفلت هؤلاء اليهود من طرقات، وموجات "القوط"، و"الهون"، و"التتار" التى اجتاحت جنوب "الروسيا"..
    ومن "التتار" تكونت "دولة الخزر" اليهودية فى القرن السابع الميلادى أيام "شارلمان".. بينما بالمقابل تحول اليهود المهاجرون الى لغة الخزر "التركية" المسماه "بالجاجتاى Jagatai"..
3- الشتات الرومانى والوسيط: 
    وهو الذى أخذهم بعيدا الى الغرب الأقصى، واكتمل "الفتح الرومانى لفلسطين" الذى يكاد يعاصر بداية "العصر المسيحى".. فمع الثورات المتتالية لليهود بسبب قتلهم فى فلسطين..  رد الحكم الرومانى بتخريب "أورشليم"، و"الهيكل"، وابادة اليهود فى المذبحة الفاصلة(تيتوس) فى السنة السبعين بعد الميلاد، ولما أعادت بقايا اليهود الكرة سنة 135م.. قوبلوا بمذبحة نهائية أيام "هارديان" الامبراطور قضت على اليهود الى الأبد فى فلسطين كدولة، وقومية بالابادة، والهجرة خلافا لتدمير أورشليم، والهيكل مرة أخرى، وكانت هذه نهاية علاقتهم بفلسطين، والقدس سياسيا، وسكانيا الى الأبد.. وهناك بقايا تحولت الى المسيحية.. أهمها "السامريون"، وفى بداية القرن التاسع عشر لم يكن عدد اليهود فى فلسطين يتجاوز 10 آلاف نسمة..
    واقترنت موجة "الابادة الأوروبية لليهود" فى العصور الوسطى "بالحروب الصليبية".. فخلت "فرنسا" منهم أواخر القرن الرابع عشر، بينما ظل يهود "ايطاليا" متقوقعين بها.. بل وتلقوا هجرات أخرى فيما بعد.. أما يهود "المانيا"، و"أسبانيا" فقد تعرضوا لأشد أخطار الابادة، والطرد، ومن نسلهم يستمد التقسيم الثنائى الرئيسى الذى يفرق بين يهود شمال أوروبا "الأشكيناز  Ashkenazim"، ويهود جنوب أوروبا، وحوض البحر المتوسط "السفاردى Sephardem"، وهما كلمتان قديمتان فى التوراة استعارتهما التقاليد اليهودية فى العصور الوسطى للتمييز بين يهود المانيا، ويهود أسبانيا.. فيهود المانيا ينحدرون من نسل قبيلة "يهوذا"، ويهود أسبانيا من نسل قبيلة "بنيامين"، والسفاردي يعدون "أرستقراطية" اليهود على الأساس الدينى، والأشكيناز يؤلفون "الأغلبية" الساحقة، وهى الطبقة "المتفوقة" حضاريا الى حد يحتقرون معه السفاردي..
    وتبدأ قصة السفاردى مع طرد اليهود مع العرب من أسبانيا فى "حروب الاسترداد Reconquista" عام 1492م.  بعد "الاضطهاد"، و"الابادة" على يد "محاكم التفتيش".. فانتشر اليهود بعدها فى "هولندا"، و"انجلترا"، و"ايطاليا"، و"فرنسا"، والى شمال أفريقيا من "مراكش"، حتى "تونس"؛ وبالأخص الى "الامبراطورية العثمانية".. ابتداء من "البلقان"، و"الدانوب" حتى "الأناضول"، و"الشرق الأوسط"، وتكونت بؤراتهم فى "سالونيك"، و"القسطنطينية"..
4- الشتات الحديث:
    هو بلا شك الانتشار فى "العالم الجديد" عامة، وفى "الولايات المتحدة" خاصة، وتشمل ثلاث مراحل.. الأولى تتفق مع ما يعرف فى التاريخ الأمريكى "بالعصر الاستعمارى" فى القرنين السادس عشر، والسابع عشر، ومصدرها الرئيسى "أسبانيا"، و"البرتغال"، وقوامها السفاردى أساسا، وتتعاصر مع "الآباء المهاجرين"، و"البيوريتان"، ولكنها محدودة عدديا..
    أما المرحلة الثانية فهى عصر "الثورات، والاضطرابات السياسية" فى أوروبا أواسط القرن التاسع عشر من المانيا، ثم فرنسا، الى الولايات المتحدة؛ وكانوا نحو 230 ألف يهودى..
    أما المرحلة الثالثة من 1885 الى 1914م  من "روسيا القيصرية" – "النمسا" – "المجر"، و"رومانيا"، الى الولايات المتحدة فكانوا زهاء 1562000 يهودى.. ومن هنا تصبح الولايات المتحدة بعد فتح باب الهجرة أضخم تجمع لليهود على وجه الأرض، وكذلك انطلقت الهجرة نحو "أمريكا اللاتينية" خاصة "البرازيل"، و"الأرجنتين"..
    كما استقبلت "استراليا"، و"جنوب أفريقيا" هجرات يهودية ذات كثافة، وقوة.. كما اضطردت الهجرات بقوة من "المانيا النازية" نحو فلسطين ابان الحرب العالمية الثانية كما اتجه الجزء الأكبر نحو الولايات المتحدة..
    ولاينبغى أن ننسى المجال السوفيتى.. حيث هجر بعض اليهود "الروسيا" الى "الشرق الأقصى السوفيتى"، وأقيمت لهم جمهورية خاصة هى جمهورية "بيروبيدجان Birobidjan"اليهودية فى حوض "الآمور"..
طفيليات المدن:
    اليهود بالدرجة الأولى "سكان مدن"، ومدن كبرى على وجه الدقة، وحين نتكلم عن يهود دولة.. فاننا نتكلم عن يهود العاصمة، ومدينة، أو اثنين الى جوارها، وهذه حقيقة طاغية، وأبدية طوال التاريخ قديما، وحديثا..
    ومن هنا هل يمكن أن نرد هذه الظاهرة الى غريزة طفيلية استغلالية فى طريقة الحياة اليهودية، أم الى قوى ضغط خارجية؟..
    يرى البعض أن قوانين العصور الوسطى حرمت على اليهود امتلاك الأرض، وفرضت عليهم حياة "الجيتو"، ولكن البعض الآخر يرى أن اليهودى مرتبط دائما "بالمال"، و"التجارة"، و"السمسرة"، و"الربا"، وأنه يكره العمل اليدوى الشاق، أو فى الخلاء.. بل يكره بذل الجهد الجسمانى بصفة عامة، ويفضل أن يعيش بعقله، لابعضله  Brain not Brawn، ولذا فهو يبتعد عن الزراعة أولا، وعن الصناعة الى حد معين، ولايكثر تعداده فى المناطق الزراعية، أو الصناعية، ويتقاطر عدديا على المدن حيث "الأعمال الحرة"، والمعاملات "التجارية"، والأنشطة "المالية"، و"المصرفية"..
    ولانعرف فى التاريخ الحديث أن اليهودى ارتبط بالزراعة، وبالمثل فى التعدين، والصناعة.. فمن الغريب أن الاتحاد السوفييتى، والولايات المتحدة لايعرفان يهوديا واحدا من عمال المناجم بالذات، وعلى العكس من ذلك كله يوجد فى التجارة، والمهن الحرة.. فقديما كانت كلمة "اليهودى" مرادفة لكلمة "التاجر"، وحديثا يحتشد اليهود فى الوظائف الحرة "كالطب"، و"المحاماة"، و"التجارة"، و"المال"، و"الصحافة" حتى أن نصف مجموع "الأطباء"، و"المحامين" فى ولاية "نيويورك" من اليهود، فمن الواضح أن طراز حياة اليهودى هو الأعمال غير المنتجة، والوظائف الطفيلية..      
مجتمع الجيتو:
    الخلية النهائية، والأساسية فى توزيع اليهود "الجيتو  Ghetto".. أو "حى اليهود"، أو معزلهم فى المدينة..  فطوال عصور التاريخ، وفى كل البلاد، والأقاليم ارتبط اليهود بلا استثناء "بالعزلة السكنية"، والجيتو فى أوروبا، وأمريكا، أو "حارة اليهود  Judengasse" فى المانيا، وكما نقول نحن فى مصر، و"اليوديريا  Juderia" فى أسبانيا الوسيطة، أو "المله  Mellah" فى المغرب العربى، أو القاع "قاع اليهود" فى اليمن..
    وهذ الوحدة الخلوية اليهودية تغلف بحائط خاص داخل المدينة، أو يقام الحى برمته خارج أسوار المدينة، وغالبا ما يؤلف حى اليهود قطاعا من الأحياء الفقيرة المنحطة فى المدينة، ومع ذلك فقد كان أغنياء اليهود يتعدون هذا الحصار ليعيشوا فى الأحياء الراقية، وقد يكون "العزل السكنى  Residential Segregation" مفروضا بقوانين الدول، والشعوب التى يعيش اليهود بين ظهرانيها، ولكنه كثيرا أيضا مايرجع الى صنع اليهود أنفسهم..
نقاوة أم اختلاط.. 
يهود تأوربوا أم أوربيون تهودوا؟!..
    أثبتت الدراسات السيريولوجية تماما أن اليهود يبدون فيما بينهم معدل تفاوت كبير جدا فى فئات الدم..  مما ينفى تجانس الأصل، وأكثر من ذلك لاتبدى تلك الفئات أى علاقة بفئات الدم عند اليهود السامريين.. مما يؤكد عمق انفصالهم جنسيا عن الأصل القديم..
    ولعل السامريين هم المجموعة الوحيدة من اليهود التى يتفق الجميع على أنها ظلت فى فلسطين طوال التاريخ حتى يومنا هذا فى عزلة كاملة، وتزاوج داخلى ضيق، وفى نقاوة لاشك فيها، وانهم أكثر من أى مجموعة أخرى يمثلون العرق اليهودى الفلسطينى الأصلى القديم..
     وبالتالى فان الواضح أن النقاوة الجنسية المزعومة لهم انما هى محض "خرافة".. فليس اليهود جنسا بل مجرد "ناس" بكل بساطة..  ان اليهود لايمكن أن يصنفوا لا كأمة، ولاحتى كوحدة أثنولوجية.. بل هم  بالأحرى مجموعة اجتماعية، دينية تحمل قدرا كبيرا من عنصر البحر المتوسط، والأرضى، وغيرهما كثيرا..
    ويعتبر اسم "كوهين" تحريف للكلمة العربية "كاهن"..
    ولما كان كل شىء فى المانيا النازية حينذاك يقاس بالجنس "النوردى"، والأصل "الآرى".. فقد كان اليهود يدعون أنهم من ذلك الجنس، والأصل ليفلتوا من عقاب، ولعنة "السامية".. أما الآن بعد اغتصاب فلسطين.. فكل دعواهم أنهم ساميون لحما، ودما..    
    وكان هناك طريقان أساسيان لانتشار اليهودية، وتمددها.. التحول الدينى، والتزاوج، والامتزاج.. وهناك تحولات معروفة بالجملة، ومحددة تاريخيا.. أهمها حالة "الخزر"، و"الفلاشة"، واليهود السود من "التاميل"، واليهود "القرائين" فى طوربس..
    ومن الثابت كذلك ابان "الأسر البابلى" الذى استمر 140 عاما أن كثيرا من اليهود تخلوا عن ديانتهم القديمة.. قام اليهود بكثير من "التبشير" بنجاح عظيم عبر قرون طويلة، الا أن الموقف تغير بعد أن أصبحت "المسيحية" الديانة الرسمية للامبراطورية الرومانية.. حيث أصبح التحول الى اليهودية صعبا، وكان اضطهاد "القوط الغربيين" فى أسبانيا لليهود فى القرن الخامس، والسادس الميلاديين انما يرجع الى نشاطهم التبشيرى الخطير، والى تفشى الزواج المختلط بينهم، وبين المسيحيين..
    وفى "أسبانيا"، و"البرتغال" بعد الاسترداد أجبر مئات الآلاف من اليهود على "التنصر" بالقوة، والتحول الى المسيحية.. فذابوا بعدها فى السكان، ومع الهجرة الى "العالم الجديد".. تحول كثير من "الهنود الحمر"، و"الزنوج" فى "أمريكا الوسطى"، و"الجنوبية" الى اليهودية..
    بل ان الفكرة الجذرية فى خلق اسرائيل ليس فى النهاية الا فكرة الجيتو بحذافيرها، وانما على مقياس مجمع كبير.. انها الجيتو "دولة".. أو هى دولة "الجيتو"..
    مالايزيد عن 5 % يتفقون مع ماعرفنا أنه النمط السامى القديم، وهذا يتفق تماما مع ماتؤكده دراسة حديثة قام بها فى العام الأخير فقط انثربولوجى بريطانى، هو "جيمس فينتون" على "يهود اسرائيل".. توصل فيها الى أن 95 % من اليهود ليسوا من بنى اسرائيل التوراة، وانما هم أجانب متحولون، أو مختلطون.. ان اليهود اليوم ليسوا من بنى اسرائيل..
أفكار خاطئة:  
    المغالطة الكبرى العامدة فى تسمية اضطهاد اليهود "بضد السامية".. ولكن الحقيقة نحن بازاء "ضد اليهودية" ببساطة، وبلا تعقيد.. واذا كان الالمان يتكلمون عن ضد السامية Anti-Semitimus، وكراهية اليهود Judenhetze  كمترادفين.. فان التعبير الآخر أدنى الى الحقيقة العلمية من الأول، والاضطهاد النازى لليهود فى المانيا لم يكن جوهره الا اضطهاد المان لالمان..
    يسقط كذلك ببساطة، وتلقائية أى دعوى قرابة دم بين العرب، واليهود.. قد يكون يهود التوراة، والعرب أبناء عمومة، وانما تاريخيا فحسب؛ حين بدا الكل قبائل مختلفة من الساميين الشماليين، وحين كانت العبرية لغة تشتق من الأصول العليا التى تفرعت عنها العربية، ومن الصحيح بالفعل أن اسماعيل أبا العرب، واسحق أبا اليهود.. أخوة غير أشقاء، وكلاهما ابنا ابراهيم، ولكن تصدق هذه الأخوة لنسليهما فى البداية فقط، أما بعد ذلك فقد ذاب نسل أحدهما فى دماء غريبة، ووصل الذوبان الى حد الاحلال.. حتى أصبحنا ازاء قوم غرباء لاعلاقة لهم البتة باسحاق.. فضلا عن اسماعيل، ولايمكن بعد أن اختفى يهود التوراة كشبح.. أن يكون يهود أوروبا، والعالم الجديد أقارب العرب جنسيا أكثر من قرابة الأوروبيين، والأمريكيين للعرب، وغير هذا – حتى لو ادعاه ملوك العرب ابتداء من فيصل بن الحسين الى فيصل آل سعود – ليس الا من قبيل أوهام العوام.. بل جهالات الملوك..
    ان اليهود اليوم هم أقارب الأوروبيين، والأمريكيين.. بل هم فى الأعم والأغلب بعض، وجزء منهم، وشريحة لحما، ودما وان اختلف الدين، وهم ليسوا كما يدعون غرباء، أو أجانب دخلاء يعيشون فى المنفى، وانما هم من صميم أصحاب البيت نسلا، وسلالة لايفرقهم عنهم سوى الدين، وهم غرباء، ودخلاء بلا جذور فى بيت العرب وحده فى فلسطين بالاستعمار، والاغتصاب قهرا، وابتزازا..  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق