الثلاثاء، 28 مايو 2013

مصر بعد الاخوان المجرمين


الثلاثاء، 21 مايو 2013

السر فى الاتحادية


   أن يبدأ تحرير جنودنا الرهائن من سيناء فهذا خطأ تكتيكى من سيتحمله؟.. ولكن الأصوب تخليص مصر أولا من قصر الاتحادية بعد ازالته نهائيا بمن فيه، فالمعروف فى عرف الجيوش فى العالم توجيه فوهات المدافع صوب القائد الخائن قبل الخروج للحرب، والا قل على الجيش وعلى البلد الذى يحميه السلام..

السبت، 18 مايو 2013

الوضع الراهن


   خلال الحرب فى اليمن جاءت اشارات للقيادة فى القاهرة عن قتل بعض القبائل اليمنية لجنود الجيش المصرى غيلة فى احدى القرى اليمنية فماكان من القيادة فى مصر الا اعطاء أوامر فورية للطيران المصرى بضرب القرية وتسويتها بالأرض، وعندما استشهد الفريق عبد المنعم رياض عن طريق احدى الدشم الحربية الاسرائيلية شرق القناة صدرت الأوامر بضرب الدشمة وازالتها من الوجود.. فهل نضبت مصر من الرجال الشجعان، وبقى لها أصحاب المصالح، والامتيازات، وهل لايستطيع الطيران الحربى المصرى ازالة حماس الاسرائيلية من الوجود، ثم تحديد تواجد عناصر القاعدة فى مصر بواسطة المخابرات وكشفهم، والتخلص منهم تباعا بمساعدة الشعب، حتى تأتى المواجهة مع الاخوان فيكونوا قد سقط ريش أجنحتهم، فاما أن يصبحوا فصيلا سياسيا يتداول السلطة مع غيره بالانتخابات الحرة، والا المواجهة اذا أرادوا  أن ينفصلوا عن هذا الشعب..

الأحد، 12 مايو 2013

ابليس


  
   يقول الأستاذ "عباس محمود العقاد" فى كتابه "إبليس"..  اصدار مؤسسة أخبار اليوم:
   تاريخ الإنسان في أخلاقه  الحية لا ينفصل عن تاريخ الشيطان، ولهذا عرفنا من تاريخ الشياطين أنه سقط - أي إبليس – لأنه أنف من تفضيل آدم عليه، وعلى الجان، والملائكة أجمعين، وإنما فضل آدم عليهم لأنه عرضة للخير، والشر، ولأنه مطالب بالخيرات، وهو ممتحن بالشرور..  
   ففضل على الملائكة الذين لا يصنعون الشر لأنهم بمنجاة  من غوايته، وفضل على  الجان الذين لا يختارون بين نقيضين..  فمهما نتخيل من مخلوق قابل لأن يعرف بعد جهل، ويدرك بعد قصور فليس غير الإنسان مصداقا لذلك المخلوق؛ ليست  الملانكة، ولا الجان في صورتهما الحية مخلوقات نامية في معرفتها، ولكنها  في صورتها تعلم ماتعلم كأنه من خصائص معدنها التي لاتفارقها.. فلااجتهاد لها فيما تعلم، وكل ما أوتيته فلاحيلة لها، ولا حول فيه..  كلمعان النور، ووهجان النار وقالوا:
-"سبحانك لاعلم لنا الاماعلمتنا"..  ولاكذلك سليل التراب، ومن كان قابلا لأن يأتى بالعجب فى علمه، وجهله فهو مسئول عن هذا، وذاك..  
فليست القداسة أن تكون نورا، وأنت نور..
وليس الفخار أن تكون نارا، وأنت نار..
وانما القداسة، والفخار أن تكون نورا، ونارا، وأنت تراب، وأن تسبح،  وتقدس وأنت قادر على  الفساد، والعدوان، وكلما ذكرت الأخلاق الحية فقد ذكر تاريخ الشيطان في ثوب الحياة، وتلك هي الأخلاق الحية كما تعيش في اللحم، والدم، وفى القيم، والمزايا، وينادى الإنسان باسم من هذه الأسماء فلا يفهمه كما تفهم  الكلمة عند المراجعة في القواميس.. بل يفهمها حبا، وبضغا، وغبطة، وندما، ورضوانا، وسخطا، وحركة تنبض بها العروق، وسرا يختلج في الأعماق..  الإنسان قابل للطموح إلى ما يعلو عليه، والهبوط إلى ما ينحدر دونه من صفات الكائنات جمعاء..
   إن خالق الكون لم يرد بإعطاء الناس حياتهم أن يعطيهم قاموسا، أو موسوعة من العناوين، والمصطلحات.. ففي وسعهم هم أن يعطوا أنفسهم هذه القواميس، وقد أعطوا أنفسهم هذه القواميس فعلا، فاذا هي أكثر الأشياء اختلافا..
   ولكن هذا النوع الانسانى تلقي وجوده من خالقه حياة تجيش في ضمائره، وفيما حوله بالحقائق الحية، ولم يكن الإنسان يقسم هذه الأرواح إلى ذات خير، وذات شر لأنه لم يميز بين الخير، والشر الا بعد معرفته بصورة الشيطان كما تقدم(تعليق:عرف الإنسان الشيطان من أبيه آدم عليه السلام)..
   والمهم في هذا الشيوع أنه أصيل في البداهة الإنسانية، وأنه لم يكن من تدجيل الكهان، والسحرة، ويكاد الشبه بين الأرواح في القارات المتباعدة أن يكون أقرب من الشبه بين الآدميين أنفسهم في تلك القارات، وانها لظاهرة جديرة بالتنبيه لها، والتوقف عندها فى علم المقارنة بين الأديان، لأنه قد تقضى بنا إلى الوقوف على سليقة دينية شديدة التقارب بين الأجناس، والأقوام لأنه دليل على أن وحدة السليقة الدينية أقرب جدا من وحدة القريحة، والخيال،  وإذ ليست أساطير الفنون على درجة من التشابه تقارب ذلك التشابه بين الأرواح، والأطياف في الأديان، والمعتقدات..  إن الدين أعمق في كيان الإنسان، وأن الذي يحدث في حالة النوم يحدث في حالة الموت، فيسكن الجسد، ويبلى، ويتحرك الروح الذي فارقه بفراق الحياة..
   ومن العلماء من يرجع بعقيدة الأرواح إلى عبادة الأسلاف بعد الموت، ويكاد علماء الأجناس، والعادات البشرية أن يجمعوا على إيمان القبائل الفطرية باله واحد أكبر من هذه الأرواح المتعددة، وأخفى منها في ظواهر الطبيعية، ومواجهة الأرواح لا يجدي فيه البأس، ولا تصلح له الشجاعة، فكانت حيلة السحر التي انتهى إليها، ولم يكن له بد منها بحال، وكلمة القديسين، والقديسات كانت تطلق عند البابليين، والكنعانيين على الذكور، والإناث الذين ينصبون أنفسهم للبغاء في حرم الربة "عشتروت"، أو السارية، وقد ترجمت هذه الكلمة في كتب العهد القديم بكلمة المأبونين، والزانيات، ويقال عن الربة انها نفسها كانت خليلة الأرباب، ولدت منهم سبعين إلها "ايليم"؛ وفى القبائل البدائية ثلاثة أنواع من المحرمات المقدسة وهى:
(1) الطوطم totem، وهو الحيوان الذى تحرم القبائل قتله، وصيده لاعتقادها أنها تناسلت منه، أو لأنها ترمز به إلى معبودها، وأصل وجودها..   
(2) الوثن، أو التعويذة، وهو الذى اصطلح علماء الاجناس على تسميته بالفيتيش   fetish ، وهو صورة، أو حجر، أو حصاة، أو قطعة من جذع شجرة يصنعها السحرة، تحمل فى أطوائه روحا لها حق الرعاية، والتوقير..
(3) التابو، وهو أقل درجة من الطوطم، والأوثان، وقد صدرت المنشورات من رجال الدين بعد كشف أمريكا الجنوبية، وشيوع الأمراض الزهرية فى العائدين منها؛ فكان فحواها جميعا أنها عقوبة على خطايا  الشيطان..
   وآمن الناس باله واحد؛ هو الخالق المبدع القائم بذاته، لاوجود معه للشر الا بمشيئته وتقديره، فلا يقوم الشر فى هذه الدنيا بذاته مستقلا عن الله، وفى هذه  الصورة ظهر الشيطان فى ديانات الأمم الكبرى، ثم ظهر فى الأديان الكتابية بمختلف الأسماء، وكلها تدل على التعطيل، والتشويه، والافساد، ولاتدل على الخلق، والتكوين؛ فكلها قوة سالبة ناقصة، وليست بقوة موجبة كاملة تبتدىء بمشيئتها عملا من الاعمال، أو تزيف "العملة" الالهية؛ فتجعل الزائف منها كالصحيح فى رأى المضلل المخدوع، ولكنها فى جميع الأحوال قوة سالبة، وليست بالقوة الموجبة الموجدة بأية حال، وقد يتمرد الشر على الخير، ويعصيه، وهو يعمل تابعا، ولايعمل مستقلا فى كون من الاكوان غير الكون الذى خلقه الله..
   ولما تقررت المقاييس الالهية فى الاخلاق، والأعمال تقررت المقاييس الشيطانية تبعا لها، وبالنسبة اليها، فهنا أرواح من الجان الخفى لها عمل غير صلاح النفس الانسانية، وفسادها، ولها قدرة خاضعة لسلطان الاله، ومن يصطفيه من عباده، وينسب اليها كل مجهود عظيم تقصر عنه طاقة الانسان..
   والرأى الغالب أن كلمة "الشيطان" عبرية، ولكن الأرجح عندنا أن الكلمة أصيلة فى اللغة العربية؛ ففيها مادة شط، وشاط، وشوط، وشطن، وفى هذه المواد معانى البعد، والضلال، والتلهب، والاحتراق، وقد كان العرب يسمون الثعبان الكبير بالشيطان، ويقال فى بعض التفسيرات ان هذا المعنى هو المقصود من الآية:
-"طلعها كأنه رؤوس الشياطين"..  وذكر الشراح اليهود المتأخرون أن الشيطان تمثل لآدم فى صورة الحية حيث أغراه بأكل الثمرة المحرمة، ويؤخذ من "سفر أيوب" عليه السلام، وهو "عربى" باتفاق المؤرخين أن الشيطان كان معروفا بين العرب فى ذلك العهد الذى كان سابقا لعهد خروج بنى اسرائيل من مصر، وأشهر أسماء الشيطان الأكبر فى اللغة العربية هو اسم "ابليس"، ومن أشهر أسماء الشيطان التى دخلت فى الدلالات اللغوية  "ليوسيفر Lucifer "،  أو حامل النور..
   ويذكر الأوربيون "بعلزبول"، و"بعلزبوب" فى مقام التهكم بالرئاسة الشيطانية، ومعنى بعل زبوب "رب الذباب"، فحوله العبريون زبول، أى "رب الزبالة" سخرية، وتحقيرا،  لأنهم كانوا ينكرون عبادة "البعل"، ويدعون الى عبادة "يهوا"، أو "الايل"، وهناك شيطنة خاصة تدل على كلمة "مفستوفليس" مأخوذة من كلمة يونانية مركبة تفيد معنى كراهة النور, وهى مستمدة من السحر البابلى الذى سرى الى الغرب على أيدى اليهود، واليونان, وتمثل روحا من أرواح النحس التى تتسلط على بعض الكواكب..
   ويتردد من حين اسم اله الخراب، أو اله القفار "عزازيل"، وورد فى "العهد القديم"، ويرى بعض الشراح أنه من مادة "الازالة" العربية، ويقول آخرون: انه كان رئيس الملائكة الذين هبطوا الى الارض؛ فأعجبتهم "بنات الناس"، وتزوجوا منهم, ثم انهزم أمام جند السماء فلاذ بالصحراء..
   وفى الحضارة المصرية تتمثل قوة الشر فى الاله "ست" اله الظلام فى عقيدة الشعب المصرى, لأن عقائد الكهنة كانت تخالف العقائد الشعبية فى تفصيلاتها.. وكانت القضية هى النزاع على العرش بين أخوين هما "أوزوريس، وست"، ولم يكن الشر فى عرف الحضارة المصرية أصيلا فى تركيب الدنيا, أو فى تركيب الانسان, حتى ان أخناتون استغنى عن الجحيم، وأنكر دعوى أوزوريس فى السيطرة على عالم العقاب بعد الموت, ويقول المؤرخ "بلوتارك" فى كتابه "ايزيس وأوزوريس" فى الفصل الثامن والعشرين:
-"ان الأساطير تروى أن اليهود هم أبناء "ست" من أتان"..
   ويعلق المؤرخ "أوليفيه بيرجارد" على ذلك فى كتابه عن الأرباب المصرية فيقول:
-"ان هذه الاسطورة أصل الخرافة التى شاعت فى تقديس اليهود فى هيكلهم لرأس حمار, وانهم لهذا يتبركون بالمخلص الذى يأتى فى آخر الزمان على حمار ابن أتان..
   وقد تكرر القول بأن كلمة "ست"، و"ستان"، أو الشيطان بالعبرية من أصل واحد..
   وقال "ديدورس الصقلى":
-"انه رأى فى "نيسا" من بلاد العرب عمودا للاله أوزوريس, وشيئا من قصته ملخصا على ذلك العمود, وقد ختم بيرجارد كتابه المذكور بقوله:
-"ان النحلة المصرية نقلها العبريون من مصر، الى الشام، واليمن, وان أعظم العقول اليونانية كانت تهاجر الى مصر لتدرس المعرفة المصرية فى "طيبة", و"منف", و"عين شمس", و"سايس", ومنهم "ليكرغ", و"صولون", و"طاليس"، و"فيثاغورس", و"أفلاطون"، و"ايدوكس",  وقد قيل ان "العزى" هى "ايزيس"، وان "مناة" هى "منوة"، أو "موت", وان النصوص متقاربة بين بعض "المزامير"، وبعض "أناشيد آتون", وان أيوب عليه السلام كان يسكن الى جانب مصر"..
   ترجح فئة من علماء المصريات أن الديانات الهندية القديمة دخلتها مقتبسات كثيرة من ديانة المصريين الاوائل, خاصة من "كتاب الموتى", ومن شعائر تقديس الملوك كما يرى "برستيد"، و"اليوت".. ويقول العقاد انه لا يكون ذلك الا من قبيل الشعائر والمراسم, اذ كانت الديانتان الهندية، والمصرية على اختلاف كاختلاف النقيضين، أو الطرفين المتقابلين.. فالديانه المصرية تصون جسد الانسان, وتستبقيه الى الحياة الأبدية؛ بينما تنكر الديانه الهندية الجسد, وان الروح لاتنال الخلاص الا اذا فنى الجسد.. وتعتبر الديانة المصرية دوام الأسرة آية من آيات النعمة الالهية؛ بينما الهندية تعلق النجاة بالافلات من دولاب الحياة، والموت، والرجوع الى "النرفانا" من طريق "الموكشا".. أى اجتناب العلاقة الجنسية, ولو فى حالة الزواج.. كما تؤمن الديانة المصرية بأن العالم المحسوس حق، وخير..  فتجعله مثالا لعالم الخلود, وتعتبره ديانة الهند شرا محضا، وباطلا موهوما.. ويطلق الهنود كلمة "راكشا" على العفاريت الخبيثة، أو العابثة، وينسبون اليها أعمالا كأعمال الشياطين فى الديانات الاخرى, واشتمل الثالوث الأبدى فى البرهمية على أرباب ثلاثة: "براهما".. الخالق, و"فشنو".. الحافظ, و"شيفا".. الهادم, وهناك "شاكتى"، أو قرينة الآلهة الأنثوية تنوب عنه فى شئون الدار، أو الشئون التى يتركها، ولا يتفرغ لها.. ويسمون العالم المحسوس "مايا"، أو وهم، وضلالة، ويصورونه فى صورة أنثى شديدة الفتنة، والغواية, وليس فى الديانة الهندية وفروعها المتشبعة شخصية واحدة تشبة شخصية الشيطان غير الرب الذى يسمونه "المارا" من الموت؛ فالشر الكونى هو الشر النفسى الذى يخامر الضمير, ويزين له ترك الحكمة، والاقبال على الاوهام، والاباطيل..
   توافد الآيون، والساميون، والطورانيون، والسموريون على بلاد "بين النهرين"، وقد صح أن "زرادشت" نبى المجوسية عاش بين الطورانيين، والمغول حقبة من الزمن.. وقد عرف البابليون رصد الكواكب من أقدم الازمنة, وعلقوا مصائر الناس، وأقدارهم بسعودها، ونحوسها؛ فلا يسعد أحدهم بنعمة السماء, ولا يشقى بغضبها الا وهو فى الحالتين عرضة للقضاء المسطور فى أزياج النجوم, وقد نشأ عندهم علم الفلك بحسابه، وتقدير  مصاحبا لعلم التنجيم بخرافاته، وأوصامه(تعليق: "فنظر نظرة فى النجوم" تفيد علم الرصد، "فقال انى سقيم" تفيد السخرية من قومه الذين يعلقون مصائرهم بالنجوم، "وكذلك نرى ابراهيم ملكوت السموات والارض فلما رأى".. تفيد أنه وصل للعلم بالخالق من رصد خلقه، وليس التنجيم كما فعل قومه)، وبرج بابل يقيمه المتمردون من البشر ليرتفعوا به الى مناجاة الأرباب فى سماوتها..
   وعقيدة فارس هى: "الثنوية" أو تنازع النور، والظلام على سيادة الوجود؛ فالكون يحكمه الهان, أحدهما الملأ الأعلى..  وهو رب الخير, واله العالم الأسفل, وقد بقيت شعبة منها بين الأوروبيين الى القرن السابع عشر, ولها نحل، ومعابد من بلاد البلقان، الى العواصم الفرنسية, وبقيت الى القرت العشرين تتستر باسم "الماسونية"، وتستقبل المصلين بباريس حيث يقربون القرابين الى الشيطان, ويكررون التلاوات التى كانت ترتل فى معابد النحل الشيطانية قبل ثلاثة قرون, وتدور خلاصتها على الايمان بسيادة الشيطان على الدنيا, واعتبار المادة خلقة شيطانية يتنزه عنها اله السماء, ولاتسرى عنه أوامره، ونواهيه.. والالهان هما "أورمزد", و "أهرمان"، أو الروح الطيب, والروح الخبيث, واستصوب أناس من آباء الكنيسة أن ينتزعوا شعائر عباد النور, فجعلوا يوم الأحد يوم الأسبوع المختار؛ لأنه كان مخصصا لعبادة الشمس(Sunday)، وجعلوا اليوم الخامس والعشرين من شهر ديسمبر يوم الميلاد لأنه كان يوما ينصرف اليه المسيحيون الى سهرات الوثنيين لاعتقاد هؤلاء أنه اليوم الذى يقصر فيه الليل، ويطول النهار.. فهو هزيمة لاله الظلمة، ونصر لاله النور..      
   وهناك تاريخين غير متفقين فى بعض الأحوال, وفى كثير من التفصيلات؛ تاريخ الأمة اليونانية الحقيقية، وتاريخ الأمة اليونانية التى جعلها الأوربيون المحدثون عنوانا للفضائل الغربية فى مسائل العلم، والفن، والسياسة، والاخلاق؛ كلما أرادوا أن يضعوا أنفسهم موضع المناظرة، والموازنة أمام الشرقيين فيما قدروه لهم من نصيب فى هذه المطالب، وهذه المزايا.. وبلغ من رغبة الأوروبيين فى ترجيح الغرب كله باسم اليونان أن فريقا منهم تنكر للمسيحية لانها ثمرة شرقية, وفريقا منهم زعم أن المسيحية ثمره الفكرة اليونانية من طريق "بولس الرسول", وجماعة الفلاسفة المسيحيين الذين طبقوا الدين على الفلسفة بعد القرن الأول للميلاد, وذكروا فى براهينهم على ذلك أن الأناجيل كتبت باللغة اليونانية, وأن كلمة الانجيل نفسها بمعنى "البشارة" من لغة اليونان.. وقد عمد الغرب الى هذا الاستغلال التاريخى لتراث اليونان لأنه احتاج اليه لتدعيم دعوى السيادة، والرجحان على أمم الشرق فى عصر الاستعمار, فاتخذ من تعظيم اليونان وسيلة الى تحقير الشرقيين, واستباحة السيطرة عليهم بدعوى الوصاية الطبيعية التى تخول المتقدمين من بنى آدم أمانة الاشراف على تعليم المتأخرين.. ان أمة اليونان الحقيقية غير هذه الأمة المصنوعة التى احتال بها الغربيون فى عصر الاستعمار على خدمة السياسة، وخدمة العصبية، ومرضاة الغرور الذى يساور "الغربى" فى مقام المفاخرة, وان لم يكن من خدام الاستعمار, وحسب الأمة اليونانية "سقراط"، و"أفلاطون"، و"أرسطو", و"هميروس"، و"يوربيدس"، و"اسكايلاس"، و"سفوكليس"، و"أرستوفان", وغيرهم فاما أنها استأثرت بالقيم الانسانية العليا فى الذوق، والفكر، والخلق.. فتلك هى الدعوى التى يروجها الغرض, ولا يسلمها التاريخ..
   فليس للغربيين امتياز فطرى فى طلب المعرفة للمعرفة بغير نظر الى منافع الكسب، والصناعة، وليس الشرقيون محرومين من طلب المعرفه للمعرفه فى قديم الزمن، أو حديثه؛ فقد رصد المصريون مثلا كواكب السماء، وعرفوا أن الشعرى تظهر فى موضع معلوم عند وصول الفيضان الى منف؛ فاستخدموا الرصد بعد ذلك فى تقرير مواعيد الزراعة, وانما امتاز الاغريق بالبحوث الفلسفية فى زمن من الأزمان لسبب واضح. هو أن هذه البحوث كانت مباحه عندهم حيث كانت تمتنع على غيرهم من أبناء الدول الشرقية العريقة، وهى لم تكن مباحة لهم لمزية أصلية فى طبيعة التركيب.. ولكنها ابيحت لهم لأن بلادهم نشأت، وتطورت دون أن ينشأ فيها "عرش" قوى, و"كهانة" قوية ولو قامت عندهم الدولة القومية, والكهانة القومية كما قامت فى "مصر"، و"بابل" لكان شأنهم فى أسرار الدين، والمسائل الالهية كشأن البابليين، والمصريين؛ فالبلاد التى تجرى فيها الأنهار الكبيرة تنشأ فيها الممالك الراسخة, وتنشأ مع الممالك كهانات قوية السلطان تستأثر بالبحث فى أصول الأشياء، وحقائق التكوين، وتتولى شئون العلم، والتعليم؛ كأنها حق لها، مقصور عليها لايجوز الافتيات عليه، والا كان المفتئت كاالمعتدى على نظام الدولة، ومحراب العبادة, ومتى طال الأمد بهذه الكهانات جيلا بعد جيل, وعصرا بعد عصر تمكن سلطانها، وتشعبت داعاواها، وتلبست معلوماتها بلباس الأسرار، والطلاسم, وابتعدت شيئا فشيئا على نطاق البحث الحر الى نطاق المحفوظات، والمأثورات.. وحدث للاوربيين ما حدث فى الشرق حين قامت فى بلادهم الكهانات القوية, وبسطت سلطانها على التعليم, ومعارض البحث فى حقائق الدين، وأسرار الطبيعة؛ فالشائع أن التقدم العقلى ألهم اليونان أن يختاروا الحكومة الديمقراطية, أى الحكومة الشعبية – "ديموس" تعنى الشعب فى اليونانية القديمة – وهذا لسنة فى اختيار كل خطة تنتظم بها الاجراءات, ويمتنع بها الشغب، والنزاع.. وكلمة "ديمقراطية" لم تؤخذ من حكم الشعب, ولكنها أخذت من كلمة "ديموس" بمعنى "المحلة" التى تقيم بها القبيلة, ثم استعيرت للقبيلة نفسها, وللحكومة التى تشترك فيها القبائل, وقد كان الانتخاب فى أثينا القديمة مسألة "اجراءات" كما كان فى "اسبرطة" من قبلها, ولم يحدث قط أن أحدا نال حق الانتخاب لأنه حق انسانى تناط بت التبعات، والواجبات, وانما كانت الطوائف تناله واحدة بعد أخرى، كما اضطرت الدولة الى الاستعانة بها فى القتال، فلم تناله طائفة الملاحين مثلا الا بعد ثبوت الحاجة اليهم فى الحروب البحرية بعد وقعة "سلاميس"، ويصدق هذا القول على الديمقراطية الغربية كلها بعد الديمقراطية اليونانية القديمة بأكثر من عشرين قرنا, فان عمال الصناعة نالوه بعد عمال الزراعة لأن عمال الصناعة ألزم للدولة من غيرهم فى معالم الذخيرة، والسلاح, وأقدر على المطالبة، والاضراب, ولم تنل المرأة حق الانتخاب الا بعد ثبوت الحاجة اليها فى تلك المعامل مع الحاح الطلب على المجندين من الرجال, ولم يصل الزنزج الأمريكيون الى تطبيق هذا الحق فعلا الا بعد الحرب العالمية الثانية التى اشتركوا فيها مقاتلين، كما اشتركوا فيها صناعا للذخيرة، والسلاح.. أما حكم "الشورى" الذى هو تكليف انسانى منوط بحقوق المساواة, وتبعات الحكام، والمحكومين فلم ينشأ فى اليونان، ولا فى أمة غربية؛ بل نشأ مع الاسلام فى الجزيرة العربية, ولم تسبقه اليه ملة، ولا دعوة فكرية..
   "برومثيوس".. المعلم الذى هدى الانسان الى سر النار، وألهمه السعى فى طلب البقاء، وبصره بالمجهول من خفايا الكون, وتمثله الأساطير على قسط وافر من الفطنة يغار منه رب الأرباب "زيوس"، وهو- زيوس- أشبه مايكون بالشيطان فى الديانات الشرقية القديمة.. وقرينته "هيرا" التى كانت تفاجئه فى خياناته الغرامية، والشذوذ الجنسى..
   نسميها "العبرية" من الأديان الكتابية, فلا يصدق عليها اسم "اليهودية" لأن النسبية الى "يهوذا" حدثت بعد موسى علية السلام .. ولا يصدق عليها اسم "الموسوية" لأن موسى قام بالدعوى بعد يعقوب، واسحاق، وابراهيم عليهم السلام.. ولا يصدق عليها اسم "الاسرائيلية" نسبة الى "اسرائيل"، وهو "يعقوب بن اسحاق", حتى عرفت أخيرا باسم "ديانة التوراة".. فقد حملت العبرية عبء التوسط بين الوثنيات الأولى, وعقائد التوحيد, ولم ترتفع قط بادراكها للتنزيه الالهى, ولبثوا زمانا يصفون الاله بالصفات التى لصقت به فى الوثنية, أو فى ديانات الحضارات الأولى.. ثم دانوا بالولاء للاله "يهوا" وحده كما يدين الشعب لملكه، وليس كخالق, ولذا فلم ينكروا الأرباب التى تدين بها العشائر الأخرى..
   ويتضح من مقارنات الأديان أن العقيدة تعزل قوة الشر، وتحصرها فى "الشخصية الشيطانية" كلما تقدمت فى تنزيه الاله, واستنكرت أن يصدر منه الشر الذى يصدر من الشيطان.. ولم يكن الشيطان هو الذى أغوى حواء بالأكل من الشجرة المحرمة؛ بل كانت الحية هى صاحبة الغواية هنا جريا على سنن الأقدمين(تعليق: لم تكن فكرة الشيطان واضحة تماما فى الديانة اليهودية كماهو واضح من التوراة الحالية)، ولم يذكر الشيطان قط فى كتاب من الكتب قبل عصر المنفى الى ارض بابل سنة 586 ق0م0 ولم يذكر بصيغة العلم الا عندما قيل فى الاصحاح الحادي و العشرين من الأيام أنه: "وقف الشيطان ضد اسرئيل"..
   وكان ايمانهم بوجود الأرباب الأخرى التى يعبدها غيرهم من الأمم بديلا من صور الشيطان؛ لأنها كانت تعمل عمل الشيطان كلما صرفت الشعب عن عبادة "يهوا"، فتثير نقمته على العصاة، وقصة "أيوب" عربية باتفاق الشراح، والمؤرخين، ونقاد العهد القديم، ولها نظائر فى الأدب العربى، وأيا كان القول فى القصة فلا خلاف على قصة أيوب، ولا على نسبته الى العرب، ولا على انفراد هذه القصة بين كتب العهد القديم بتمييز قوة الشر، والغواية فى "شخصية الشيطان"، وتلك قيمة من القيم الاعتقادية التى لم يميزها العبريون لأنهم لم يبلغوا من التمييز بين طبيعة الخير، وطبيعة الشر أن يفرقوا بين الملائكة، والشياطين، وأن ينزهوا الاله الذى يعبدونه، أو تعبده الأقوام الأخرى عن قبائح الشيطان..
   ذكر  القرآن الكريم من الأنبياء العرب: "هودا"، و"صالحا"، و"شعيبا"، و"ذا الكفل"، وجاء فى التوراة ذكر "بلعام"، و"أيوب"، و"شعيب"، وأن شعيبا علم موسى، وهداه الى سياسة قومه, ومن صيحات النبى "أرميا" يتبين أن المجهول من أخبار الأنبياء فى بلاد العرب كان أكثر من المعلوم المذكور فى كتب العهد القديم..
   واحتوت كتب "التلمود"، و"المنشا" أهم عقائد القوم فى مسألة الخير، والشر، والثواب، والعقاب، وقد جمعت هذه الكتب بعد المسيحية، وظلت تجمع ويضاف إليها حتى القرن العاشر الميلادي، ومن هذه الكتب أخذ الأخذون ما حسبوه تراثا اسرائليا، وهو فى حقيقته تراث الحضارات الغابرة من أقدم العصور، وقد ظلوا الى ما بعد الاسلام ينقلون عن العرب قصصا كان موطنها فى أرض بابل، وآشور كقصة هاروت، وماروت..
   ومن علماء الأساطير العبرية مثل "ابشتين"، و"جرنبوم" من يقررون أن اليهود أخذوا طائفة من قصص الشيطان رواية عن المصادر الاسلامية، وأن "سعديا"، و"ابن سابا" نقلا أسباب سقوط إبليس عن هذه المصادر، ومعها كثير من الأوصاف، والفعال التى يتميز بها الشيطان..
   ذكر الشيطان بأسماء متعددة فيما روته الأناجيل مثل "الشيطان"، و"روح الضعف"، و"الشرير"، و"رئيس هذا العالم"، و"بعلزبول"(رئيس الشياطين بلسان الفريسيين)، وترد كلمة الشيطان فى الترجمة اليونانية مقابلة للكلمة اليونانية التى تطلق على "ابليس diabolos"، أو مقابلة للكلمة التى تطلق على "العفريت"، و"الروح المتسلط demon"، وفى الاصحاح الخامس والعشرين من انجيل متى شرح آخرة ابليس:
-"ثم يقول الملك للذين عن يمينه: تعالوا يامباركى أبى لترثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم، ثم يقول للذين عن اليسار: اذهبوا عنى ياملاعين الى النار الأبدية المعدة لإبليس، وملائكته"..
   وفى الاصحاح السادس عشر من  انجيل يوحنا:
-"الآن أنا ماض الى الذى أرسلنى، لأنه ان لم أنطلق لا يأتيكم المعزى"(تعليق: ولاشك أن "المعزى" هنا هو محمد صلى الله عليه وسلم)..
   وينقسم العهد الجديد الى ثلاثة أقسام:
1) الأناجيل: يقول اللآهوتيون المحدثون انه "وحى" غير مصحوب بتفسير..
2) أقوال الرسل: وحى، وتفسير..
3) أقوال الصحابة والرواة المتصلين بالرسل: تفسير بغير وحى..  
   وفى هذه المراجع أول اشارة الى تسمية "الحية" بالشيطان، وتتكلم الكتب "البوكريفية" بمعنى السرية، أو الخاصة فى اليونانية عن دخول الموت الى العالم بدخول الخطيئة  فيه..  فان الشيطان لم يتقرر له "شان"، أو دور معلوم فى الأديان الكتابية قبل القرن الأول للميلاد، وانما كان فى الكتب العبرية، أو اليهودية واحدا من الملائكة المغضوب عليهم، أو واحدا من الأرواح المتمردة..  فلا يعرف الا بما سمع من أوصافه، وقد تقرر دور الشيطان، وتقرر سلطانه على الشر، وعلى العالم الأرضى فى مقابلة العالم الالهى فى السماء، فاذا كان الأئمة الأسبقون فى صدر المسيحية يذكرون الشيطان بصفات لم ترد فى الأناجيل، ولا فى كتب العهد القديم فقد كان الضرر، والشر بمعنى واحد فى العقائد البدائية..
   وصورة الحية، والتنين ذو الرأسين، وأرجل، وأجنحة، أو ذو لسان يندلع بالشرر، ويقذف باللهب،  وكانت هذه الصورة شائعة من أقصى الصين إلى أرض بابل، وآسيا الصغرى، وكذلك فى كتب العهد القديم، ولم يخلق الشياطين، ولا رئيسهم الأكبر إبليس منحرفين مضللين، ولكنهم انحرفوا، وأضلوا بما داخلهم من الكبرياء، والتمرد، والحسد.. وقد اشتهر فى الأزمنة الأخيرة علم الشيطانيات، أو "الديمنولوجى"..
   ومن كبار علماء اللاهوت المسيحي بعد أوغسطين "توما الاكوينى"(1227-1274) الذى فلسف العقائد المسيحية بما لم يسبقه، أو يلحقه أحد, ومحور فلسفته "حرية الادارة" التى يملكها كل مخلوق عاقل، وأولهم الشيطان الذى أذهلته العظمة، وطمح الى مساواة الله فى عظمته, ومشاركته فى وحدانيته..
   وانقسم الباحثون فى "الديمنولوجى" قسمين متنازعين: قسم "اللاهوتيين" وهم يوفقون بين النصوص الكتابية، ومعارف الزمن الحديث, وقسم العلماء "التجربيين" وهمهم من يدفعوا عن أنفسهم تهمة التحالف مع الشيطان، ويشككوا فى وجوده، أو يجزموا بانكاره لأنه لايظهر لهم عيانا، ولايظهر لهم بالتجربة، والبرهان..
   ويقول "لوثر" من وحى "الديمنولوجى" مثلا عن الربا، وبيوت التجارة، والمصارف فى القرون الوسطى انها "مخترعات شيطانية"، وان الشيطان هو الذى يدير تلك البيوت لحسابه, ولم يكن أحد يحمل كلامه على المجاز، أو يشك فى قصده الى شيطان غير شيطان النصوص الدينية التى يجوز أن يبدو للعيان، أو يعمل مع أصحاب تلك البيوت فى الخفاء، ولكن المتدينين، وغبر المتدينين شهدوا بعد ذلك قيام الصناعة الكبرى، وأجهزة البخار الضخمة فسموها "بالشيطانية"، ونعتوها "بالصناعة السوداء"، أو "بصناع الظلام"، وهم يأخذون من هذه الكلمة معناها الذى لا يختلفون فيه، ويفهمون منها أن تلك الصناعه خلو من الرحمة، والعطف؛ مظلمة من ظلام الفحم، والدخان، أو ظلام الغشم، والقسوة, سواء نسبوها الى الشيطان، أو جعلوا الشيطان علما مفهوما على كل هذه المساوىء، والنعوت..
   وأقحم البعض فوارق اللون، والعنصر فى أحاديث الديمنولوجى فى القرن التاسع عشر مثل الدكتور "كارترايت"  فالشيطان لم يتكلم فى الجنة بلسان الحية؛ بل بلسان زنجى أسود على مثال الشيطان الذى كان يصبغ بالسواد فى صور القرون الوسطى، وفى هذه الآونة كان الرحالون يسيحون فى أمريكا الجنوبية فيسمعون من أهلها البيض أن الزنجى هو البهيمة الكبرى التى ذكرت فى كتاب الرؤيا الابكريفية، ويتشكك الكثيرون منهم فى نسبته الى "حام" لأنهم لاينسبونه الى فصائل الآدميين..
   بل ليس للشياطين من الجن علم الغيب، ولا علم السحر الا أنه خداع للحس، وفتنة للنفس تخيل الى المخدوع ما ليس له حقيقة قائمة فى غير وهمه:
-"يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت"..
   وفى سورة سبأ عن جنود الجن التى جهلت موت سليمان وهو قائم أمامهم:
-"فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا فى العذاب المهين"..  وانما المسحور كالمخمور مخدوع الحواس
-"انما سكرت ابصارنا بل نحن قوم مسحورون"..
-"يخيل اليهم من سحرهم أنها تسعى"..
-"ولايفلح الساحرون"..
   وقد ورد فى القران ذكر الجن الذين يعملون للانسان باذن الله، ومنهم جند سليمان: -"ومن الجن من يعمل بين يديه باذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير• يعملون له ما يشاء من محاريث وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات"..
   وفيه ذكر الجن التى تؤمن بالدين، وتصدق بالكتب، وذكر الكتب التى تسترق السمع من السماء، وذكر الجن التى تقارن الانس, وذكر الجن، والعفريت الذى تطوى له المسافة، وتنقاد له المصاعب، ولكنه لم يذكر لها فى مجال التكليف عملا قط يسقط عن الانسان تبعته، أو يجعل لها سلطانا عليه بغير مشيئته، ولا يستعاذ فيه من شر يأتى به الجن الا وهو كذلك من الشرور البشرية، أو من الوسواس الخناس:
-"الذى يوسوس فى صدور الناس من الجنة والناس"..
   وقد رويت قصة آدم فى القرآن فى مواضع متفرقة، وهى جميعا مآل التكليف الذى يفرض على الانسان، يسأل عن خطيئته وان وسوس له الشيطان، وتحسب له توبته وان كانت بهداية الله:
-"واذا قال ربك للملائكة.........  فمن تبع هداى فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون"..     
   وقد تساءل المعقبون على قصة آدم من الشراح  الغربيين عن معنى الشجرة التى أكل منها آدم فى الدين الاسلامى، وليس فى الأمر ما يدعو الى التساؤل، ولا الى الحيرة؛ لولا أن هؤلاء الشراح وضعوا فى أذهانهم معنى معلوما وأرادوا أن يجدوه فى القرآن فلم يجدوة كما أرادوا اذ لا يخفى على الناظر فى القصة أن ثمرات هذه الشجرة هى ثمرات "التكليف" بجميع لوازمه، ونتائجه، وما كان الفارق بين آدم قبل الاكل منها، وبعد الأكل منها الا الفارق بين الحياة فى دعة وبراءة، والحياة "المكلفة" التى لا تخلو من المشقة، والشقاق، والامتحان بالفتنة، ومعالجة النقائض، والعيوب، وكلما تكررت القصة فى الآيات القرآنية كان فى تكرارها تثبيت لهذا المعنى على وجه من وجوهه المتعددة، ويبدو جليا من المقابلة بين ما تقدم، وما جاء عن القصة فى سورة الأعراف، وذاك حيث يذكر التصوير بعد الخلق، أو اعطاء الصورة بعد بعد اعطاء الوجود؛ ثم تمضى القصة على ما يلي:
-"ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لادم 0000 انا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون"..
   ومن القصة يتأكد أن خطابه لا يغنى عن خطاب بنيه، وأعقابه لحدود التكاليف.. فهو مكلف، وهم مكلفون، وتوبته لا تغنى عنهم، ومولدهم منه يخرجهم على غير الأحياء المولودين حيث يحيون، وحيث يكدحون، وحيث يموتون..
   والغالب عن النقاد الدينيين فى الغرب أن يتكلموا عن زلة آدم فيسمونها "سقوطا"، ويرتبون عليها ما يترتب على السقوط الملازم لطبيعة التكوين، وليس فى القران أثر قط للسقوط بهذا المعنى فى حق كائن من الكائنات العلوية، أو الأرضية؛ فليس فيه شيء عن سقوط الانسان، وانما هو انتقال من حال الى حال، أم من عهد البراءة، والدعة الى عهد التكليف، والكلفة، وليس فيه شىء عن سقوط الملائكة، وانحدارهم من طبيعة عليا الى طبيعة دونها من طبائع الشيطان، وقصة الملكين "هاروت"، و"ماروت" فاصل بين ما يعزى الى الملك، ومايعزى الى الشيطان من ضروب السحر المباح، أو السحر الحرام؛ فالملك الذى يعرف السحر لا يخدع به أحدا، ولا يعلم من يريد أن يتعلم الا أن يطلعه على حقيقته، وليس الخداع، ولا الاضرار بالعلم من طبيعة الملك بل من طبيعة الشيطان..
   ولا يعرف الاسلام ارادة معاندة فى الكون لارادة الله يكون من أثرها أن تنازعه الأرواح، وتشاركه فى المشيئة، وتضع فى الكون أصلا من أصول  الشر، وتسقط الخلائق التى ارتفعت سوية بمشيئة الخالق، وقوام ذلك عقيدتان: أولاهما وحدة الإرادة الإلهية في الكون، والثانية ملازمة التبعة.. وكما كانت فضيلة آدم على الملائكة، والجن  أنه تعلم الأسماء التي لم يتعلموها، كانت هدايته الى التوبة كذلك بكلمات من المعرفة الإلهية، ولم تكن بشيء غير عمله، وقوله..
   وانما يجىء الذنب بعمل الشيطان، ويزول الذنب بعمل الاله، وجعل الاسلام الارادة الإنسانية ظالمة لنفسها سمحت للشيطان أن يظلمها..  ومن هنا يتبين لنا من العقائد الاسلامية كما نتلقاها من القرآن الكريم، وقد أحسن فهمه مفسرون، وأساء فهمه آخرون، ولا ينصف هذة العقائد الا أن ترجع الى المسيئين فنراهم جميعا قد أساءوا فهم كتابهم لأنهم فسروه بالإسرائيليات، والتلموديات، وحسبوها سندا  محققا عند أصحابها الأولين، وما كانت عندهم غير أحاديث يتلقفونها لأنهم لم يفهموا كتبهم فالتمسوا  فهمها بمعونة من تلك الأحاديث(تعليق: الزائفة، والملفقة، والتى صدقوها ببلاهة)..
   فأضعف الأقوال أن الملانكة، والجن تشملهم كلمة الاجتناب لمعناها اللغوي الذى يفيد معنى الخفاء، وأرجحها القول الذى أخذ به الفيلسوف الرازي فى تفسيره حيث يقول:
-"لما ثبت أن ابليس كان من الجن؛ وجب ألا يكون من الملائكه لقوله تعالى:
-"ويوم يحشرهم جميعا ثم نقول للملائكه أهؤلاء اياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك انت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن""..
   وهذه الآية صريحة فى الفرق بين الجن، والملائكة..
   تنتسب عبادة الشيطان فى أصولها الى الأخذ من الهندية، والمجوسية، والشامانية، واليونانية، وأديان الحضارة الأولى, والأديان الكتابية, وهى شاذة فى جميع مقوماتها، وأركانها لأنها تجمع النقائض فى شعائرها وتعمل أحيانا على مرضاة الشيطان، ومرضاة الاله الأعلى بفريضة واحدة..
   وهناك نحلة تعرف باسم الأورفية(orphism)، وتشترك فى المراسم الخفية التى تعاقر فيها الخمر, وتستباح الشهوات, ويعقتد الأورفيون أن الاله "أورفيوس" يهدى صحابته فى ظلمات العالم الأسفل بعد الموت، ويحفظون لرحلته هذه المراسم منقولة من "كتاب الموتى" المعروف فى الديانة المصرية  القديمة، ويقرن الأوروبيون المشارفة فى صدر المسيحية بين الشيطان، وبين "ديونيسس Dionysus"  صاحب التجلى الأعظم فى حفلات الخمر، والمجون، وكانوا يتقربون لديونيسس بجدى يربونه لهذا الغرض، ويصورون ديونيسس فى صورة "الساتير" بجلد المعز، والقرون، والذنب، ويمشى بقدمين لهما ظلفان مشقوقان، وكذلك كانت صورة الشيطان فى محافل عبادة الأولين، ويعتقد اليونانيون أن ديونيسس هذا ابن زيوس رب الارباب..
   وكانت المظالم الاجتماعية بعض أسباب الكفر بالإله السماوي, والإقبال على عبادة الشيطان المتمرد الذى يناوئه، ويعلن الثورة عليه، فقد كانوا يسمون هذا الشيطان  "نصير العبيد"، وكانوا يحسبون أنه ضحية القضاء الكوني الذى هم ضحاياه.. وتختلف هذه النحل فى شعائرها، وعقائدها, ولكنها تتفق فى قاعدة مشتركه بينها، وهى قاعدة الديانة المانوية؛ مضافا إليها حواشي الوثنية المحلية, والمقتبسات المشوهة من العقائد المسيحية, ولاتخلوا عباداتها من اباحه بعض المحرمات, وتحريم بعض المباحات التى تخالف بها جميع الأديان الكتابية، ومنها ما يحرم الزواج لأنه يستبقى النسل فى عالم الشر، والفساد؛ ولكنه لايحرم الفسق، ولا الشذوذ لأنهما يرضيان الشيطان.. ومنها ما يحرم اللحم، والجبن، والبيض، وكل ما جاء من تناسل بين ذكر، وأنثى، ولكنه يبيح السمك لاعتقادهم أنه لا يولد بالتلاقح بين الجنسين، ومنها ما يقدس المسيح، وينكر الصليب, ولا ينكرونه لتكذيبهم صلب المسيح..  بل لأنهم يقولون:
-"ان ما من أحد يعبد المشنقة التى خنقت اباه"..
   واشتهر من عبادتهم عباده القداس الأسود, ومحورها صورة الشيطان عارية, وفتاة عارية تتقدم المصلين اليه, وتنقل اليهم البركة بلمس أعضائه, وتنتهى الصلاة بضروب من الاباحيات, كما كانت من عبادات الوثنيين.. وقد امتزجت هذه العبارات زمنا بالثورة الاجتماعية، وانحلال الأخلاق، وفتور الايمان بالدين كما ذكر "رودس" صاحب كتاب "القداس الشيطانى" عن "تاريخ فرنسا" للمؤرخ "ميشليه Michelet"..    
   تغذت هذه النحل الشيطانية من تاريخ الكنائس, وانحلال الدولة الرومانية, وغارات الهمج؛ وما اقترنت به من السبي، والسلب، والاباحة, كما تغذت من مظالم المجتمع، وجهالة المؤمنين بالسحر, وسلطان الشيطان على المقادير الأرضية فعاشت هذه النحل أطول مما يتاح لها..
   وهناك نحلة ينسبونها الى الشيطان لاتزال لها بقيه فى العصر، وهى "النحلة الزيدية" فى شمال العراق, وينتمى أبناؤها جميعا الى الكرد، ويرجح بعض الباحثين سبب تسميتهم الى "يزيد بن معاوية" الخليفة الأموى، لأن النزاع بين "الكرد"، و"الفرس" قد فرق بين عصابيتهم فى السياسة، وفى الدين.. فكان الكرد من غلاة "السنيين" اذ كان الفرس من غلاة "الشيعة", وربما كانت الطائفة الكردية التى تؤله يزيد فى صورة الاله الأرضى مقابله للطائفة الفارسية التى عرفت باسم "على الهى" لأنها تغلو فى حب الامام على رضى الله عنه الى حد العبادة..
   غير أن العبريين لم يسبقوا غيرهم فى مراحل كثيرة من أطوار المسائل الغيبية، والعبادات، وجاء عصر السيد المسيح فتكلمت الأناجيل عن حكماء المجوس الذين رصدوا الكوكب، وعرفوا منه مولد السيد المسيح فى مهده..  فالسحر يسمى عند الغربيين باسمين هما "سحر المجوس" الذى بقى فى اللغات الغربية بلفظه القديم "الماجى mage", والثاني يسمى "صناعة الساحرة  "Witchcraft , ومن اسمه أنه كان مقصورا على المراة كأداة شيطانية فى الغواية، وعون الشيطان على كيده، وعصيانه.. ومن أصول السحر فى عصور الحضارة الاولى ما يسمى "بعلم التنجيم"، ويطلق على "علم الفلك"، و"علم الغيب" فى وقت واحد.. ويقول أبو العلاء:
      وقد كان أربـاب الفصاحة كلمـــا           رأوا حسنا عـدوه من صنعة الجن
   وقد خص بيت أبو العلاء العرب وحدهم، ولكنه يعم جميع الاقوام من حيث الاحسان فى الكلام، وغيره..  فالعبقرية عند الاوروبيين منسوبة الى الجن فكلمة genius تطلق على صاحب قريحة خارقة فى الابتكار، والابداع، وفى التعبير العربى كلمة "عبقر" موضع يقولون ان الجن تسكنه..
   وهناك نوعان من التسخير ينبغي ألا يلتبس أحدهما بالآخر لكي نفهم تسخير الجان لخدمة الفنون فهما صحيحا..  فالتسخير الذى يشمل بنى آدم جميعا، ويشمل القوى، والعناصر جميعا غير التسخير الذى يأتى فلتة من حين الى حين بالحيلة التى يحتالها الشيطان، أو يحتالها الانسان, ولاتبلغ بحال من الأحوال أن تساق مساق التعميم فى الكلام على خلق الأحياء، وخلق السموات والأرض.. فمن التسخير الذى يجرى مجرى النواميس الكونية قوله تعالى:
"وسخر لكم الفلك لتجرى فى البحر بأمره وسخر لكم الأنهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه"..  الخ من آيات التسخير، ولم يرد فى القرآن ذكر لتسخير الجن، والانس، والحيوان إلا بهذا المعنى, ومنه ما جاء عن تسخيره لسليمان:
-"وحشر لسليمان جنوده من الجن والانس والطير فهم يوزعون"..
   ومنه:
-"والشياطين كل بناء وغواص• وآخرين مقرنين في الأصفاد"..  فهذا التسخير الذى يفهم منه أن الانسان قد أوتى علما يسيطر به على القوى، والعناصر، وما فى الأرض إنما يجرى مجرى النواميس الكونية على عمومها، ولا يخص أى إنسان من الناس الا كما يختص بعلم بناء السفن، وصوغ الحديد، واستخدام الريح بأمر من الله فى غير احتيال من الشيطان، أو اختلاس من الانسان.. وليس من قبيل هذا التسخير ما يقال عن أسرار السحر، والطلاسم، وأغراض التحالف، والمخادنة بين الأناسى، والشياطين.. فذاك تسخير تجرى فيه ارادة الله، وقدرة الانسان، وإحكام القوى والعناصر كيفما سميناها مجرى العموم المطرد فى النواميس الكونية التى يعلمها من يقدر على علمها..
   أما التسخير المقصود بالسحر، وما اليه فهو الى خرق النواميس أقرب منه الى مجاراتها، والعمل بارادة الله فيها.. وانما تخرق فيه هذه النواميس بثمن يبذله الساحر من روحه، أو جسده كأنه محاباة الرشوة، وجزاء المخالفة، والمروق عن مجرى الأمور..  ولانختم دون الالماح الى كتاب الامام "ابن الجوزى" عن "تلبيس ابليس" فلم يدع طائفة الا كشف فيها لونا من الوان هذا التلبيس، ولم يستثن الحكماء، والفلاسفة، و المتصوفة، والنساك فما بالك بأصحاب الفنون، وقالة الشعر، ومنشدى الغناء..
   وقد تشابه بث أسلوب السحرة، والكهان فى نبوءاتهم المزعومة باللغات المعروفة بين أهل المشرق، والمغرب..  فكلها تتوخى السجع، والقافية، وتخالف كلام الساحر، أو الكاهن فى سائر أقواله، ولم يزل بين "الشعر"، و"السحر" نسب قديم، وقد ظهر فى باريس عند أواخر القرن الرابع عشر كتاب عن "وصايا الشيطان" التى يقابل بها وصايا الله..  فجمعها فى "ست وصايا" خلاصتها..  العناية بالنفس، وألا يعطل المرء شيئا بغير جزاء، وأن يتناول طعامه منفردا، ولا يدعو اليه أحدا، وأن يقتر على أهله، وأن يحتفظ بالفتات من مائدته، والأسمال من كسائه، وأن يقنطر المال عنده طبقة فوق طبقة، وهذه رذائل القرن الرابع عشر، وأنها اليوم لفضائل العصر الذى يسمى بعصر التدبير، والاقتصاد، والأنانية الفردية، ومن أجلها تسمى الحضارة العصرية بالحضارة الشيطانية..  فهم يذهبون اليوم بصرعى الجنون الى الطبيب، ولايعالجونهم عند الكاهن، أو رجل الدين.. وهم يفرقون اليوم بين وساوس نفوسهم،  وما ينسبونه الى الشيطان من إيحاء، وتلقين..  وللشيطان عندهم تلك المملكة الواسعة التى كانت له فى القرون الوسطى، فانها انحسرت حتى كادت تخرج من عالم الطبيعة الى ما بعدها، وكادت دولة الشيطان تؤول الى حالة كالحالة التى حصره فيها الاسلام..  قرين سوء ليس له على قرينه سلطان..
   فالمتدينون يؤمنون بوجود الشخصية الشيطانية دون سلطان على النفس، وغيرهم يلغى الشخصية الشيطانية، ويحل محلها عوامل الوعي الباطن التى يسميها الغريزة، أو الكبت، أو العقد النفسية، أو العلل الشخصية السقيمة، وما شاكل هذه الأسماء، وهذا الفريق مسبوق الى رأيه فى جملته، ذهب هذا المذهب فئة من المعتزلة ترى أن الشيطان هو وساوس النفس، ودوافع الشهوة، والطمع، والغضب، والخديعة، وتستند فى رأيها إلى النبى عليه الصلاة والسلام أن الشيطان ليجرى من ابن آدم مجرى الدم فى العروق، وليس هذا التأويل عند جمهرة المحدثين بالتأويل المقبول..

الخميس، 9 مايو 2013

قناة السويس بين الأمس واليوم



    أعلنت مصر سنة 1956 أنها تكفل حرية الملاحة فى القناة، وتمسكها بمعاهدة 1888.. بل واستعدادها لبحثها من جديد مع الدول المستخدمة للقناة.. ولكن الاستعمار أصر على موقفه، وانطلقت ألسنة الدعاية بحملة منظمة من الأباطيل.. حاولت فيها الوصول الى رجل الشارع الأوروبى.. زاعمة أن مافعلته مصر سينشر الجوع، ويزيد البطالة، ويقضى على الاقتصاد فى هذه الدول.. فقد تدهور الاقتصاد البريطانى الذى يعانى التضخم أصلا.. لتضع الحكومة برنامجا لزيادة الانتاج.. بعد أن قامت بالاستغناء عن 13 ألف من موظفيها..  وهو مايؤكد أن هذه الدول ماتقدمت، ونهضت الا بالاستعمار، ونهب المستعمرات، واستنزاف ثروات شعوبها، وجعلها سوقا رائجة لمنتجات مصانعها فقط.. فقد ظلت بريطانيا، وفرنسا، وبلجيكا، والمانيا، وهولندا، وغيرها من الدول الاستعمارية ترتع منذ أجيال بعيدة فى بحبوحة اقتصادية ظاهرة الارتفاع على حساب مئات الملايين من أبناء المستعمرات..
    وفى الأمم المتحدة تم الاتفاق على مشروع من ست نقاط، وتحدد يوم 29 من أكتوبر لاجتماع الأطراف المعنية بالأمر فى جينيف.. بيد أن اسرائيل هاجمت الحدود المصرية فى هذا اليوم.. وهو مايؤكد دور هذه الدولة المغروزة فى قلب المنطقة لتكون رأس الحربة لدول الاستعمار(1).. فهو يحاول دائما التواجد فى المنطقة فى صورة مبادىء، ومشروعات..  فهل كانت قناة السويس هى سبب حرب السويس؟!.. لو لم تؤمم شركة قناة السويس لحدث العدوان.. فلم يكن الاستعمار ليعدم مبررا للحرب.. تماما كما يحدث الآن..
    كانت بريطانيا تستولى على خمسة ملايين من الجنيهات من دخل قناة السويس، كما أثارت حكومتها بقيادة "ايدن" خوف الغرب على بترول الشرق الأوسط.. وفقد هذه الثروات يعرض خمسة ملايين عامل للتعطل، ويقضى على الصناعة فى غرب أوروبا..
    يعلن مستر "بيفن" فى مؤتمر حزب العمال سنة 1948 عن خطته فى حل مشكلة بريطانيا الاقتصادية:
"اذا نحن ربطنا دول الكومنولث(2)، وبلاد ماوراء البحار التى أخذنا مسئوليتها على عاتقنا المشترك بمهارة الغرب، واستعداده، وقدرته الانتاجية.. فاننا نستطيع حينئذ أن نحل مشكلة ميزان مدفوعاتنا، ويستطيعون هم من ناحية أخرى أن يظفروا بمستوى معيشة يزداد فى ارتفاعه مع الأجيال القادمة(3)"..
    ذكر "رودس(4)" سنة 1895 محددا حتمية الاستعمار:
"كنت بالأمس فى الايست اند بلندن.. وحضرت اجتماعا للعاطلين، وسمعت الخطب النارية.. فلم تكن سوى صيحات من أجل الخبز - الخبز -  الخبز، وتأملت المشهد فى طريق عودتى.. فأصبحت أكثر اقتناعا من ذى قبل بأهمية الاستعمار، لقد أوحى الى هذا المشهد أن حل المشكلة الاجتماعية، وانقاذ أربعين مليونا من سكان المملكة البريطانية من حرب أهلية دموية.. يتطلب منا نحن رجال الدول الاستعمارية أن نعمل على تملك أراض جديدة لتسوية مشكلة ازدياد السكان، والحصول على أسواق جديدة لتصريف بضائعهم من منتجات المصانع، والمناجم.. ان الامبراطورية – كما سبق أن قلت دائما – هى مسألة الخبز، والزبد.. فاذا أردتم تجنب الحرب الأهلية.. فعليكم أن تصبحوا استعماريين"..
    أما "تشمبرلين" فيقول بدوره:
"اننى أعتبر كثيرا من مستعمراتنا مناطق متخلفة، وأن سياسة الحكومة تستهدف تنمية مصادر المستعمرات الى أقصى حد ممكن، واننى أرى أن مثل هذه السياسة وحدها هى التى تستطيع أن تقدم حلا لهذه المشاكل الاجتماعية الكبرى التى تحيط بنا".. ويقول فى تصريح له عام 1896:
"صدقونى أن خسارة سيطرتنا ستؤثر بالدرجة الأولى على الطبقة العاملة فى بلادنا"..
    وقد تلاحظ دخول انجلترا فى الأزمات الاقتصادية بعد أن تقلصت مستعمراتها.. فنقصت المساحات المزروعة، وتخلفت الصناعة البريطانية بالنسبة للتقدم الصناعى، والفنى فى أمريكا، وروسيا، والمانيا.. وهو مانوهت اليه التايمز البريطانية فى احدى مقالاتها الافتتاحية الأول مارس 1949:
"ان القلاقل(الثورات) فى المنطقة الآسيوية تهدد الموارد الغنية بالمواد الخام التى تحتاجها بريطانيا، وفرنسا، وهولندا.. فبفضل نصف مليون طن من المطاط، وستون ألف طن من القصدير كانت تنتجها الملايو سنويا قبل الحرب، وبفضل أرز بورما، ومعادنها، وأخشابها.. مااستطاعت هذه البلاد أن تجمع جزءا كبيرا من فائض دولارات منطقة الاسترلينى"..
    وتنشر "النيويورك تايمز" لمراسلها فى جينيف بتاريخ 11 من يناير 1949 قوله:
"لاريب أن مستوى المعيشة العالى فى أوروبا يتوقف – الى درجة ما – على مدى مايتوافر من مواد خام، وعمل رخيص فى آسيا، وأفريقيا..  وأن تعمير أوروبا لن يمكن تحقيقه بدون هذه الثروة"..
    كتب أحد السفراء الأمريكيين للرئيس الأمريكى "ولسن" يقول:
"ان مستقبل العالم لنا، والآن يجدر بنا أن نفكر فيما عسانا أن نفعله عندما يتضح أن مقاليد العالم قد ألقيت تماما في أيدينا، وفيما عسانا أن نفعله كى نستخدم البريطانيين بأقصى ما تتيح لنا الديمقراطية..  ان الامبراطورية البريطانية قد آذنت أن تصبح فى ذمة التاريخ، وان أمريكا هى الوريث الطبيعى لزعامة العالم بعد أن سيطر عليه البريطانيون لأكثر من قرنين من الزمان، لقد كنا مستعمرة بريطانية فى وقت من الأوقات، وستصبح هى مستعمرتنا عن قريب بالفعل، لابالقول..  لقد مكنت الآلات بريطانيا من فرض سيطرتها على العالم، والآن فان آلات أخرى أفضل ستمكن أمريكا من فرض سيطرتها على العالم، وعلى بريطانيا"..
    وهكذا تسلمت أمريكا الراية الاستعمارية للاستحواذ على مقدرات العالم بالتهديد، والابتزاز، والحرب.. كدولة يعيش فيها 5 % من سكان العالم على ثلث موارده..       
    ولكن مادخل الفرنسيين فى موضوع تأميم قناة السويس؟!..
    ان الرأى العام الفرنسى يشتد حقده على حكومة "دى مولييه" بسبب حرب الجزائر التى أرسلت اليها فرنسا نصف مليون جندى، يتبعهم نصف مليون أسرة فرنسية فى حالة من القلق المستمر، وكان ينبغى على الحكومة مفاوضة الوطنيين الجزائريين، والتسليم بمطالبهم لتنتهى الحرب.. وهو حل لايرضى الساسة الذين لايستطيعون التواجد بدون الأزمات، والرشاوى.. فالذى يغذى حملة الجزائر هم أصحاب رؤوس الأموال، وكبار أساطين الاستعمار فى شمال أفريقيا.. فوجدت الحكومة نفسها فى مأزق، وجاءت أزمة القناة لتلقى الحكومة بفرنسا فى أتون الأزمة كى تحول الأنظار عن مأزق الجزائر، وفى ذات الوقت القضاء على عبد الناصر الذى يدعم ثورة الجزائر..
    وقامت شركة القناة عن طريق "شارل رو"، و"جورج بيكو" بنشاط كبير.. فدفعت الأموال الطائلة الى عدد من النواب، والسياسيين ليكتبوا، ويخطبوا فى البرلمان ضد عبد الناصر، ويثيروا ضده نفوس الفرنسيين بأنه ديكتاتور، وتشبيهه بهتلر، وقد ثبت أن شارل رو هو الذى يكتب المقالات التى ينشرها "بول رينو" رئيس وزراء فرنسا السابق.. كما حشر وزير خارجية فرنسا اسرائيل فى الموضوع باثارة حق السفن الاسرائيلية فى المرور بالقناة..
    ويسافر جى مولييه الى الجزائر للتشاور مع وزيره هناك "لاكوست" – الذى يلازم احدى المستشفيات بعد اجراء عملية لاستئصال احدى الكلى – على برنامج شامل يعرض على الجزائريين لوقف القتال قبل أن تنكشف الأمور لتصل الى اتفاق مع الجزائر، وثوارها ليقبلوا على أساسه المفاوضة مع فرنسا، وانهاء الحرب.. ولما كانت فرنسا لاتريد أن تظهر بمظهر الضعف أمام الجزائريين.. فهى تؤكد استمرار الاستعدادات العسكرية ضد مصر..  فى الوقت التى أوشكت فيه ميزانيتها على الافلاس بما لايستطاع معه استمرار حرب الجزائر..
    عرضت فرنسا على الجزائر حلا للمشكلة باقامة حكم ذاتى فى اتحاد فيدرالى مع فرنسا.. على أن يترك لفرنسا مسئوولية الدفاع، والاقتصاد، والسياسة الخارجية، وبالطبع رفض الجزائريون المشروع.. فقامت فرنسا بفرض ضرائب جديدة على الشعب الفرنسى للحصول على ماقيمته 150 مليون جنيه لتمويل حرب الجزائر خلال ثلاثة شهور، ومالم تحل المشكلة خلال الشهور الثلاثة.. ستضطر الحكومة الى فرض ضرائب جديدة(5)..   
(1) ومفهوم الاستعمار مستمر من النشأة حتى الآن.. مع تطور الأساليب.. حيث بدأ بالرحالة، ثم الكشوف الذى سموها – تمويهاً -  جغرافية، ثم المعاهدات، وعقد الشركات، ثم الاحتلال العسكرى السافر، ثم العودة مرة أخرى الى التحالفات، والمعاهدات، ثم الاحتكار، والاحتلال الاقتصادى.. وفى كل المراحل تنشط الأيدولوجيات، والآلة الاعلامية الضخمة التى عادة ماتنقسم فى الغرب بين مؤيد، ومعارض عملا بمبدأ تقسيم الأدوار، وترويجا لدور الديمقراطية، والحريات..
(2) وهى دول المستعمرات البريطانية..
(3) نفس منطق تونى بلير رئيس حزب العمال، ورئيس الوزراء البريطانى أثناء احتلاله للعراق مع أمريكا هذه الأيام من أجل استزاف البترول، والمواد الخام لبيعها مرة أخرى الى الشعوب المحتلة لحل مشاكلهم الاقتصادية، وتشغيل عمالهم، وشركاتهم، وموظفيهم)..
 (4) وهو أحد أساطين الاستعمار مثل "دزرائيلى"، و"تشمبرلين"..
 (5) تمت الاستعانة بكتاب الأستاذ صلاح الدسوقى.. "الاستعمار المشترك".. 1956..