المدخل:
- قام نظام المجتمع المصري قبل الثورة
على النموذج الديمقراطي الغربى، بما يتضمنه من وجود ملك، ووزارة، وبرلمان، وأحزاب
سياسية مختلفة..
- بعد الغاء الثورة للأحزاب قامت بانشاء
"هيئة التحرير"، مرورا "بالاتحاد القومي"، وصولا إلى "الاتحاد
الاشتراكي" لتجنب الفراغ السياسي في المجتمع..
- مرت الحياة الحزبية في مصر قبل إلغائها
عام 1953 بتجربتين انتهت أولاهما بإعلان "الحماية البريطانية" على
البلاد، مع قيام الحرب العالمية الاولى عام 1914، وبدأت ثانيتهما مع ثورة 1919..
- كان ظهور جماعة الأخوان، وانتشارها
بمثابة البديل الاسلامى لفكرة الجامعة الإسلامية، والتي تمثلت من خلال الدعوة إليها
منذ سقوط الخلافة العثمانية، خاصة إذ لم تتجاوز الفترة بين سقوط الخلافة، وظهور
الجماعة خمس سنوات(1923- 1928).. فلم تخل من محاولة قام بها الملك فؤاد وأفسدها
"الشيخ على عبد الرازق" بكتابة الشهير "الاسلام وأصول الحكم"عام
1926..
- تتميز المرحلة الأولى بظاهرة
"تحزيب الصحف", بينما تتميز الثانية "بتصحيف الأحزاب"..
وتتعدد معايير التصنيف الحزبي، وأشهرها يعتمد على الحجم، والنوع، أو تقسيمها
حسب فهم هذه الأحزاب لحركة التاريخ، وموقفها منه؛ فالأحزاب المحافظة توضع في
"اليمين"، وتلك التي تستوعب الواقع، وتتحرك في إطاره "بالوسط"،
أما هذه الرؤية المستقبلية التى تتماشى مع فهم حركة التاريخ، وتعمل على دفع عجلة
الحياة الوطنية نحو هذا المستقبل "باليسار"..
التجربة
الأولى(1907- 1914):
الحزب الوطني:
مفهوم الحزب، أى الحزب؛ مجموعة من الرجال اتفقوا على مبدأ يحققون من خلاله
المصلحة الوطنية..
أو مجموعة منظمة من أشخاص؛ تسعى للاستيلاء على السلطة، لتجنى ثمار هذا
الاستيلاء..
أو تحالف مجموعة من المصالح لفئة، أو لفئات اجتماعية معينة..
أما مقومات تشكيل حزب حقيقي:
1- وجود "هيكل حزبي"..
2- توفر
"برنامج" معروف أو "فلسفة " معينة على الأقل..
والمقصود بالهيكل هنا تنظيم كوادر الحزب، ابتداء من قاعدته إلى قمته،
فالقاعدة تضم جميع أعضاء الحزب الذين يجب أن يتوفر لهم الايمان بالأهداف الموضوعة،
والانتماء التنظيمي من خلال اشتراك مالي، وإسهام في نشاط الحزب، ومن هؤلاء تنبثق
القيادة..
يأتى بعد ذلك البرنامج بالنسبة للأحزاب المشتغلة بالقضية الوطنية، والفلسفة
بالنسبة للجماعات، والأحزاب ذات الهويات العقائدية، وبدون هذا البرنامج يتحول موقف
المجموعة إلى شكل هرمي يصعب معه تحديد مكانتها السياسية، وموقفها الحزبي .
أما عن الحزب الوطني؛ فقد اصطلح المؤخرون على تسميته "بالحزب الوطني
القديم" إبان "الثورة العرابية", لكن "الحزب الوطني الثاني"
بزعامة "مصطفى كامل" فقد تأسس أولا عام 1893 على شكل جمعية سرية في
صالون "لطيف باشا سليم" أحد الضباط العرابيين، ورجل من رجال الحزب الوطني
القديم؛ الا أنه لم يتخذ الشكل الحزبي
المطلوب من حيث الهيكل، أو البرنامج قبل عام 1907م..
قامت الحملة في صحفية "اللواء" بطبعتيه الانجليزية، والفرنسية،
والطبعة الأصلية على يد مصطفى كامل مؤسس الحزب, وبإلقاء الخطب؛ ثم تبع ذلك تشكيل
"لجنة مؤقتة" للتحضير لاجتماع "الجمعية العمومة" للحزب, ووضع
لائحة له لعرضها على هذه الجمعية في 27 ديسمبر, وتكون أول هيكل للحزب, وقد اتخذ
الشكل الهرمي المعروف في الأحزاب الديمقراطية التى تبدأ من القاعدة ليتدرج إلى
القمة, تمثلت القاعدة في "الجمعية العمومية" التي تتكون من مجموع أعضائه
العاملين، يجتمعون مرة في شهر ديسمبر من كل عام تحت اسم "المؤتمر الوطني"
لانتخاب "اللجنة الإدارية"، والموافقة على ميزانية الحزب, وأعماله،
وتقديم المقترحات، وطرح المشروعات..
تنبثق من اللجنة الادرية التي تتكون من 30 عضوا بخلاف الرئيس, وتجتمع مرة
كل شهر للنظر في أمور الحزب, وتراجع ميزانيته، أو تنظر في طلبات العضوية الجديدة..
ويصل التشكيل الهرمي إلى قمته "اللجنة التنفيذية" للحزب التي
تتكون من ثمانية أعضاء تنتخبهم اللجنة الادرية بخلاف الرئيس؛ منهم نائبان للرئيس,
وسكرتير, وأمين صندوق, وتجتمع هذه اللجنة مرة على الأقل كل أسبوع لتصريف أمور
الحزب, ثم أدخلت على تلك اللائحة عدة تغييرات بعد أن توفى رئيس الحزب بعد شهرين من
تكوينه..
صحافة الحزب :
-"اللواء".. صدرت في مطلع عام 1900 قبل تأسيس الحزب بثماني
سنوات, وأصبحت الممثل الوحيد للحزب, وكانت أوسع الصحف انتشارا, ويأتى بعدها صحيفة
"المؤيد"؛ هذا عدا النسخة الانجلزية، والفرنسية, ثم لسان حال
الحزب إلى صحيفة "العلم" بعد الخلاف الذي حدث بين زعيم الحزب الجديد
"محمد فريد"، وورثة مصطفى كامل، على أنه لم يمنع من أن تكون احدى صحف
الحزب..
-"الدستور".. صحيفة
يومية صدرت في 16 نوفمبر سنة 1907, رأس
تحريرها "محمد فريد وجدي"، وتوقفت في 9 ديسمبر 1909 لأسباب مالية..
-"القطرالمصرى".. صدرت في 24 أبريل 1908 كمجلة
أسبوعية, وتحولت في 16 أكتوبر إلى جريدة أسبوعية, صاحبها، ورئيس تحريرها "أحمد
حلمي" منعت من الصدور في يناير 1910, وكان أحمد حلمى ثاني شخصية في اللواء, وأول
صحفي يسجن بتهمة العيب في الأسرة الحاكمة..
-"وادى النيل"..
صحيفة الحزب في الإسكندرية؛ أصدرها في 2 مايو 1908, وأغلقت في 7 أبريل سنة
1912..
-"ضياء الشرق".. أصدرها "محمود حسيب" في
يوم صدور وادى النيل؛ لم تتجاوز 36 يوما بسبب
محاكاة اللواء..
-"مصر الفتاة".. أصدرها
عدد من المحررين في ديسمبر من عام 1908؛
رأس تحريرها "سيد على"؛ وأغلقت بقرار حكومي عام 1911..
-"البلاغ المصري".. صاحبها "إسماعيل شيمي بك" أحد أقطاب
الحزب صدرت في 9 يوليو 1910 بالعربية، والفرنسية تحت اسم " "la depeche egyptien، ونظرا لتطرفها بالنسبة لموقفها من الاحتلال، أو الخديوي
أغلقت بقرار من ناظر الداخلية في مطلع عام 1911..
وقد تأثر الحزب بثلاث
حوادث على جانب كبير من الأهمية:
1. حلول سياسة الوفاق بين الخديوي "عباس الثاني"،
والمعتمد البريطاني الجديد في القاهرة السير "دون جورست" مما أدى إلى
وحدة السلطة ضد الحركة الوطنية..
2.
وفاة مؤسس
الحزب في فبراير 1908 أى بعد مرور شهرين
من تأسيس الحزب..
3. حدوث "انقلاب دستوري" في تركيا في يوليو من
نفس السنة أطاحت بنظام حكم السلطان "عبد الحميد الثاني" الاستبدادي..
ونتيجة لمناؤة الحزب
للسلطة، والتعريض لها، واستقطابه مجموعات من الطلاب، والعمال أدى إلى مواجهة مع
السلطة ما حدا بالسلطة الى ضرب الحزب، فلقي
زعماء الحزب عنتا شديدا من وراء هذه القوانين تمثل في إصدار أحكام مختلفة ضد
زعمائه؛ كان منها الحكم بسجن "محمد فريد" سنة، مع الشغل سنة 1912 غير أن
الرجل خرج من البلاد قبل صدور الحكم، وبهذا انتهت زعامة الحزب إلى المنفى، وتحولت
قاعدته إلى العمل السري، مما ينهى هذه المرحلة من مراحل نشاطه الوطني..
أحزاب الأقلية:
يمكن تقسيم الأحزاب التي اشتغلت بالقضية الوطنية خلال تلك الفترة إلى ثلاثة
أقسام؛ يضم كل منها حزبين:
القسم الأول:
1- حزب الأمة..
2- حزب الإصلاح على المبادى الدستورية..
القسم الثاني
:
1.
حزب النبلاء..
2.
الحزب المصري..
ويمثل كلاهما عصبية
جنسية، أو دينية..
القسم الثالث:
1.
حزب الأحرار..
2.
الحزب
الدستورى..
حزبا سلطة شديدا
الهامشية..
أولا- حزب الأمة:
في أغسطس 1906 تكونت "الجمعية العمومية لشركة جديدة"، وقد بلغ أعضاء
الجمعية 60 عضوا؛ زادوا إلى 113 تم
اختيارهم بعناية فائقة؛ روعي فيها أن يكونوا جميعهم من الأثرياء، وذي المراكز
العليا في البلاد، وعددا كبيرا منهم من أعضاء "مجلس شورى القوانين"، ثم
اثنين منهم من كبار رجال كل مديرية لضمان انتشار الجريدة، وأفكارها في أنحاء
البلاد..
وفى مارس من العام التالي صدرت الجريدة، ثم تحولت شركة الجريدة الى "حزب الأمة" في سبتمبر 1907 وتم
اختيار "محمود باشا سليمان" رئيسا، و"حسن باشا عبد الرازق"، و"على
باشا شعراوى" وكيليـــــــــن، و"أحمد لطفي السيد" سكرتيرا دائما،
وكانت سياسة الحزب تعتمد على المطالبة بالاستقلال قبل الدستور، ويعتبر الحزب ممثلا
لتيار "القومية المصرية" الخالصة
دون خلطها بالمفاهيم الإسلامية، وما يتصل بذلك من روابط خاصة بدولة الخلافة في
استنبول..
وكانت "الجريدة" لسان حال الحزب، ورأس تحريرها أحمد لطفي السيد
منذ صدورها في مارس 1907، وكانت في حال اعتدال بالنسبة للسلطة، بينما روجت للأفكار
التي كانت منتشرة في العالم آنذاك "كالاشتراكية"، وغيرها، كما تصدرت
الجريدة لبعض المشاكل الاجتماعية مثل قضية "حرية المرأة" حين كانت
الصحيفة، ودارها، وهى أيضا دار الحزب ملتقى لسماع أول خطبة تلقيها امرأة في تاريخ
مصر الحديث, وهى خطبة "ملك حفني ناصف" المعروفة بباحثة البادية..
ثانيا- حزب الإصلاح على المبادىء
الدستورية:
رأس الخديوي "عباس الثاني" الجمعية السرية التي تأسست عام 1894 والتي
انبثق منها "الحزب الوطني"، وظن أنه سيفرض نوعا من الوصاية على الحزب
برعايته لمصطفى كامل، وجماعة الوطنيين الذين التفوا حوله، بيد أن العلاقة بين
مصطفى كامل، والخديوي شحبت خلال النصف الثاني من عام 1907 حين حفلت "جريدة
المؤيد" جريدة القصر باتهامات لمصطفى كامل بالغرور، والتهور..
على ضوء ذلك
كان ايعاز الخديوى للشيخ "على يوسف" صاحب المؤيد بإنشاء الحزب برئاسته،
ووكيلين هما "حسن رفقي باشا"، و"أحمد حشمت باشا"، بالاضافة إلى
12 عضوا؛ أغلبهم من الباكوات، والباشاوات
ذوو العلاقة الطيبة مع القصر..
وتقوم مبادىء
الحزب على تأييد سلطة الخديوي، وقد التزمت المؤيد بذلك، واختار الخديوي أحمد حشمت
باشا وزيرا في الوزارة التي ألفها "بطرس باشا غالى" سنة 1908؛ كما ناصرت الجريدة الخط الاسلامى من خلال نقل أخبار
العالم الاسلامى، والدولة العثمانية..
ثالثا- حزب
النبلاء:
اصطدم الحزب الوطني
بالأرستقراطية التركية، والشراكسة عام 1908 بقيادة محمد فريد وهى العناصر التى
كونت حزب برئاسة "حسن حلمي زادة ابن على حلمي باشا" العضو الوطني لمصلحة
"الدومين" الذي كان من رجال الحكومة التركية، وسكرتارية "محمود
طاهر حقي"، ولم يكن للحزب هيكلا لعدم وجود أعضاء، وعدم وجود برنامج إلا البيانات
التي كانت تصدر في "جريدة الوطن"..
رابعا- الحزب المصري:
في 2 سبتمبر عام 1908 نشر
"اخنوخ فانوس" المحامى مشروع تأسيس ما أسماه "بالحزب الوطني"،
وقد مثل هذا الحزب فكر "الأقلية القبطية" في مصر نفورا من "الاتجاه
الاسلامى" الحاد للحزب الوطني؛ خاصة بعد وفاة مصطفى كامل، ورئاسة الشيخ "عبد
العزيز جاويش" لتحرير اللواء، وبعد أن رفضت الجريدة نشر بعض ردودهم على حمله
الشيخ جاويش على ضوء هذا انسحاب الأقباط من عضوية الحزب الوطني؛ فأعلن أخنوخ فانوس قيام الحزب..
وقد غالى الحزب في الاتجاه المصري، والعلماني في مقابل الاتجاه الاسلامى
القائم، وتضمن برنامجه فصل الدين عن السياسة، والمساواة في الحقوق العمومية لسكان
القطر بلا تمييز بسبب الجنس، والدين؛ بيد أن الحزب تميز باعتدال موقفه من الاحتلال،
والقبول بفكرة تمثيل أجنبى بمصر؛ وبالرغم
من ذلك لم يعثر للحزب على هيكل محدد، أو نشاط يمثل تطبيق برنامجه المطروح في الصحيفتين القبطتين الموجودتين آنذاك؛ وهما
"مصر"، و"الوطن"، ولم تتحول احداهما إلى جريدة للحزب..
خامسا- حزب الأحرار:
بعد حملة اللواء على التقرير السنوي الذي يرفعه المعتمد البريطاني "لورد
كرومر 1907" بالقاهرة إلى حكومته عن حالة مصر، وماليتها، وادارتها نشر
"محمد بك وحيد" في "البروجريه" مقالا يهاجم فيه مصطفى كامل،
وجماعته فأيده "محمد بك نشأت" بمقال نشره "بالمقطم" الجريدة
الاحتلالية، وكان هذا المقال هو نقطة لقاء الرجلين في يونيه؛ وتكوين ما أسمياه
"بالحزب الوطني الحر"، ثم تغير إلى "حزب الأحرار" في 26 يوليو
1907، ويعتبر أول الأحزاب في مصر من الناحية الزمنية، ونشر الحزب مبادئة الذي
يبالغ فيها بالمسالمة الكاملة للمحتلين، والدعوة الى بقائهم في البلاد بغرض
الاستفادة منهم..
صدر للحزب
جريدة "الأحرار" الناطقة باسمه، وهو الوحيد في الأحزاب الصغيرة الذي استطاع
ذلك في مارس 1908؛ ولكنها لم تكن منتظمة حتى أغلقت عام 1910 حيث حوكم رئيس الحزب
محمد وحيد بك، وسجن لمدة شهرين؛ وبذلك أغلق الحزب أيضا..
سادسا- الحزب الدستوري:
أعلن قيامه
"إدريس بك راغب" أحد ثراة المصريين في 9 فبراير عام 1910، ولم يعلن له
برنامجا، وإنما قدم خطة أتضح منها أنه كان حزب سلطة أينما كانت سواء خديوية، أو
احتلال، أو دولة عثمانية؛ فهو للجميع تحت دعوى الاعتدال، والنظرة المتدرجة، وتجنب
الغلو، والتطرف، ولم يتميز للحزب هيكلا، أو نشاطا؛ فضلا عن صحيفة تعبر عن أرائه،
وخططه..
الأحزاب الأيديولوجية:
تتميز باعتناق
"فكر" معين، أو "فلسفة" سياسية، أو اجتماعية، أو اقتصادية لا
تتعامل مع الواقع، والوضع القائم بقدر ما تتعامل مع المستقبل، وطرح البديل الذي
تؤمن به، وقد تمثل ذلك في حزبين من أحزاب تلك الفترة:
أولا- الحزب الجمهوري..
ثانيا- الحزب الاشتراكي المبارك..
أولا- الحزب الجمهوري:
تكون هذا الحزب من مجموعة من المثقفين المتأثرين
بالثقافة الفرنسية متخذين شعار الثورة الفرنسية(حرية – إخاء – مساواة) شعارا
لحزبهم، كما شاركوا بحزبهم في احتفالات الجالية الفرنسية بعيدها الوطني فى14 يوليو،
وقد اختار هؤلاء صحيفة "الأخبار" في ديسمبر 1907 التي كان يصدرها "أمين
الخازن" السوري الجنسية، وكانت ذات نزعات تحررية، وكذلك الترويج للمذاهب المتطرفة،
والمعاداة للخديوي، لنشر أفكارهم التقدمية عن "الجمهورية" كبديل "للنظام
الخديوي"، ويرون أن تدرج الامة الطبيعي يمر بثلاث مراحل الأولى: هي الدستور،
والثانية: الاستقلال التام، والثالثة: إعلان الجمهورية، كما عادى الجمهوريون نظام حكم محمد على، وهاجموه
هو، وأسرته غير أن الجريدة تخوفت من أفكارهم التقدمية؛ فاتجهوا إلى جريدة "الأحرار"
التي اشتهرت بمهاجمه الخديوي عباس غير أن الجمهوريين كانوا يهاجمون الإنجليز أيضا أصدقاء
"وحيد بك" رئيس التحرير؛ فأغلقها دونهم في أواخر 1908..
وعلى الرغم مما
أثارت هذه الحملة من مناقشات على ساحات الصحف العربية، والأجنبية مما لفت إليها أنظار
عدد كبير من المصريين بقيادة "محمد غانم" مؤسس الحزب، واستمالة بعض أنصار
الأحزاب الأخرى إليه؛ إلا أنه لم يعرف له هيكلا محددا لقلة أعضائه الذين لم يعرف
منهم سوى خمسة أسماء على الأكثر، ولعدم استساغة الجماهير العريضة لفكرة الجمهورية
فى ذلك الوقت..
ثانيا- الحزب الاشتراكي المبارك:
تسرب الفكر الاشتراكي
الي مصر من خلال مسارب ثلاثة:
1. مجموعة المثقفين المصريين التي روجت "الجريدة"
أفكارهم رغم أنها كانت صحيفة كبار الملاك؛ إلا أنها تعبر عن فكر النخبة في السياسة
المصرية، وعلى رأسهم "أحمد لطفي السيد"، و"محمد حسين هيكل"، و"سلامة موسى"، وكانوا يسمون
الاشتراكية، والشيوعية آنذاك "بالكومونية"..
2. الصحفيون السوريون في مصر تجنبا لاتجاهات السياسة
المصرية، والقائمون عليها في ذلك الوقت فاتجهوا إلى الكتابة في الموضوعات المذهبية،
وقد تمثل ذلك في "مجلة المقتطف"التي ضمت "شبلي شميل"،
وتلاميذه، وكذلك جريدة الأخبار" التي حررها "توفيق حبيب"، و"نقولا
حداد"..
3. المعركة النقابية للعمال الأوروبيين الموجودين بمصر فيما
بينهم، وبين أصحاب العمل، وانتقال ذلك لزملائهم المصريين..
نتيجة لذلك أسس الدكتور
"حسن جمال الدين" حزبا يدعو للفكر الاشتراكي، ووضع برنامجه؛ إلا أن هذا
البرنامج كان منصبا أساسا على الريف، والفلاحين تجاه كبار الملاك، وقد كان الإهمال
الاعلامى، وعدم الإقبال على الحزب من الأسباب التي أدت لاندثاره..
التجربة
الثانية(1919 – 1953):
حزب الوفد:
يمثل "الوفد" أهم الأحزاب السياسية التي
عرفتها مصر على امتداد تاريخها السياسي الحديث؛ وذلك للأسباب التالية:
1. حصوله على أغلبية مقاعد البرلمان في أى انتخابات حرة..
2. تأليف العديد من الحكومات دون الائتلاف مع أحزاب أخرى؛ ففي
خلال ربع قرن(27- 1952) هو عمر رئاسة "النحاس باشا" للوفد تولى 7 وزارات
ضمن 38 وزارة، 3 منها مؤتلفة..
3. بالنسبة للقضية الوطنية، والوجود الاستعماري البريطاني الذي
لعب فيها الوفد دورا هاما سلم البريطانيون بأن الوفد هو الممثل الحقيقي للشعب المصري؛
مما بدا في بعض الأحيان من رفضهم ابرام أى معاهدة مع أى حزب سوى الوفد، كما حدث في
"مفاوضات 1936"، وكذلك إجبارهم "الملك" في 4 فبراير 1942 على
تشكيل وزارة إبان احتدام القتال خلال "الحرب العالمية الثانية"، والحاجة
إلى قوة سياسية تستطيع تجميع الشعب المصري، ووقف تدهور الجبهة الداخلية..
تأسيس الوفد:
بعد لقاء 13
نوفمبر سنة 1918 بين "سعد زغلول"، و"عبد العزيز فهمي"، و"على شعراوى"، وبين السير "ونجت"
المندوب السامي البريطاني في مصر الذي طالب فيه الثلاثة بالاستقلال بيد أن المندوب
السامي تعجب من ذلك وتساءل:
-"كيف يتحدث رجال عن أمر أمة بأسرها دون أن يوجد ما
يخولهم هذا الحق".. فاجتمع سعد بصحبه للتشاور، وقرروا تأليف ما يسمى "الوفد
المصري" على أن تحصل هذه الهيئة على توكيلات تخولها صفة تمثيل الامة..
وتألف الوفد
على مرحلتين الأولى في 13 نوفمبر حين ضم 7 أعضاء جميعهم فيما عدا "لطفي السيد"
من أعضاء "الجمعية التشريعية", 5 من أعضاء "حزب الأمة"، أو
المتعاطفين معه, 2 من "الحزب الوطني"، والثانية اتسع فيها نطاق الوفد؛ إذ
ضم عددا من رجال الوفد الذي كان قد شكله آنذاك الأمير "عمر طوسون"،
وعددا أخر من أقباط مصر لتمثل شطري الأمة، ولم تكن الهيئة الوفدية على هذا الشكل
تمثل حزبا؛ بيد أن هذه الهيئة كانت الشرارة التي فجرت ثورة 1919، وبدأ ميلاد الحزب
بعدها..
وقد استأثر
رئيس الحزب في ذلك الوقت بسلطات تفوق كثيرا ما تقرر في قانون الوفد؛ وذلك لقيادة
الثورة، والشعبية الهائلة التي تمتع بها، وقد ورث النحاس هذه الصلاحيات..
كما ظهرت
شخصيات بارزة في سكرتارية الحزب لعبت أدوارا هامة في تاريخ الحزب، وتاريخ الوطن مثل
"عبد الرحمن فهمي"، و"مصطفى النحاس" أيام رئاسة سعد، ثم "مكرم عبيد"، و"فؤاد سراج
لدين" أيام رئاسة النحاس..
وقد تفرع عن
الحزب بعد ثورة 19 جهازا سريا نظرا لظروف الثورة ارتبط باسم "عبد الرحمن فهمي"،
وجماعة(أصحاب القمصان الزرقاء)، وهى ميليشيا لمواجهة ما لجأ إليه خصومه في الثلاثينات من استقطاب
للشباب المصري في جماعة شبه عسكرية هي جماعة( القمصان الخضراء)، أو جماعة( مصر
الفتاة)..
وقد ركزت
القضية الوطنية خلال تلك الفترة على مطلبين:
1. الجلاء العسكري البريطاني..
2. الوحدة مع السودان(وحدة وادى النيل)، وقد مرت هذه القضية
بثلاث مراحل يتضح من سردها موقف الوفد من كل منها:
الأولى: تمتد بين تأسيس الحزب في
23 نوفمبر 1918، حتى تصريح 8 فبراير 1922..
- ثورة 19 وإجبار الإنجليز على التخلي عن سياستهم بابقاء
مصر محمية بريطانية..
- مقاطعه لجنة اللورد "ملنر"، وإجبارها على
التفاوض معه وحده برئاسة سعد زغلول..
على الرغم من
افتقاد سعد للصفة الرسمية؛ فلم يكن في الحكم عام 1920، وقد فشلت هذه المفاوضات..
الثانية: تمتد حتى عام 1936 من خلال خمس جولات للمفاوضات،
2 منها انفرد بهما الوفد, 2 منها كان طرفا أساسيا بها، ولم يشترك في واحدة فقط..
- الجولة الأولى: مفاوضات سعد – مكونالد 1924..
- الجولة الثانية: مفاوضات النحاس – هندرسون عام 1930..
- الجولة الثالثة: حين كان طرفا أساسيا في مفاوضات ثروت –
تشمبرلين 1927 برعاية سعد..
- الجولة الرابعة: مفاوضات 1936 التي مثل الجانب المصري
فيها جبهة وطنية من زعماء الأحزاب، وبعض المستقلين يرأسهم النحاس باشا..
- والجولة الخامسة: لم يشترك فيها، وهي مفاوضات محمد
محمود – هندرسون 1929..
هذا غير الصدام
بين الحزب، والإنجليز، وأشهرها حادث اغتيال "السير لي ستاك" حاكم عام
السودان، وقائد الجيش المصري تقدم على أثره الإنجليز بإنذار إلى سعد زغلول أدى إلى
إسقاط حكومته عام 1924، وهى أول وزارة شكلها الوفد المعروفة "بالوزارة
الشعبية" 1924 برئاسة سعد زغلول..
الثالثة: بين معاهدة 36، وسقوط الوزارة النحاسية فى
يناير عام 1952..
- قامت حكومة الوفد في أكتوبر 1951 بإلغاء معاهدة 1936، واتفاقيتي
السودان عام 1899..
الوفد في الحكم:
- صدور دستور 1923..
- اشترك في ثلاث وزارات ائتلافية بين عامى 26, 1928 هي
وزارات "عدلي يكن"، و"عبد الخالق ثروت"، و مصطفى النحاس"
على التوالي..
- شكل النحاس الوزارة الثانية في أول يناير 1930 استقالت
في يونيه 1930 فشل مفاوضات النحاس –
هندرسون..
- شكل الوفد وزارته الثالثة في أوائل مايو 1936(عقد
المعاهدة)، وأعاد تشكيلها في أغسطس من العام التالي بمناسبة تولية "الملك
فاروق" لسلطاته الدستورية، وأقالها
الملك في 30 ديسمبر 1937..
- وزارة 4 فبراير 1942، واستمرت حتى 26 مايو حين أراد
النحاس إخراج "مكرم عبيد"، وأعاد تشكيلها مرة أخرى، واستمرت حتى 8 أكتوبر
1944(أقالها فاروق)..
- شارك في وزارة" حسين سرى"(26 يوليو 1949)..
- وزارة الوفد في 12 يناير ،1950 حتى 27 يناير 1952(أقالها
فاروق في أعقاب حريق القاهرة)..
صحافه الوفد:
-"الأخبار" – "أمين الرفاعى"..
- "وادى النيل" – بالإسكندرية..
- "النظام" – "سيد على" صحفي
الحزب الوطني القديم..
- "الأهالى" – "عبد القادر حمزة"..
- "المنبر" – "أحمد حافظ عوض"..
-"البلاغ" 1923 – عبد القادر حمزة بعد توقف الأهالى..
- "كوكب الشرق" 1924 – أحمد حافظ عوض
بعد توقف المنبر..
- "الجهاد" – "توفيق دياب"..
- "الوفد المصري" 1938..
- "المصري"(1936 – 1954) – "محمود
أبو الفتح"..
- مجلة "روزاليوسف"- صدرت عام 1925
لصاحبتها السيدة "فاطمة اليوسف".. - - مجلة "أخر ساعة"
لصاحبها محمد التابعي، صدرت عام 1934، وانضمت لدار "أخبار اليوم"..
وقد تمتع الوفد تحت رئاسة سعد زغلول بتبعية
بعض الصحف الأجنبية، خاصة الفرنسية:
-"الليبرتيه" 15 سبتمبر 1922 – "لميون
كاسترو"..
-"الريفيو
اجيبسيان"(نفس الوقت) – "جورج روماني"..
-"لبوار"
في عهد وزارة "زيور"(1925 – 1926) 8 ديسمبر 1925- الآنسة "منيرة
ثابت", "جورج فوشيه"..
الأحزاب المنشقة:
حدثت انشقاقات
عن الوفد أدى بعضها إلى تكوين ثلاثة أحزاب جديدة:
أولا: الأحرار الدستوريين 1922..
ثانيا: الهيئة السعدية 1938..
ثالثا: الكتلة الوفدية 1942..
بينما لم يؤد البعض إلى تكوين أحزاب جديدة كالذي
حدث عام 1932 المعروفة بانشقاق "السبعة والنصف"..
أولا- الأحرار الدستوريين:
شبت بوادر
الخلاف فى الحزب بين سعد، وعدلي يكن أثناء "مفاوضات لورد ملنر" صيف عام
1920، فقد رأى سعد رفض المشروع، والعودة إلى مصر لمتابعة الجهاد؛ بينما رأى عدلي،
وحوله أعضاء حزب الأمة القدامى أن الأمة لا تقوى على متابعة المعارضة، والمقاومة،
والتزم جانب الاعتدال خاصة بعد أن كون عدلي يكن الوزارة فى مارس 1921، واستعد لترأس
المفاوضات بينه، وبين "كيرزون" التي فشلت، وأعلن بعدها تصريح 28 فبراير
1922 من جانب واحد؛ احتفظت فيه انجلترا ببعض الامتياز، وانقسمت الأمة حول مؤيد،
ورافض، بيد أن المؤيد تكفل بوضع "دستور جديد"، ودخل صراع آخر مع الملك
حول تحديد سلطاته فى الدستور، وانقسم الحزب إلى "سعديين"، و"عدليين"..
تكون بناء على
ذلك الحزب فى 29 أكتوبر 1922 برئاسة عدلي يكن، وانضم فى عضويته أعضاء "لجنة الدستور"، وآخرون من ذوى النفوذ من بينهم "مدحت باشا
يكن"، و"محمد باشا محمود"، وجماعة من الشبان أمثال الدكتور "حافظ
عفيفي"، وكل من "دسوقي بك أباظة"، و"أحمد بك عبد الغفار"،
وغيرهم ،كما جمع أعضاء حزب الأمة القديم من كبار المصريين، وأبنائهم، وذويهم،
وفريق من المثقفين المتحررين، والأعيان، وترأس الحزب بعد ذلك عبد العزيز فهمي،
ومحمد محمود الذي تولى الوزارة أكثر من مرة، وقام بتعطيل الدستور من خلال "القبضة
الحديدية" 1928 – 1929، ثم رأس الحزب
الدكتور "محمد حسين هيكل"، وقد مثل الحزب جانب المعارضة فى البرلمان؛ خاصة
فى عهد الوفد، وقد مثلت الحزب بأعضائه البارزين فى المجتمع المصري "جريدة
السياسة" التي ترأس تحريرها
الدكتور هيكل، وقادت المعارك السياسية، والفكرية منها معركة كتاب "الاسلام
وأصول الحكم" للشيخ على عبد الرازق..
ثانيا- الهيئة السعدية:
بعد أن تولى
الملك فاروق سلطته الدستورية فى 29 يوليو 1937 كان على الوزارة الوفدية القائمة أن
تعيد تشكيلها طبقا للدستور؛ فانتهز النحاس الفرصة للتخلص من عدد من أعضاء الوزارة
السابقة على رأسهم "محمود فهمي النقراشي" وزير المواصلات الذي كان على
خلاف مع النحاس حول الاستثناءات التي قررت الوزارة منحها لبعض أنصارها، وإسناد
مشروع كهربه خزان أسوان لبعض الشركات الأجنبية دون دراسة كافية، وحول فهم كل منهما
لمعاهدة 36 الذي رأس النحاس تنفيذها، بينما رأى النقراشي أنها ليست إلا خطوة
للتخلص النهائي من الوجود الأجنبى، وانتهى الأمر عندما وجه النقراشي "بيانا
سياسيا" إلى الأمة فى 13 سبتمبر 1937 أعلن فيه خروجه عن الزعامة الوفدية؛ فرد
الوفد ببيان فى 13 سبتمبر باعتبار النقراشي منفصلا عن الوفد، ولم يمض وقت طويل حتى
لحق به صديق عمره الدكتور "أحمد ماهر" رئيس مجلس النواب الوفدي؛ فتكونت
الهيئة السعدية فى مستهل عام 1938 من عدد من الوفدين المنشقين عن النحاس، واختاروا
الدكتور أحمد ماهر رئيسا لهم..
وفى الفترة من
44 – 1949 تولى رئيس الهيئة السعدية خمس وزارات، وزارتان لأحمد ماهر، ووزارتان
لمحمود فهمي النقراشي، ووزارة لإبراهيم عبد الهادي، وقد فقد الحزب زعيميه أثناء توليهما
الوزارة؛ فاغتيل أحمد ماهر فى البرلمان فى 24 فبراير1945، واغتيل محمود فهمي النقراشي
فى 28 ديسمبر 1948..
- لجأ النقراشي لهيئة "الأمم المتحدة" عام
1947؛ ولم يأت بنتيجة تذكر..
- دخلت مصر "حرب فلسطين" فى عهد وزارة النقراشي
الثانية، ولم تكن مستعدة لها بدرجه كافية..
- لم تتمكن الهيئة من امتلاك صحافة قوية تنطق باسمها سوى
صحيفة "الأساس" وهى من أضعف الصحف الحزبية بالرغم من أنها
استكتبت عددا من كبار الكتاب منهم "عباس محمود العقاد" ذو الشهرة الأدبية
العريضة، وساندتها جريدة "أخبار
اليوم" منذ صدورها فى نوفمبر 1944..
ثالثا- الكتلة
الوفدية:
تأسس الحزب
نتيجة للخلاف بين مصطفى باشا النحاس رئيس الوفد، والزعيم الجليل، ومكرم عبيد باشا
سكرتير الوفد، والمجاهد الكبير غير أن الإجماع على أن الخلاف كان نتيجة الصراع بين
مكرم من ناحية، والسيدة "زينب الوكيل"حرم النحاس باشا للسيطرة على زعيم
الوفد تعددت به الروايات وهناك عاملان آخران:
أولهما.. هو دخول عناصر جديدة فى الوفد لها طموحها السياسي العريض على رأسها
"فؤاد سرج الدين"، وكانت تطمع فى ارث مكانة مكرم عبيد عند النحاس، وبذا
اتفقت الأهداف بين هؤلاء، وبين السيدة زينب الوكيل..
والأمر الثاني هو خروج النقراشي من الوزارة، وانتهاز أعداء مكرم فرصة
الخلاف بينه، وبين النقراشى، كذلك تربص الملك، ورئيس ديوانه "أحمد حسين
باشا" بالوفد خاصة بعد فرضه عليه فى حادث 4 فبراير الشهير، وكان ميدان الصراع
هو الاستثناءات التي لم يوافق عليها مكرم عبيد بصفته رئيسا للمالية فى الوزارة..
بناء عليه
تقدم 14 نائبا، وثلاثة شيوخ من الهيئة البرلمانية للوفد باستقالتهم فى مذكرة
مشهورة، شكلوا بعدها "الكتلة الوفدية" برئاسة مكرم عبيد مع آخرين فصلهم
الوفد، والهدف من هذه الكتلة هي الاحتفاظ بالوفدية الأصلية، والاستمساك بمبادىء
الوفد الخالدة..
تقدم عدد من
هؤلاء المنشقين إلى الملك فى مارس 1943 بما عرف "بالكتاب الأسود" ضد
الوفد، وحكومته أدى إلى اعتقال مكرم عبيد
من جانب الوفد، ورئيسه ذى الصلاحيات العسكرية، والسلطات المدنية الأخرى..
لذا فقد اكتسب
هذا الحزب دائما حتى من خلال ممارساته السياسية، ووجوده فى السلطة الصفة الشخصية
حتى دعاهم الإنجليز "بالمكرميين" فى وثائقهم السرية بيد أن بعض عناصر الكتلة
النشطة مثل "جلال الحمامصى" قد انفصل عنها بعد انتهاء حدة الخصومة بين
مكرم، والنحاس عام 1946..
وشارك الحزب
فى وزارات أحمد ماهر، والنقراشي فى الفترة بين أكتوبر 1944، وفبراير 1946، وقد أصدر
صحيفة "الكتلة" عام 1944..
الأحزاب
الملكية:
عرفت فى عهد
الملك فؤاد:
أولا: حزب الاتحاد 1925..
ثانيا: حزب الشعب 1930..
السبب فى هذه التسمية هي أن كلا الحزبين تشكلا
أساسا من رجال موالين للملك، وقد نشأ فى أحضان وزارات ملكية، كما ارتبطا بتجربة سيطرة القصر على الحكم..
أولا- حزب
الاتحاد:
أدت استقالة
وزارة سعد زغلول باشا فى نوفمبر1924 اثر الإنذار الموجه من "اللورد اللنبى"
إلى إطلاق يد الملك فى تشكيل الوزارة الجديدة، واتخاذ كافة التدابير لإضعاف الوفد،
والقضاء عليه؛ فحل الملك "مجلس النواب"، وكان من المقرر تكوين حزب يدخل
به أنصار الملك الانتخابات الجديدة؛ فظهر "حزب الاتحاد" فى 10 يناير
1925، وهو ماأسماه سعد "حزب الشيطان"،
وقد انضم إليه كل من استقال من الوفد..
صدرت صحيفة
جديدة تعبر عن الحزب الجديد برئاسة "عبد الحليم البيلى" النائب الوفدي
السابق، كما انضمت إلى الحزب جريدة "الشعب المصري" بالإسكندرية، و"الليبرتيه" الناطقة بلسان
الوفد آنذاك..
ودخل "الوزارة
الزيوارية" بالاشتراك مع "الأحرار الدستوريين" برئاسة "يحيى إبراهيم"
رئيس الحزب، وثلاثة من كبار أعضائه، وظل يتقلص فى السلطة بعد انتهائه كحزب نيابي
حتى مثله وزيرا واحدا فى وزارة "حسين سرى" من نوفمبر 1940 الى يوليو 1941..
ثانيا- حزب الشعب:
من خلال تجربة
الحكم الثانية للقصر حاول فيها الاستفادة من كافه أخطاء التجربة الأولى، وكان أهمها
على السواء النوافذ الديمقراطية الكثيرة لدستور 23؛ والتي استطاع الوفد من خلالها إثبات
شعبيته، وتوطيدها فكان لابد من وجود دستور يحد من هذه الشعبية وهو "دستور صدقي
30"، وعليه النزول لانتخابات البرلمان بحزب جديد هو "حزب الشعب" برئاسة
"إسماعيل صدقي" باشا فى 17 نوفمبر 1930، وإصدار جريدة أسماها "الشعب"
خاصة أن هذه الانتخابات قاطعها الحزبان الكبيران فى أنحاء القطر، وهما الوفد،
والأحرار الدستوريين، وكانت للحزب الأغلبية البرلمانية؛ بيد أنها كانت المرة الأولى،
والأخيرة؛ سيما بعد سقوط صدقي، وعودة العمل بدستور 1923 آواخر عام 1935، وقد اشترك الحزب مع "حزب الاتحاد" فى
وزارتى صدقي الأولى، والثانية التي استأثر بها وحده، وكان "محمد زكى عبد
القادر" أحد محرري جريدة الحزب شاهدا على الصدام الذي حدث بين صدقي، والملك، وإبعاده
عن الحزب بعد سقوط وزارته الثانية فى سبتمبر 1933، وتشكيل وزارة "عبد الفتاح
يحيى"، وبعدها لم تقم للحزب قائمة..
الحزب الوطني خلال التجربة الثانية:
نستطيع هنا أن
نرصد حركة الحزب، ودوره فى الفترة الثانية من فترات العمل السياسي بمصر حيث اتسمت
الفترة الثانية بتغيير الأرض التي يقف عليها الحزب، خاصة بعد وفاة زعيمه محمد فريد
بأوروبا عام 1919، وقد ارتكزت الأرض الاولى على ثلاث ركائز أساسية هي:
1. عدم الاعتراف بشرعية الاحتلال البريطاني، والحماية..
2. العمل على دولية القضية المصرية، والتمسك بالجامعة الإسلامية،
والخلافة العثمانية..
3. عدم الاعتراف بغير الخديوي عباس الثاني حاكما شرعيا
للبلاد اعتمادا على تحسن العلاقة بين الحزب، وبين عباس الثاني، ورفض الاعتراف بحكم
"السطان حسين كامل"، وبعده "السلطان فؤاد الأول"(الملك فؤاد
منذ عام 1922) ،لأن معنى الاعتراف بهذا الحكم هو اعتراف بالحماية، وماتفرضه من
حكام..
ولاشك أن هذه الركائز قد تغيرت جذريا بعد
الحرب العالمية الأولى، وكان لابد أن يستغرق الحزب فترة انتقال امتدت أربع سنوات(1919-
1923)..
- بدأ نشاط الحزب أوائل عام 1920 من خلال صحيفتين
صغيرتين هما "المحروسة"
بالقاهرة "، و "الأمة" بالإسكندرية..
- يتسع هذا النشاط عام 1921 بصحيفة "اللواء المصري"
الذي رأس تحريرها "حافظ بك رمضان" عضو اللجنة الإدارية للحزب، وتعطلت ستة
شهور لتجاهلها حق سيادة عظمة السلطان..
- فى أواخر عام 1922 تم دعوة عدد من رجال الحزب إلى
تركيا للتباحث معهم فى مسألة تمثيل مصر فى "مؤتمر السلام" الذي عقد
العام التالي فى "لوزان"، والتقوا بأوروبا مع إتباع سعد زغلول حيث شكلوا
"الوفد المصري"، وفى فندق "الاكسلسيور"
بروما أصدر الوافدان ما أسمياه "بالميثاق الوطني" فى 14 نوفمبر عام 1922..
- فى 8 مايو عام 1923 اجتمع 17 من أعضاء اللجنة الإدارية،
وقاموا بانتخاب "حافظ بك رمضان" رئيسا للحزب ومن هنا كان تغير اتجاه
الحزب من إنهاء روابطه الخارجية مع الكماليين "بتركيا"، والخديوي السابق،
واعترف رئيسه بالولاء للملك فؤاد، ثم الملك فاروق بعد ذلك..
- دخل الحزب السلطة، وشارك فى عدد كبير من الوزارات من
باب الولاء للملك فى تلك الفترة فاشترك حافظ رمضان فى وزارة "محمد محمود 1938"،
و"حسن صبري 1940"، و"أحمد ماهر، والنقراشي 1944- 1945"، كما
شارك وزيران من الحزب فى وزارة "حسين سرى(يوليو – نوفمبر 1949)" هما "محمد
زكى على", و"عبد الرحمن الرفاعى" ..
- وكان دخول الحزب البرلمان من باب الشخصيات المرموقة فى
المجتمع، والتي كانت عماد الحزب فهناك "عبد الرحمن الرافعى",و"فكري
أباظة", و"مصطفى مرعى"، و"عبد
الحميد سعيد"، و"نور الدين طراف"، و"محمد محمود جلال"،
كما ساهم "إحسان عبد القدوس" فى تحرير جريدته..
- افتقد الحزب القواعد الجماهيرية العريضة خلال الفترة
الثانية، ولذا فقد لجأ إلى محاولات استقطاب للشباب خلال الثلاثينات، والأربعينيات.
ففي أواخر عام
1923 ظهر تيار شبابي قوى معاد للإنجليز، وأسلوب الوفد عرف باسم جماعة "القمصان
الخضراء"، أو "مصر الفتاة" بزعامة "أحمد حسين"، و"فتحي رضوان" اللذين وجدا من "جمعية
الشبان المسلمين" بالحزب مكانا يمارسا فيه نشاطهما..
وفى أواخر
الحرب العالمية الثانية انفصل فتحي رضوان، وعدد من شباب مصر الفتاة، وانضم اليهم
نور الدين طراف، وانضموا جميعا للحزب الوطني، وقد أصدرت هذه المجموعة الشبابية صحيفة
"اللواء الجديد"التي رأس تحريرها "فتحي رضوان"، وكونوا "اللجنة
العليا لشباب الحزب الوطني" الذين قادوا الإثارة السياسية؛ بالاشتراك مع جماعة
"مصر الفتاة"، و"الأخوان المسلمين" حتى مطلع عام 1952..
الأحزاب
.. والجماعات الإيديولوجية:
يمكننا تمييز
ثلاث ظواهر بشأن هذه الجماعات:
1. بقاؤها خارج السلطة، والبرلمان بخلاف "إبراهيم شكري"(الحزب
الاشتراكي – مصر الفتاة) الذي دخل البرلمان نائبا عن "شربين" نظرا
لمكانته فى دائرته، وكان من كبار الملاك..
2. اجتياز طرق العمل السري نظرا لعمليات القمع المستمرة من
جانب السلطة، وما ترتب على ذلك من أعمال الاغتيالات، وتفجيرالأبنية..
3. التوصيف الحزبي لهذه الجماعات التى لم تسم نفسها بالأحزاب؛
إلا أنها امتازت بتنظيم حزبي دقيق، وبرنامج ذي مبادىء محددة، وراءه فلسفات تاريخية..
وهناك ملحوظة بالنسبة لانتشار مثل هذه
الجماعات فى العمق من الريف المصري، واقتصار نشاطها على المدن فقط من خلال مجموعات
عريضة من المثقفين، وذلك نظرا للتركيب الاقتصادي، والقيم الاجتماعية..
أولا- الجماعات الماركسية:
نشطت هذه
التنظيمات مرتين، مرة خلال العشرينيات، وفى إعقاب الحرب العالمية الأولى، ومرة
خلال الأربعينيات، وفى أعقاب الحرب العالمية الثانية، ويرجع ذلك للأسباب التالية:
1. تمخضت ظروف الحرب الأولى عن ظهور أول دوله شيوعية وهى
"الاتحاد السوفيتي" بعد "الثورة البولشفية" 1917، كما تمخضت
ظروف الحرب الثانية عن ظهوره كقوة عظمى ..
2. تشهد فترة ما بعد الحروب خلخلات اجتماعية، وفكرية هامة..
3. ضعف الواردات فى ظروف الحرب، وزيادة الاحتياجات السلعية،
واتساع قاعدة الصناعات المحلية، وينتج عنه اتساع فى القاعدة العمالية..
والمرحلة الاولى بعد الحرب الأولى حيث كانت
هناك تنظيمات اشتراكية بين العمال الأجانب فى الإسكندرية؛ انتقلت بدورها إلى صفوف
العمال المصريين حين أعلنت مجموعة منهم هم "حسنى العرابى"، و"على العناني"،
و"سلامة موسى"، و"عبد الله عنان" عن تأسيس ما أسموه "بالحزب
الاشتراكي المصري" فى أغسطس 1921، ونشروا برنامجه بالأهرام فى 29 من نفس
الشهر، ولم يكن الحزب ماركسيا تماما فقد
كان ضد الاتجاهين .. "الاشتراكيين المعتدلين" ويمثلهم سلامة موسى صاحب "العقيدة
الفابية"، و"الشيوعيين" ويمثلهم حسنى العرابى، و"روزنتال"
أصحاب الفكر الماركسي مما أدى إلى انشقاق الحزب فى يوليو عام 1922 حين قررت شعبة الإسكندرية
التي كانت تمثل الجناح الشيوعي الخروج عن الإدارة المركزية بالقاهرة، وغيروا اسم
الحزب إلى "الحزب الشيوعي المصري"، وقرروا الانضمام إلى "الدولية
الشيوعية الثالثة"..
ونتيجة
لاصطدام الحزب الشيوعي المصري بحكومة الشعب (1924) برئاسة سعد زغلول الذي اعتقل
زعماء الحزب، وحاكمهم، وأصدر ضدهم أحكاما متفاوتة على اثر قيادة أعضاء الحزب، وعدد
كبير من العمال حركة واسعة لاحتلال مصانعهم، وإجبار أصحابها على قبول شروطهم..
ثانيا- الأخوان المسلمون:
أنشاها
"حسن البنا " حوالي عام 1927 "بمدينة الإسماعيلية" كجماعه
دينية أولا تحض على "الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر"..
انتقل حسن البنا
إلى القاهرة عام 1936 حيث تعددت نواحي النشاط، وأصدر مجلة أسبوعية باسم الجماعة،
وعندما اجتمع مجلس الشورى العام للاخوان المسلمين فى دورته الثالثة بالقاهرة عام
1935 أقر عقيدة الجماعة التى كانت بمثابة مبادئها..
قويت الجماعة
بشكل واضح بعد عام 1936 حين كسب البنا نتيجة تأييده "لثورة فلسطين" عطف
مفتى فلسطين الحاج "أمين الحسينى"،واتصل بحكام البلاد العربية،
والاسلامية، وتقرب اليه "على ماهر"، و"عبد الرحمن عزام"
ليستفيدوا من نشاطه، وتنظيم جماعته بأن يدعمهما فى الميدان العربى، مما دفع المرشد
العالم الى أن يقرر فى عام 1938 الدخول فى ميدان السياسة المصرية؛ فصدرت مجلة
"النذير"..
انتشرت
الجماعة كتنظيم سياسى خلال الحرب، وأعدت فرقا للجوالة، وجمع السلاح، ونظمت جهازا
خاصا مسلحا، ودربت أعضاءها على الطاعة الكاملة، ونتج عن وجود قوة مسلحة للجماعة أن
اتجهت ايجابيا بالنسبة الى السياسة، والوطنية باشتراكها فى "حرب
فلسطين"عام 1948، واتجهت سلبيا فى التخلص من القيادات التى لاتتفق معها، أو
لاتؤيدها كاغتيال النقراشى فى 28 ديسمبر الذى أمر بحل الجماعة فى 4 ديسمبر 1948
مما أفقد الجماعة مؤسسها، ومرشدها العام حسن البنا فى 12 فبراير 1949 بايعاز من
الحكومة التى خلفت حكومة النقراشى..
وفى أكتوبر
1951 بعد قرار النحاس بالغاء معاهدة 36، ورغبته فى ضم الصفوف، تم الغاء قرار حل
الجماعة، واختير "حسن الهضيبى" مرشدا عاما لها..
ثالثا- جماعة مصر الفتاة - الحزب الاشتراكى:
ظهرت هذه
الجماعة عام 1933، وكان هدفها تجميع الشباب، وتعويدهم الطاعة، والنظام، ولذا فقد
غلب الطابع العسكرى على التنظيم، واتخذوا الزى الأخضر، فعرفوا بأصحاب "القمصان
الخضر"، ولذا اتهمهم معاصروهم بأنهم ذات هوية فاشية مما اتضح من أهدافهم،
وعلاقتهم مع "الفاشست الايطاليين"..
وينقسم تاريخ
الجماعة الى مرحلتين؛ تمتد الأولى من أواخر 1933، الى أوائل عام 1938 حين تقرر
الغاء تشكيلات القمصان الملونة، والثانية بعد الحرب العالمية الثانية، وكان قد
انفصل عنها فتحى رضوان منضما الى الحزب الوطنى، وبقى أحمد حسين الذى انتهج النهج
الاشتراكى للجماعة، وأسماها "الحزب الاشتراكى"، وأصدر جريدة باسم "الاشتراكية"،
وعلى أثر الصخب الذى أحدثه الحزب خاصة خلال فترة حرية الصحافة (1950- 1952) من
حكومة الوفد اتهم زعماؤه بالاشتراك فى "حريق القاهرة" فى 26 يناير 1952،
كما اشترك الحزب فى العديد من مظاهرات تلك
الفترة، وفى حرب العصابات بالقناة..
(عن كتاب "الأحزاب السياسية فى مصر" للدكتور "يونان لبيب رزق")
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق