الثلاثاء، 5 فبراير 2013

محمد رسول الله والذين معه


تأملات تاريخية على تذييلات كتاب
محمد رسول الله والذين معه
للأستاذ عبد الحميد جودة السحار
    العرب الذين خرجوا من جزيرة العرب، وأسسوا مملكة "بابل"، و"آشور"، واستولوا على سورية، ودلتا النيل.. هؤلاء العرب الذين أطلق عليهم أحد المؤرخين فى القرن الثامن عشر "الساميين".. لأنهم من نسل "سام"، وجاريناه جميعا فى تلك التسمية..
    ويرى مؤرخوا العرب أن "الهكسوس" هم "العماليق".. خرجوا من "تهامة" بأرض الحجاز، استولوا على بلاد مابين النهرين، وأسسوا مملكتى بابل، وآشور، ونزلوا بسورية، ومنها هبطوا الى "دلتا النيل"..  
(ابراهيم أبو الأنبياء)..
    ترجمت "التوراة" الى اللغة العربية فى القرن "الثانى الهجرى".. فنهل منها الاخباريون، والمؤرخون، وملأوا التاريخ الاسلامى بالاسرائيليات، ووضعوا أحاديث نبوية بحسن نية، أو بسوء قصد لتطابق ماجاء فى التوراة.. معتقدين أنه منزل من السماء..
    كان "السامريون" يؤمنون "بالاصحاحات الخمسة الأولى" من التوراة، ويقولون عما عداها "تاريخ اليهود".. فاذا كانت التوراة أنزلت على موسى.. فكيف تروى تاريخ اليهود من بعده.. حتى قيام "المسيح عليه السلام" بدعوته، واعتقدوا أن الكهنة كتبوا بأيديهم هذا التاريخ، وضموه الى التوراة..
    ان من التوراة ماكتب على أيام "المملكة الاسرائيلية"، ومنها ماكتب فى المنفى بين النهرين، ومنها ماكتب قبل الميلاد بنحو ثلاثة قرون.. فقد كتبها أحبار اليهود بعد أن انقضى على عهد "موسى" عليه السلام نحو سبعة قرون، وبعد أن انقضى على عهد "ابراهيم" عليه السلام نحو أحد عشرة قرنا..
    ظهر من الأحافير فى "اليمن" أن العرب كانوا يعبدون القمر(الموقاة).. وهو الاله الأب، والشمس(ذات حميم).. الأم، والزهراء(عشتر).. الابن، وكان العرب فى العراق الذين أسسوا مملكة بابل قد جعلوا اله قبيلتهم مردوخ(المشترى).. رب الأرباب.. والقمر فى المرتبة الثانية بعد كوكب المشترى، والشمس فى المرتبة الثالثة، وقد رأى ابراهيم هذه الديانات، وفكر فيها.. ثم رفضها جميعا قبل الرسالة:"ولقد آتينا ابراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين".. ثم هداه الله الى الدين القيم.. عبادة الواحد القهار..
    بين مولد "اسماعيل"، ومولد "اسحاق" ثلاث عشرة سنة، ولم يكتف علماء كهان اليهود بأن يحرموا أبناء اسماعيل حقوق الوعد الذى تلقاه ابراهيم من ربه.. بل أرادوا أن يسلبوا اسماعيل كل فضل.. فزعموا أن الذبيح هو "اسحاق"، ويتضح الاختراع حين تقول التوراة فى الاصحاح الثانى والعشرين:"خذ ابنك وحيدك الذى تحبه اسحاق".. فلم يكن اسحاق فى يوم ما وحيدا، وكانت التقاليد عادة تقضى بتقديم الابن البكر قربانا لله..
    وكان رأى العرب أن ابراهيم أول من بنى "الكعبة".. بينما جاء فى القرآن:"ربنا انى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم".. فابراهيم يذكر البيت المحرم قبل أن يؤمر باقامة القواعد من البيت، ووجدت أن "الصابئة" يوقرون الكعبة، ويعتقدون أن "ادريس" عليه السلام بناها، وأنها "بيت زحل" أعلى الكواكب السيارة، وأن للصابئة كتابا مقدسا يسمونه "كنزة".. فرحت أبحث عن تاريخ ادريس.. ولد ادريس فى "منف" قبل نوح، وقبل "عصر الأسرات" فى مصر، وكان صديقا نبيا"واذكر فى الكتاب ادريس انه كان صديقا نبيا".. وحدث ادريس "قدماء المصريين" عن "الله" الواحد، وعن "البعث" بعد الموت، وعن "الثواب"، و"العقاب"، و"الميزان"، وما جاء فى عقائد المصريين من لمحات عن الله الواحد، واعتقادهم فى "البعث" بعد الموت، والحياة الآخرة..
    وجمعت ماكتب عن ادريس.. فوجدت أنه أول من خط بالقلم، وأول من خاط الثياب، ولبس المخيط، وأول من نظر فى علم النجوم، والحساب، وأول من علم الناس الزراعة، وذكرنى ذلك بما كتب عن "أوزوريس" اله المصريين، فرجعت الى المراجع الفرعونية.. فاذا بها كلها تذكر أن أوزوريس كان ملكا فى الأرض قبل عصر الأسرات، وهو أول من علم الناس الكتابة، وأول من علم الناس الزراعة، وأول من لبس الثياب، وأول من علم الناس الحساب، وأول من عرف مواسم الفيضان، وبذر الحبوب..
    كان ادريس من منف، وكان أزورويس من منف، وقد قام أزورويس بكل ماقام به ادريس، وبدأت أقتنع أن أوزوريس ما هو الا ادريس وقد نسجت حوله الأساطير، وبقيت مسألة علاقة أزوريس بايزيس، و"حورس".. فوجدت أن حورس جاء من "اليمن"، ولم ينجبه أوزوريس، وانما الأسطورة التى نسجها الكهنة هى التى جعلته "أبالحور"..
    ويقول دكتور "أحمد فخرى" فى كتابه"دراسات فى تاريخ الشرق القديم" عن الاله حورس.. أنه لم تكن له فى الأصل أية صلة بعبادة الشمس، وأنه كان رمزا اتخذته احدى القبائل لمعبود لها على "هيئة صقر"، وأنه جاء مع الفاتحين، وفى "متون الأهرام"(وهى أقدم المراجع الدينية، وأهمها 2500 – 2250 ق.م.) يصفون هذا الاله تارة بكلمة "أختى"، أو "آخت".. ومعناها أفق الشمس، وتارة بكلمة "أبتى"، أو "آبت".. وكلا الكلمتين تشير الى المشرق..
    ويقول "برستيد" فى "فجر الضمير" أن أوزوريس لم يكن له أية علاقة بعبادة الشمس، وأن كهنته لما اشتد ساعدهم سلبوا صفات الآلهة الأخرى، ومنحوها له، وجعلوه شريكا لرع "اله الشمس"..
    كانت وظيفة أوزوريس محاكمة الموتى.. فهو قاضى الموت.. فبعد أن صار الها، وارتفع من الأرض، وقد رفعت الأساطير ادريس الى السماء وهو ماجاء فى القرآن قوله تعالى:"ورفعناه مكانا عليا"..  
    والسؤال.. اذا اعتقد الصابئون أن ادريسا أول من بنى الكعبة.. فهل جاء فى التاريخ، أو الأساطير أن أوزوريس ذهب الى بلاد العرب؟.. وان كان ذلك.. فهل قدس المصريون هذا المكان؟..
    ذكر المؤرخ "ديودور الصقلى" أن الاله أوزوريس أحد آله مصر ذهب الى مدينة تدعى "Nisa".. وهى من مدن العرب السعيدة.. فرأى فيها الكرمة لأول مرة.. فتعلم منها زراعتها، وشرب النبيذ، وأنه ذهب الى الحبشة.. فأقام هناك سدودا لحركة المياه، وتنظيم السقى، والارتواء، ثم ذهب الى بلاد العرب، ومنها الى الهند، وذكر الزعم القائل بوجود تمثال لأوزوريس فى بلاد العرب..
    وذكر الأستاذين "أدولف ارمان"، و"صرمان راتكه" فى كتابيهما "مصر والحياة المصرية فى العصور القديمة".. كان المقصود من الأرض المقدسة فى الأصل الشرق فقط.. حيث كان يظهر الاله وهو "رع" كل يوم، وكان هذا التعبير يدل أيضا على الحياة اليومية فى الصحراء الجبلية بين "النيل"، و"البحر الأحمر"، و"شبه جزيرة سيناء"، وكذلك على وجه التحقيق الجزء الشمالى، والمتوسط من بلاد العرب..
    فأوزوريس أول من بنى البيت المحرم، وامام شهداء السلف.. كما قال "هيرودوت"، وهو من أصبح "ديونيسوس" عند الاغريق.. فاذا ماتأملنا الأساطير التى نسجها  الكهنة عن أوزوريس.. وجدنا أن ادريس، وأوزوريس ما هما الا شخصا واحدا..    لقد أدى هؤلاء المستشرقون، وأصحاب البعوث أجل الخدمات لتاريخ الشرق الأوسط القديم، وكان هدف أغلب هؤلاء اماطة اللثام عن وجه الحقيقة، غير أن بعضهم كان صاحب هوى، وكان يؤدى نفس الدور الذى لعبه أحبار اليهود، وكهانهم أيام كانوا يدونون التاريخ الدينى لبنى اسرائيل.. فحاولوا أن يطمسوا كل ماقد يرفع النقاب عن مجد العرب، أو اخترعوا مصطلحات أضفوا عليها صبغة علمية ليبعدوا أنظار العرب عن ماضيهم التليد، وكأنهم – العرب - يقرأون تاريخ أقواما غيرهم..
    كانت حضارة "بابل" عربية، وحضارة "العموريين" عربية، وحضارة "الكنعانيين" عربية، وحضارة "سيناء" عربية، وحضارة "ثمود" عربية، وقد كشفت هذه الحضارات..  ولكن بعض العلماء رأوا أن ينسبوها الى جد أعلى، حتى لايلقوا الضوء على مجد أقوام تناسوا بنى اسرائيل منذ أيام الخليل ابراهيم عليه السلام.. فأطلق العالم الألمانى "سلو بنسر" عام 1781 اسم "السامية" على هذه الحضارات نسبة الى "سام بن نوح"، وصادف ذلك هوى فى نفوس الآخرين، وتبعهم فى ذلك الكتاب العرب انبهارا، وجهلا كما ذكرنا..
    تقصر الحروف الأبجدية "اللاتينية" عن أن تحل محل كثير من حروف الأبجدية "العربية".. فكثيرا مايصيب الأعلام العربية التحريف حتى لتكاد تبعد كثيرا عن أصلها، مثلما يطلقون حديثا "ألبوا" على "حلب"، و"كايرو" على "القاهرة"، وقد تتحدث بعض كتب التاريخ عن "الأموريين"، والبعض عن "العموريين" حتى لخال للمرء أنهما شعبين، وهما شعب واحد..
    وأعتقد أن وضع "الحروف المتحركة" فى الأبجدية مكان الفتحة، والكسرة، والضمة.. ثم ترجمة هذه الكلمات الى اللغة العربية، ووضع حروف المد مكان الحركات قد أفسدت الاهتداء الى أصل هذه الكلمات العربية، فمثلا فى فك "رموز الكتابة البابلية العربية".. "المكسيمو".. "العاميلو".. و"الحريماتو"، لماذا لاتكون "المسكين"، و"العاملون"، و"الحريم".. وانى لأرجوا؛ وقد أصبح عندنا علماء أجلاء متخصصون فى اللغات العربية القديمة أن يهجروا الترجمة، والأخذ عن الأجانب، وأن يقوموا بفك رموز "البابلية"، و"الآشورية"، و"الثمودية"، و"السريانية"، و"الآرامية"، و"الكنعانية" بحروف عربية، وحركات عربية.. (هاجر أم العرب)..
"أم تقولون ان ابراهيم واسماعيل واسحق ويعقوب كانوا هودا أو نصارى قل ءأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله ومالله بغافل عما تعملون" البقرة 140..
    فان كان "ابراهيم" مسلما فأولى أن يكون اليهود كذلك.. لأنه، ولأنهم كانوا قبل "اليهودية".. "فيهوذا" من الأسباط "ابن يعقوب" الرابع(اسرائيل)، ومن نسله "داود"، و"سليمان".. ولما توليا الملك أرادت قبيلة يهوذا أن تستأثر بالفضل وحدها.. فانقسمت اسرائيل بعد موت سليمان عام 937 ق.م. الى دولتى "يهوذا"، و"اسرائيل"، وقد بدأت اليهودية منذ ذلك التاريخ..
    اذن كان "ابراهيم"، و"اسحاق"، و"يعقوب" قبل يهوذا، وكان "يوسف" سبطا من الأسباط مثل يهوذا، وكان موسى من نسل "لاوى"، ولم يكن من نسل يهوذا، وعليه كان ابراهيم، واسحاق، ويعقوب، ويوسف، وموسى، وداود، وسليمان "حنفاء مسلمين"..
    وقد فرق القرآن الكريم بين "بنى اسرائيل"، وبين "اليهود".. فلم يأت ذكر لليهود فى القرآن قبل ملك سليمان، وقد ذكر تعالى بنى اسرائيل بنعمته التى أنعم عليهم، وبالهدى الذى هداهم، وبالكتاب الذى أورثهم، ولم يذكر اليهود بخير.. ذلك لأنهم زعموا أنهم أبناء الله، وأحباؤه، وأنهم شعبه المختار:"وقالوا لن يدخل الجنة الا من كان هودا أو نصارى" البقرة 111.. وكيف بدلوا صفات الله الى صفات "يهوه" اله اليهود القاسى المستبد.. سبحان الله عما يصفون، وكانوا من أوائل الشعوب التى عرفت "العنصرية"، ونادت بها، ووصموا الأنبياء بكل نقائص البشر.. فجعلوا "نوحا" شاربا للخمر، ووصفوا "ابراهيم" بالكذب، وأن ابنتى "لوط" قد أسكرتا أباهما، واضطجعتا معه، ورموا "داود" بزنا المحارم، وزعموا أن "سليمان" مات كافرا، وملأوا كتابهم بأساطير الشعوب، وكان "الطبرى" من أكثر المؤرخين أخذا عنهم..
   وبالنسبة "لأمرأة فرعون" فقد أخذت برأى الأستاذ "جارستنج" عضو بعثة مارستن Marstan التابعة لجامعة ليفربول.. أنه كشف فى مقابر "أريحا" أدلة تثبت أن موسى قد أنجته - بالتحقيق - الأميرة "حتشبسوت".. الملكة حتشبسوت فيما بعد، وكان ذلك عام 1527ق.م.، وأنه تربى فى بلاطها، وبين حاشيتها، وأنه فر من مصر حين جلس على العرش عدوها "تحتمس الثالث"، وهو يعتقد أن المخلفات التى وجدت فى هذه القبور تؤيد قصة سقوط أريحا(يشوع 26) حوالى 1400ق.م.، كما يرجع خروج بنى اسرائيل من مصر الى عام 1447ق.م.، وتعتمد هذه التواريخ على ماوجد منقوشا على الجعلان، والخزف..
    وكان بنو اسرائيل "عربا".. كما كان بنو اسماعيل، ولكنهم بعد أن انقسمت اسرائيل الى مملكتى اسرائيل، ويهوذا عقب ملك سليمان.. حاولوا أن ينفضوا عن "أصلهم العربى" بتأسيس جنس لاسند تاريخى له.. فأطلقوا على أنفسهم اسم "اسرائيل" نسبة الى "يعقوب".. وكان بينهم، وبين الكنعانيين "أصحاب الأرض الأصليين فى فلسطين" حروب  بعد أن عاشوا بينهم، وأخذوا منهم اللغة العبرية..
    يقرر القرآن الكريم أن "أيوب" من ذرية ابراهيم:"وتلك حجتنا آتيناها ابراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء ان ربك حكيم عليم ۩ووهبنا له اسحق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزى المحسنين".. وأجمع أغلب المؤرخين على أنه نبى عربى، ولم يكن من أنبياء بنى اسرائيل.. (كتاب بنو اسماعيل)..            
   
    

             
      
        

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق