الاثنين، 25 فبراير 2013

لاشيوعية ولااستعمار



   يقول المؤرخ الهندي "سردار بانيكار Panikkar"  في كتابه "آسيا والسيطرة الغربية" عن عصر المد الاوروبى:
-"فمن عهد صلاح الدين الذي استرد بيت المقدس من الصلبيين؛ أصبح الاسلام من قاعدته في مصر منظمة قوية حائلة بين القارتين الأوروبية، والآسيوية، وانتهت إلى غير طائل تلك الانفجارات الملتهبة من الحماسة، والغيرة، والحركة التي جاشت بالعالم المسيحي في الحملات الصليبية الثلاث، وكان هذا النصر من وجهة النظر التاريخية أثناء العصور المتأخرة من أقوى العوامل الحاسمة في تاريخ العالم، ووطد السيادة الإسلامية على سواحل سورية، ومصر لعدة قرون مقبلة، ولم تخف هذه الحقيقة عن ساسة الغرب كما يؤخذ من توجيه الحملة الصليبية الخامسة(1218- 1221) إلى مصر نفسها"..   إلى أن يقول:
-"وإذا كانت البرتغال قد أصبحت وريثة "جنوا" في الرحلات البحرية؛ فقد أصبحت كذلك في القرن الخامس عشر وريثة المسيحية في وجه الاسلام، إذ بينما كان الاسلام في رأى الممالك الغربية الأخرى خطرا بعيدا؛ كان هذا الخطر مرهوبا مخيفا على الأبواب في  رأى أبناء "قشتالة"، و"أرغوان"، و"برتغال""..
    وفى كتاب "أوروبا والدنيا الواسعة" بين سنتي 1415- 1715 يقول المؤلف بارى  :parry  -"إن خطة البرتغاليين نحو الشرق لم تكن قط مجرد خطة من خطط التزاحم على التجارة، وإنما كان الموقف بين البرتغاليين، والعرب من البداية موقف قتال عنيف ملأته العصبية بالمرارة"..
   ويقول العقاد من كتابه "لا شيوعية ولا استعمار":
-"وكل من المؤرخين الشرقيين، والغربيين يكتب تاريخه في النصف الأول من القرن العشرين وهو يستمع إلى خطب القادة الغربيين الذين تكلموا عن غزو فلسطين في الحرب العالمية الاولى فوصفوها بأنها الحرب الصليبية الأخيرة، وبعد انتصاف هذا القرن يتناول تاريخ العالم ثلاثة من المؤرخين هم "هايس Hayes ", و"مون   ،"Moonو"وايلاند   "Wayland فيلخصون أربعة أسباب للاستعمار العصري هي:
1.    إضافة أملاك إلى أوطانهم..
2.    فتح أسواق، وحماية التجارة..
3.    الاستيلاء على بعض المواقع لضرورة الدفاع..
4.  تمدين الأمم المختلفة، أو تنصيرها، وأولى الأمور بالملاحظة في هذا الصراع أنه يتكرر في بقاع الأرض بعد فصل الدولة، والكنيسة في البلاد الفرعية، وأن الدولة تعترف بالدعوة الدينية خارج بلادها لأنها تعتبرها "دعوة سياسية" تستعين بها على خصومها في مجال "السياسة الدولية""..
   فما استطرد الأوربيون إلى هذه النتيجة إلا من تلك المقدمة، وما كانت رسالة الرجل الأبيض، وأمانة الحضارة الأوربية إلا النسخة المنقحة من رسالة "الخلاص الروحي"، وأمانة الإصلاح، وتطهير الأرض من فسادها..
   فقد كان القرن السادس عشر، وما بعده فترة متيمة بالانشقاق بين إتباع الكنيسة، والثورة على سلطانها؛ فتحول المستعمرون إلى النداء بأمانة الرجل الأبيض؛ لأنه النداء الذي يعطى الأوروبيين ما يدعونه من حقوق الفتح، والسيادة، ولم يرفض أنصار الكنيسة هذا النداء الجديد؛ بل قبلوه، وكرروه، ولعله كان وسيلة منتظرة للتوفيق بين روح الزمن الماضي، وروح الزمن الحديث، وزمن الثورة العلمية، والتبشير باسم الثقافة الإنسانية، وحجة الرجل الأبيض هي حجة القارة الأوروبية في جميع عصورها، ويزداد عليها بعد عصر الحروب الصليبية أنها امتدت إلى الرجل الامريكى، الذي حقق السيادة على الأجناس الحمراء والسوداء..
   ولا نحسب أننا نفهم سر انتقال "الدعوة الصليبية" إلى "الدعوة البيضاء" إلا إذا فهمنا أن الرسالة الجديدة جاءت لتحل محل الدعوة الصليبية، كما جاءت لتمتد بها، وتستفيد من سوابقها، فنحن لا نفهم سر هذا الانتقال على حقيقتة إذا فهمنا أن رسالة الرجل الأبيض نسخة مكررة من الحروب الصليبية في جميع تفصيلاتها..
   قيل كثيرا إن سبب الاستعمار هو إغلاق الطريق على تجارة الهند، والبلاد الشرقية وقيل، كثيرا ان حركة الاستعمار نشأت من زحام السكان في القارة الأوروبية، ونزوعهم إلى الهجرة، والتعمير في البلاد النائية، ولا يصدق هذا التعليل على بلد واحد من البلاد الشرقية التي اتجه إليها المستعمرون في الخطوات الاولى من حركة الاستعمار، وإنما يصدق على المهاجرين النازحين إلى القارة الأمريكية سواء كانوا من البريطانيين، والهولنديين، أو من الأسبان، والبرتغاليين، وسواء قصدوا إلى الجنوب؛ ولم تلبث هجرتهم أن تحولت إلى إقامة دائمة؛ فاتخذوا من مقامهم الجديد وطنا يملكونه دون أبنائه الاصلاء، ودون الوافدين إليه على السواء..
   وقيل كثيرا إن كشف الطريق إلى الشرق كان الاستعمار الأول؛ فهل كان يكفى أن يكشف الأوروبيون طريق الشرق ليستولوا عليه؟!ّ..  وهل كان من المستطاع أن يتم الاستعمار لو لم تصاحبه بواعث الحروب الأندلسية، ونزاع المذاهب الدينية، وبحوث العلماء عن الجغرافية، والفلك، وتقدم الملاحة في الغرب مع تقدم الصناعة، وتقدم التسليح؟!..
وهل كان يكفى كل ذلك لنشأة الاستعمار؟..
   فما كان الرجل الأبيض ليفكر في دعوى الأمانة على حكم الدنيا، وهو مسخر للحكم، أو قابل للتسخير، وقد كان هذا الرجل الأبيض مغلوبا على أمره في عهد الإمبراطوريات الأوروبية التي دانت لها بالطاعة شعوب أوروبية متعددة الأجناس، واللغات، ثم تمزقت هذه الإمبراطوريات، وخرج منها أمراء الإقطاع بفتات من السلطة، والاستقلال، ثم تجمعت الأوطان التي تدين بالطاعة لأبنائها، وتأبى الخضوع للحاكم الأجنبى عنها، ثم نبتت أمانة الرجل الأبيض حين نبت الرجل الأبيض المستقل بحكم نفسه عن غيره من أبناء جنسه، ولهذا تأخر في ميدان الاستعمار أولئك الأوروبيون الذين وجدوا في قلب القارة من يحكمونهم، ويقنعون بحكمهم، ولعلهم لو استقلوا جميعا بحكم لأنفسهم قبل عهد الحضارة الحديثة التي اشتهرت باسم الحضارة الأوروبية لما تخيلوا لهم رسالة إنسانية يحسبونها معلقة في عنق الرجل الأبيض، ولوقفوا عند حد الرسالة الدينية التي اندفعوا إليها زمنا في حملات الصليبين..
   ويضرب المؤلف مثلا "بايطاليا" التي لم يكن لها الدخول في مضمار الاستعمار وهى غير مستقلة، أو غير متحدة كما دخلها قبلهم "الأسبان"، و"البرتغاليون"، ولم تكن لايطاليا رءوس أموال تثمرها خارج بلادها، ولا معامل صناعية كبرى تحتاج إلى المستعمرات لتصريف مصنوعاتها، أو جلب خاماتها، وإنما كانت مسألة الاستعمار في أسبابها مسألة " وخاصة دولية"، لأنها في عداد الدول التي تملك المستعمرات، وتحكم الشعوب؛ فلم يكن عند الإيطاليين أموال يديرونها يومئذ في الصناعة، أو التجارة..
   ولعل هذه البواعث النفسية كانت في "الحرب الإيطالية الحبشية" الأخيرة، أظهر منها في الحروب الأولى التي أعقبت أزمة سنة 1866، وانتهت بالهزيمة النكراء، فان العظمة الرومانية التي حاول "موسلينى" أن يبنى عليها مجد "ايطاليا الفاشية" كانت ضربا من الخيلاء الخاوية أمام شبح الهزيمة النكراء في الحرب الحبشية الاولى، ويمكن تلخيص العوامل الاستعمارية إلى شطرين كبيرين؛ هما شطر العوامل "النفسية"، وشطر العوامل "الاقتصادية", وأول الشطرين أرجحهما، وأقواهما على الدوام، لهذا كانت البرتغال أسبق من انجلترا إلى المضمار، ولو لم تكن العوامل النفسية لكانت انجلترا أولى بالسبق إليها؛ إذ كانت عندها السفن، والخبرة بالملاحة، والحاجة الملحة إلى التجارة، وعندها بوادر الصناعة الحديثة، وأدواتها، وعندها الشركات التي ترتبط بكل مكان فى القارة الأوروبية، وتتلاقى العوامل النفسية بجملتها في الدين، والعنصر، والأفكار العلمية؛ كما تتلاقى العوامل الاقتصادية بجملتها في التجارة، والصناعة، وأحوال المعيشة..
   أما عامل الدين فتاريخ أوروبا منذ القرن الثاني عشر، إلى مفتتح عصر الكشوف مملوء بالشواغل الدينية التي كانت تغمرها من مشرقها إلى مغربها، فلا يتأتى أن تصدر عنها حركة عامة دون أن تمتزج بها في جميع نواحيها، وما من مشكلة دينية خلت من مشكلة عنصرية تسبقها، أو تصاحبها؛ فأوروبا تشمل في مجموعها شعوب "اللاتين"، و"الجرمان"، و"الثيوثون"، و"الصقالبة، أو السلاف"..
   أما الأفكار العلمية التي كان لها أثر في نشأة الاستعمار فأهمها فكرة "استدارة الأرض"، وامكان الوصول إلى مشرقها من الاتجاه إلى آفاقها الغربية، وهذه الفكرة في أسلوب تأثيرها على الحوادث نموجا لسائر الأفكار العلمية في خضوعها لدواعي المصلحة، وفى خضوعها لتلك الدواعي بالمشيئة، والإقناع، ولعل الفكرة العلمية أفادت "كولومبس"، وأفادت عصره كله من ناحيتها العامة التي بعثت في النفوس حب البحث، والاستطلاع، وجعلت الوقوف على كروية الأرض بالتجربة العلمية، وطلبا مستحقا للبحث عنه مع ما فيه من النفع، والمصلحة..
   أما شطر العوامل الاقتصادية في نشأة الاستعمار فقوامه -  كما هو معلوم - تجارة المشرق في أصناف الأباريز، والأنسجة، والطيوب، وقد تكرر هذا السبب في الحديث عن أسباب الاستعمار؛ حتى خيل للناس أنه السبب الوحيد في الحملة على المشرق؛ فالذين يذكرون التجارة الشرقية، ويحسبونها سببا في نشوء حركة الاستعمار يبالغون – بل يفرطون في المبالغة – ولعا منهم بتعظيم شأن المسائل المادية في توجيه حركات التاريخ، وغراما بتهوين شأن البواعث النفسية..
   وقد كان سوء المعيشة فاشيا فى أرجاء متفرقة من القارة الأوروبية يوم توجهت الكشوف الأولى للبحث عن طرق التجارة الشرقية، وما كان سوء المعيشة فى مرده إلى أصوله الا نتيجة للأزمات النفسية التى أثارت الشعوب تارة لطلب الحرية الدينية، وتارة أخرى للتنازع على السيادة العنصرية، فلما تفرقت الأقاليم المستقلة، واختل النظام فى الأقطار الواسعة بعد تمزيق شملها، وتفتيت مواردها بين صغار الأمراء، وولاة الاقطاع تجمعت تلك الحالة السيئة، واضطربت معيشة الملايين من أبناء القارة فى مشرقها، ومغربها، ولم يفارق الأوربيون أوطانهم جماعات ليسلكوا طريق التجارة، وينعموا بالأنسجة، والأباريز؛ وانما فارقوا أوطانهم جماعات بعد أن علموا أن السفر للاقامة الطويلة،  وأنهم يسافرون الى الهند الغربية، لا الى الهند الشرقية،  وينازعون الهنود الحمر، ولا نزاع لهم مع هنود الانسجة، والأباريز..
   وفى تاريخ الاستعمار الشرقى أعمال متفرقة تحسب من النتائج الباكرة لتلك العوامل المادية، والنفسية التى أجملناها فيما تقدم، ولكننا اذا أردنا أن نميز بينها عملا واحدا ترتبط به جميع النتائج اللاحقة فى استعمار الشرق لم نجد بينها ما هو أحق بالتمييز من استيلاء البرتغال على ميناء  "سبتة" سنة 1415، لأنه كان فاتحة المعرفة بالطريق، وفاتحة الأعمال المنفذه فى وقت واحد، ومن هنا يقول الأستاذ بارى  parry فى كتابه "أوروبا والدنيا الواسعة":
-"ان الاستيلاء على سبتة وضع البرتغاليين فى موضع يهيىء لهم معرفة وافية بالقارة الأفريقية لم تكن متهيئة لغيرهم من الاوروبيين".. 
   ففى سنة 1419 اعتزل الأمير "هنرى الملاح" البلاط الملكى، وشواغل السياسة، وأخذ فى اقامة مستقره الصغير فى الجنوب الغربى من "هضبة البرتغال"، وبقى ثمة يرقب "المحيط الأطلسى" بين حاشيته الصغيرة من أناس ركبوا البحر، أو عناهم أمر التجارة، والرحلات على متنه، وكان كثير منهم ايطاليون دعاهم الأمير للعمل على نفقته، وتحت اشرافه، وطفق فى سنة 1420 يبعث من ميناء "لاجوس" القريب سلسلة من البعوث للكشف عن السواحل الأفريقية، واستطلاع الطريق الى الهند، وهى بلاد كانت معروفة بمحصولاتها، وان لم يكن عند الاوروبيين خبر عنها غير أخبار الفصص، والاشاعات، وكان الأمير هنرى يفكر فى وجود الطريق الشرقية، ويتوق الى فرصة سانحة لتحويل الأمم الزاخرة من أبناء الهند الى "الديانة المسيحية"، ويرجوا فى الوقت نفسه أن يتمكن من عقد محالفه تجارية حربية بينه، وبين مملكة "الحبر حنا prester John"  ذلك الشبح البعيد الذى كان يومئذ يشبه أشباح الأساطير، أما أساس أخباره من الواقع فهو ولا ريب قائم على مملكة الحبشة المسيحية؛ التى يحيط بها الأعداء من المسلمين، ولا تزال للقبط كنيسة بها على جرف من الثبات؛ فاذا تسنى للبرتغاليين أن يصلوا الى مملكة الحبر حنا؛  فقد بات المسلمون فى أفريقية الشمالية محصورين بين سدود محكمة من المسيحيين، ومن الجائز أن الأمير هنرى كان له نصيب من ولع الاستطلاع العلمى الذى شاع بين الخاصة من أبناء عصره، الى جانب هذه المقاصد التجارية العسكرية الدينية..
   كان التقدم فى السنوت الأولى بطيئا شديد البطء؛ فلم تتمكن سفينة أوروبية من تجاوز "رأس بجادور" الا بعد أربع عشرة سنة، ويصد الملاحون عن سواحل أفريقيا لتك الرهبة من "بحر الظلمات" التى ورثوها من "العرب"، وكانت العقبة النفسية الأخرى اعتقاد بعضهم أن الرحلات الأفريقية لا طائل تحتها، ولا منفعة من ورائها؛ فظهر خطأ هؤلاء سنة 1441 حين عادت احدى البعثات من الساحل الذى يقع قريبا من جنوب رأس بجادور بكيس فيه تبر، وجماعة صغيرة من أسرى الزنوج، وقد بلغ عدد العبيد الذين جاءت بهم السفن البرتغالية بعد ذلك الى سنة 1446 نحو ألف عبد بين مأسور، ومشترى، وقد عومل هؤلاء العبيد معاملة رقيقة؛ اذ كان سادتهم يعنون عناية دقيقة بتعليمهم عقائد المسيحية، واتسعت تجارة الرقيق بعد ذلك؛ فبنى الأمير هنرى معقلا، ومصنعا مخصصين لها على جزيرة "أرجيوم" فكان هذا المصنع أول معهد أوروبى للاتجار وراء البحار..
   ولما رأى الأمير أم الكشوف التى أشرف عليها عادت ذات قيمة تجارية مجدية؛ حصل على رخصة من الملك أخيه باحتكار التجارة على "سواحل غانة"، وجعل لمغامرات غانة صفة دينية؛ فحصل من البابوات المتعاقبين على "براءات الغفران" لكل من عمل بالكشوف الأفريقية، كما حصل على امتياز منهم بحق "التبشير" بالديانة المسيحية بين الزنوج..
   أما أكبر الكشافين "فاسكو دى جاما "Vasco de gama  صاحب العبارة التى لخصت أغراض الرحالين الأوروبيين فى كلمتين:
-"أبازير، ومسيحيون"..
   ثم ازدادت المشكلة تعقيدا بعودة السفينة "نينا".. سفينة كولمبس الى "نهر التاجوس" فى شهر مارس سنة 1493، وركابها يزعمون أنهم بلغوا بها الشرق الأقصى من السواحل الآسيوية؛ فاذا صدق كولمبس، وجماعته فقد ذهب الشطر الأكبر من رحلات البرتغاليين فى نحو قرن كامل سدى، وأفلتت الغنيمة التى لاح للبرتغاليين أنها فى قبضة أيديهم؛ فآلت الى أيدى الأسبان..
   لم يخرج أسطول البرتغاليين الى "الهند" فى رحلته الا فى سنة 1497،  وهو أسطول فاسكو دى جاما الذى مر بأماكن عدة على الساحل الشرقى من القارة الأفريقية لتموين السفن بالماء، والوقود، والنفط فى ميناء "ملندى" مع الملاح المسلم "ابن ماجد" الذى شاء الحظ أن يكون من نوابغ عصره فى فنون الملاحة الفلكية؛ فاستطاع بمعونته أن يعبر "المحيط الهندى" الى ميناء "قليقوت"..
   ويقول الأستاذ بارى فى كتابه المذكور:
-"ان انتشار تجارة الأبازير فى القرن الخامس عشر كان على اتصال وثيق بانتشار الاسلام غربا، وشرقا منافسا للمسيحيين، والهنود؛ اذ كان "الترك العثمانيون" يفزعون أوروبا الشرقية، وراح "التجار المسلمون" ينشرون دياناتهم فى "الهند الشرقية"، ويؤسسون ثمة "امارات" تعمل فى التجارة يستوى فيها على العروش أمراء من أمة "الملايو" بالنسب، ومن المسلمين بالعقيدة، وحينما ذهب المسيحيون الأوربيون شرقا؛ وجدوا المسلمين سبقوهم الى هناك حتى لم يبق من تجارة الأبازير الى سنة 1500 شىء فى غير أيدى المسلمين"..
   فلا مناص للبرتغاليين لتحويل تلك المواقع المتخلخلة الى معاقل ثابتة، ودول مسيحية واسعة من الاعتماد على أسطول ثابت فى المحيط الهندى، ولا مناص لذلك الأسطول من مقر بحرى، أول هذين الأمرين أن السفن البرتغالية كانت أقوى بتركيبها، وسلاحها، وخبرة ملاحيها، وأقدر على القتال من سفن التجارة الشرقية بين السواحل الهند، وسواحل القارة الافريقية..
   وثان هذين الأمرين أن سفن المماليك التى كانت قادرة على مساجلة السفن البرتغالية قد خرجت من الميدان بعد هزيمتهم فى مصر أمام الدولة العثمانية، فان سلاطين الترك لم تشغلهم "تجارة" البحر الأحمر كما شغلتهم "حروب" القارة الأوروبية، ولم تحفزهم البواعث العاجلة الى بناء الأساطيل خاصة لمحاربة البرتغاليين فى المحيط الهندى ايثارا منهم للغلبة على "البنادقة فى البحر الأبيض" وهم أعداء "البرتغاليين"، وأعداء "الترك العثمانيين" على السوء..
   التقى الأسطولان "البرتغالى"، و"المملوكى" عند "بومباى"؛ فكانت الغلبة فى هذه المعركة للمماليك، ثم تجددت المعركة، وجمع لها البرتغاليون كل ما استطاعوا؛ فانهزم المماليك فى هذه الجولة هزيمتهم الأخيرة سنة 1509 لأنهم فقدوا ملك مصر بعدها حين افتتحها السلطان "سليم الأول" العثمانى بعد ثمانى سنوات(1517) ليبدأ السباق بين الدول الغربية الذى تعاقبت أشواطه زهاء أربعة قرون..
   لقد أوشك خبر عودة الأسطول البرتغالى بالبضائع الشرقية بعد طوافه حول القارة الأفريقية، واهتدائه الى طريق الهند أن يطلق الحكومات، والبيوت التجارية فى سباق طائش الى الهند الموعودة بغير قيد، ولا ضابط، فاذا كان هذا السباق قد ثاب الى شىء من التؤدة؛ فما كان ذلك الا شواغل الفتن الداخلية، والحروب العامة، والمنازعات على كشوف الأمريكتين فيما بين البرتغال، والأسبان، ثم انتهى السباق بين الدولتين بتوحيد العرشين؛ فانزوت البرتغال من مجال الكشف، والاستعمار، وآلت السياسة الاستعمارية كلها الى العاصمة الأسبانية..
   ثم دارت الدائرة على أسبانيا بعد هزيمتها البحرية فى معركة "الأرمادا" فبرزت الى المجال ثلاث دول أوروبية؛ استقلت "هولندا" من سيطرة أسبانيا؛ فنازعتها السلطان فى التجارة، والتبشير، ثم ظهور "الدولة الفرنسية" فى مكان الزعامة بين دول القارة الأوروبية، ولم تزل تتشبث بهذه القيادة فترة غير قصيرة بعد فصل الدولة، والكنيسة، ثم انفردت "الجزر البريطانية" بالسيادة على البحار فقبضت على زمام السياسة الاستعمارية فى العالم منذ معركة الارمادا الى ما بعد الحرب العالمية الثانية..
   ومن فكاهات الحوادث، ومناقضات الصروف أن دعاة الانجليز الى الاستعمار انما كانوا يأتمون بكتاب ألفه الهولندى "لنشوتين Linschoten" سنة 1596 يصف فيه كشوف البرتغال، ويقول مترجمه الى الانجليزية:
-"عسى أن تعمل هذه الترجمة الحقيرة عملها فى أمتنا الانجليزية؛ فتبعث فيها رغبة فى مزيد من شرف الاستعلاء بين الأمم بالسيادة العالمية؛ بفضل ما نبنيه من الجدران الخشبية(يعنى الأساطيل)"..
   وتعتبر هولندا على صغرها شيخة المستعمرين فى كثير من وسائل الاستعمار، وتمهيداته من قبيل "التبشير"، و"الاستشراق"، واستخدام "المعاهدات"، و"المحالفات" فى كسب الحقوق الشرعية، وهى التى سنت للمستعمرين اللاحقين بها تحويله من عهدة الشركات، الى عهدة الدولة، فأنشأت مجالس الحكم، الى جانب مكاتب الادارة، ثم جعلته نظاما حكوميا تغلب فيه الصفة الرسمية على صفة الأعمال الشعبية؛  فقد احتاجت الدول الاستعمارية الى القوة لاكراه البلاد الشرقية على قبول معاملتها، وفى منافسة بعضها لبعض، وحماية الطريق بين مناطق النفوذ..
   تم "لالمانيا"، و"ايطاليا" كيان قومى فتوثبت كلتيهما للدخول فى المضمار، وكذلك صنعت "الولايات المتحدة" فى الأمريكتين، واليابان فى آسيا، وجعلت فى فخرها الآسيوى أن تكون أحق بالقارة العريقة من الأوروبيين، والآسيويين..
   تعاظم اهتمام المستعمرين بالشرق الأدنى، وبعض أقطار الشرق الأوسط التى كانت كلها بقايا تابعة للدولة العثمانية التى اصطلحت الدول الكبرى على تسميتها "الرجل المريض" المتفق على تقسيم تركته حلا لما سموه يومئذ "بالمسألة الشرقية"، ولأن هذه البلاد أسواق صالحة لترويج المصنوعات الحديثة منذ أن كانت بلادا عمرتها الحضارة عدة قرون، وعودت أهلها اقتناء اللوازم، والكماليات من مطالب الأمم المتحضرة، ولأن الحصول على خامات المواد الصناعية ميسور فى هذه البلاد، ثم تشاء المصادفات أن تظهر فى هذه البلاد ينابيع النفط، كما أنها الرقعة الوسطى بين القارات الثلاث، موقعا من أخطر مواقع الدفاع، والهجوم فى الحروب الكبرى،  ولأن الدول التى تنتحل الدفاع عن مذهب من المذاهب تجد الذرائع ممهدة لديها للتدخل فى شئون الشرق الأدنى؛ باسم الدفاع عن أبناء مذهبها، أو الدفاع عن الأماكن المقدسة، وكأن المستعمرون بحثوا عن حيلة طويلة الأجل تسعفهم عند الحاجة - وليس حيلة الساعة، أو حيلة كل ساعة – فلم يجدوا أنفع لهم من دولة يصنعونها بأيديهم، ولا يزالون على ثقة من حاجتها اليهم فكانت "دويلة اسرائيل"، وهذه البدعة هى آخر شوط من سباق الاستعمار فى الشرقيين الأوسط، والأدنى..
   نشأت مشكلة للمستعمرين أنهم لا يستطيعون أن يعاملوا البلاد المغلوبة معاملة واحدة، فجاء البحث أولا من فقهاء الدين، واتفقت آراؤهم بعد الخلاف الطويل على أن التدين بالمسيحية شرط لاستحقاق صفة الرعية الصالحة، فاذا عومل الوطنيون غير المسيحيين بشى من الهوادة؛ فانما هى الهوادة التى يستحقونها فى سبيل اقناعهم بقبول التبشير..
   والأمم التى كان لها عروش مؤسسة، وحكومات قائمة كانت تظهر منهم بنصيب من الحكم الذاتى يستبقى العروش لأمرائها، والحكومة لرؤسائها حيثما تيسر استبقاؤها بغير حظر على نفوذ الدولة المستعمرة، ومن لم تكن لهم دول، وحكومات خولوهم طائفة من مناصب الرئاسة فى الحكومة على قدر نصيبهم من الحضارة، والقدرة على ولاية المناصب المأمونة..
   ان الحرب العالمية الأولى كانت حدا فاصلا بين عهدين واضحين فى تاريخ الاستعمار، لأنها أزالت الاستعمار من حيث المبدأ، وكذلك قام "ميثاق الأمم" بعد الحرب العالمية الأولى على بطلان الاستعمار، واحترام حق تقرير المصير، واستحدثت للنظام الجديد أسماء تناسبه؛ فحل "الانتداب"، و"الوصاية" محل "الحماية"، وقد بقيت المستعمرات، وبقى الاستغلال، وبقيت مظالم الحكم، واستبيحت الأوطان عنوة، وعجزت "عصبة الأمم" عن حماية وطن واحد مستباح، أو عقوبة دولة واحدة تتحداها جهرة، وتستبيح ما حرمته فى الميثاق، وأقرها على تحريمه المعتدون،  ان تقرير المبدأ، والسكوت عنه سواء؛ وأن العالم لم يستفد شيئا من النظام الجديد، ولا يرجى أن يستفيد منه بعد حين..
   انه يستغل الرذيلة كما يستغل الفضيلة، يستغل الجبن، والخسة، والحرص على المنفعة العاجلة كما يستغل المبادىء الكريمة، والخلائق المحبوبة، فلو جمع ما قيل فى الدعوة الى الحرية، والسلام، والرقى، والحضارة لوقعت حصته الكبرى فى جعبة المستعمرين، انه يخلق ثلث الدعوات، ويخترع رسالاتها اختراعا من عنده ليدرك بها مأربه، ويخدم بها قضاياه، وبعض المفسرين الماديين للتاريخ ولع باسناد الرسالات الانسانية منذ القدم الى سماسرة الاستغلال من الساسة، وأصحاب الأموال، وقد حمل الاستعمار علم الحرية، والدفاع عن الرقيق، وفعل ذلك لاستعباد الشعوب الحرة، لا لاطلاق الأرقاء المستعبدين، وقد أرسل المستعمرون أساطيلهم ترتاد البحار، وترصد السواحل، وتعترض السفن، وتقتحم الموانىء، وتستبيح المواقع فى الأقطار المستقلة بحثا فيما زعموا عن النخاسين، والأرقاء، ولكنهم لم يفعلوا ذلك الا بعد أن أصبح الفتح منكرا يحتاج الى المعاذير، وبعد أن أصبح تحرير الرقيق مأثرة يدعيها المدعى، ويرشو بها الضمائر؛ فتقبل الرشوة خالصة النية، أو متواطئة على الخداع، أما  قبل ذلك فقد كان هذا الاستعمار يرسل أساطيله علانية ليقود حملات النخاسة، وينقل الشحنة بعد الشحنة من الأرقاء المغتصبين بغير ثمن، أو المبيعين بأبخس الأثمان، سلعا لا سعر لها فى سوق البغى غير سعر الصيد المباح، ودور الاستعمار فى قضية السموم، والمخدرات كدوره فى قضية الرقيق؛ دور المستغل التابع، لا دور المخترع المتبوع، فان الدول التى أقامت المؤتمرات فى جميع القارات لمصادرة السموم المخدرة، ومطاردة العصابات القوية التى تخصصت لتهريبها لم تتورع فى القرن الماضى عن حماية هذه السموم، واكراه الصينيين على استيرادها، وتشجيعهم على تعاطيها؛ كالمستعمرين الذين شبعوا من الاستعمار ينصرون السلام، لأن الحرب اما أن تكون ثورة عليهم من المغلوبين المطالبين بحقوقهم، أو منازعة لهم من الأقوياء الطامعين فى تراثهم، وفى كلتا الحالتين يغنمون من السلم ما لا يغنمونه من القتال، لا يطيق الرجل الأبيض منهم ظل الرجل الأبيض فى جواره مالم يكن شريكا له فى حصة من حصص الاحتكار، وهناك حقيقة تفسر لنا نهاية الاستعمار فى أوائل القرن العشرين؛ فكلما انقضى الاحتكار فى مكان، انقضى فيه الاستعمار على أثره، ويجوز لنا أن نقول ان "قوة الاستعمار تقاس بقوة الاحتكار"..
   قبلت الدول الاستعمارية سياسة الباب المفتوح بعد التشدد فى الاحتكار، لأن هذه السياسة كانت بديلا من الأزمات، والقلاقل، والحروب التى تتوالى نذرها، وتعطل التجارة، والصناعة جميعا، ولا تنحصر أضرارها فى نقص الثمرات، والأرباح؛ فظهرت روسيا، والمانيا، وايطاليا، والولايات المتحدة الى جانب انجلترا، وفرنسا، وهولندا، وبلجيكا من كبار الدول، وصغارها التى ورثت تركة الاستعمار، وصمدت آخر الأمر فى هذا المضمار، وليست هذه الدول الحديثة من هوان الشأن بالمكان الذى يتجاهله المستعمرون، أو يحمدون العاقبة اذا تجاهلوه..
   ولم يسجل تاريخ الاستعمار فى خطواته الأولى ضربه فى صميمة كالضربة التى جاءته من المستعمرات البريطانية، والأسبانية فى بلاد العالم الجديد؛ فان الثورة التى قضت على الاستعمار البريطانى فى أمريكا الشمالية انما كان قوامها أناسا من الانجليز، يعاونهم مواطنون لهم من الهولنديين، والجرمان، وسائر المهاجرين الى الشمال من الأوروبيين، وكذلك كانت ثورات الجنوب التى انتهت باستقلال الحكومات المختلفة فى القارة الجنوبية عن أسبانيا صاحبة السيادة عليها؛ فقد كان قوامها من المهاجرين الأسبان، والبرتغاليين، وأبنائهم المولدين، ولو كان الاستعمار نظاما قابلا للدوام لما قضى عليه أبناؤه بأيديهم قبل انقضاء جيلين من تاريخ الهجرة الى البلاد المستعمرة..
   كانت أزمة الحكومات فى عصر الرحلات الكشفية محصورة بين أيدى المحتكرين للبقاع، والضياع، ومعهم بعض المحتكرين للغلات، والثمرات التى تأتى من تلك البقاع، أو من تلك الضياع، ثم نشأت حركة التجارة العالمية، ونشأت على آثارها حركة الصناعة الكبرى؛ فاتسعت دائرة الحكومة، ودخل فى زمرة الحاكمين أناس لم يحسبوا قط من قبل الا فى عداد المحكومين الخاضعين لولاة الأمر بغير مشورة، وبغير صوت مسموع؛  ذلك أن الصناعة الكبرى قد نشأت، وأنشأت معها أصحاب المعامل، وعمالها المسخرين فى خدمتها، وكان أصحاب المعامل، وعمالها سواء فى مبدأ الأمر فى طلب حصتهم من السلطة الحكومية، ثم افترق هؤلاء فأصبحت كل زيادة فى حصة العمال نقصا فى حصة أصحاب  المعامل، والأعمال..
   كان "انجلز" يقول ان العمال فى انجلترا "عمال" بالنسبة الى أصحاب الأموال فى بلادهم، ولكنهم "برجوازيون" بالنسبة الى شعوب المستعمرات التى تملكها الدوله البريطانية لأنهم يظفرون بالاجور العالية،  فربما صح كلام انجلز فى جملته اذ نظرنا الى السياسة الاستعمارية التى صمد عليها العمال الانجليز بعد حصولهم على حقوق الانتخابات، ووصولهم الى دسوت الوزارة..
   تتخلص الأسباب الدينية للاستعمار فى ارتباط سياسة أوروبا الغربية بسياسة الكنيسة فى عصر من أحرج عصورها، وأشدها اشتباكا بأزمات الخصومة، والمقاومة، ومحاولة الثبات فى وجه التيارت العصرية التى كانت تجرى فى غير مجراها، فقد كان عصر محكمة التفتيش، وعصر الانشقاق بين الهيئات الدينية، والهيئات السياسية، وكانت الصبغة غالبة على سياسة الحكومات فى أوروبا الغربية، وفى شبه جزيرة الأندلس على الخصوص لاشتباكها زمنا طويلا بالحروب المتوالية بينها، وبين مسلمى الأندلس، والمغرب الأقصى، وحدث فى الأقطار الأمريكية التى ارتادها الفرنسيون القساوسة أنهم كانوا يحرمون على مخالفى الكنيسة دخول تلك الأقطار، ويخرجونهم منها اذا دخلوها بغير اذن من المراجع الدينية..
   وماحدث قط فى تاريخ الصراع بين الشعوب أن قويا منتصرا أخضع قوما لسلطانه بمحض القوة المادية، أو رهبة السلاح دون سواها، وانما يخضعهم، ويطيل خضوعهم له أن يروعهم بشىء من الاعجاب يملأهم ثقة بامتيازه، ورجحانه، ويزعزع ثقتهم بأنفسهم بين يديه، وهذا هو السلاح الأكبر الذى يصيب الضحية بمثل "الشلل النفسانى"، فلا تقدر على الحراك حتى تفيق من غشية ذلك الاعجاب؛ حتى خيل اليهم أن الخضوع لهم ضربة لازب، وأن التمرد عليهم ضرب من المحال..
   فلولا هذه النهضات الوطنية لما كانت سائر العوامل العالمية كافية لاخراج المستعمرين من مستعمراتهم فى هذه الفترة الوجيزة؛ بالقياس الى أعمار الشعوب، وأشهر أنواع الاستعمار هو الاستعمار الاقتصادى، واستعمار التوطن، واستعمار الموقع، أو الاستحكامات العسكرية، والولايات المتحدة الأمريكية هى النموذج الجديد للدولة العالمية منذ الربع الثانى من القرن العشرين، وشغلها الخلاص من الاستعمار الأوروبى فى تاريخها الأول عن الدخول فى ميدان الاستعمار، والمغامرة مع المستعمرين، ثم شغلتها حروب التوحيد، والتوطيد عن السياسة الخارجية فى غير هذه القضية، ثم شغلها بعد ذلك أن تحمى نفسها من الاغارة الجديدة؛ فشرعت لها مذهبا يحرم على الأوروبيين أن يحتلوا أرضا من العالم الجديد، أو يتدخلوا فى مشكلاته بقوة السلاح، وأوشكت أن تجعل التعامل معه محرما على غيرها لولا أن التعامل الاقتصادى فى تلك الحقبة على الخصوص لم يكن قابلا للتقييد..
 (تعليق: لاحاجة للولايات المتحدة الى مستعمرات..  فهى أصلا مستعمرة، وأرض مسروقة..  بكر؛ عالم جديد، فلم يسعوا سعى المستعمرين القدامى لأنهم فى غنى عنه، فلا تنطبق عليهم شروط الاستعمار، وان كانت قد ساعدت الاستعمار)..
   وفى أثناء ذلك كانت الولايات المتحدة تفعل كل ما تستطيعه لتوسيع رقعتها فى القارات الامريكية بالتعاهد، والشراء، أو بالقوة اذا تعذر الاتفاق على التعاهد، والشراء، واشترت "ألاسكا" سنة 1867 من روسيا، وحاربت أسبانيا سنة 1898 من جراء الفتنة فى جزيرة "كوبا" فأسفرت الحرب عن نزع "جوام"، و"بورت ريكو"، و"جزر الفلبين" من الدولة الأسبانية، وضمها الى أملاك الولايات المتحدة، ثم استتبع ذلك أن تضم اليها جزر "هاواى" تلبية لدعوة المتوطنين من رعاياها..  
   من دوافع السياسة الخارجية الأمريكية احباط الدعوة الشيوعية، وضرب الحصار عليها للرجوع بها الى أضيق حدودها، وتخفيف الضغط الداخلى الذى يتجدد على الدوام من فرط التضخم المالى فى الأسواق الأمريكية؛ فان ارسال التبرعات، والمعونات الى الخارج مصرف ضرورى للأموال المتجمعة فى بلاد الولايات المتحدة..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق