السبت، 16 فبراير 2013

الحروب الصليبية.. بداية الاستعمار الأوروبى للعالم الاسلامى




    بدأ الهجوم الأوروبى المسلح على الشرق العربى فى العصور الوسطى بذريعة أخلاقية تحت راية الصليب(رمز الديانة المسيحية، ورمز التضحية بالنفس فداء للآخرين، والمسيحية ديانة تظهر المسالمة فى كتبها المقدسة).. أما الهدف المعلن فهو تحرير القدس التى تحتوى على قبر المسيح بعد أن شاهدت آلامه، وعذابه، وهى من الناحية الرسمية المعلنة حربا مسيحية مقدسة..
                                                        مسار الحروب الصليبية
                 
    وتنبع الخلفية الأيديولوجية للحركة الصليبية من ثلاثة تيارات رئيسية تصب فى مصب واحد.. برزت منها فكرة الحملة الصليبية، يأتى التيار الأول من داخل الديانة المسيحية نفسها متمثلا فى التطورات الفكرية، والممارسات الدينية التى تبلورت فى القرن الحادى عشر، وينشأ التيار الثانى عن التفاعلات الاجتماعية الفكرية الناجمة عن استقرار "القبائل الجرمانية" فى أوروبا، ثم محاولات "الكنيسة" السيطرة على "الحروب الاقطاعية" التى مزقت أوروبا من خلال حركة "هدنة الرب"، و"سلام الرب".. أما التيار الثالث فقد جاء انعكاسا للتأثير الاسلامى على الغرب الأوروبى فى اقتباس فكرة "الجهاد الاسلامية" من خلال ماتعلمه الغرب من الحرب التى شنها "الكاثوليك الأسبان" ضد "مسلمى الأندلس"..
    ويتمثل التيار الأول فى "حركة اصلاح الكنيسة" أبان "القرن العاشر" بزعامة "الأديرة الكلونية"، والتى تطورت الى حركة احياء كبرى شهدت حركة "الاصلاح الجريجورى"..  التى كانت تشكو من سيطرة الدولة على الكنيسة، وتورط الكنيسة فى الالتزامات الاقطاعية، والسيمونية(بيع الوظائف الدينية)، ولم تكن الحركة الجريجورية امتدادا للحركة الكلونية.. بل كانت ثورة عليها.. 
                                               البابا يدعو الى حرب المسلمين فى الشرق 
                   
    ويتمثل التيار الثانى فى اخماد الحروب الاقطاعية التى كانت سمة المجتمع الأوروبى الذى اختفت فيه السلطة المركزية، وتعرضت لكثير من الغارات الجرمانية المتوالية بعد اندماج الأساقفة، ومقدموا الأديرة فى البناء الاقطاعى، وظهر من بينهم من يقود رجاله فى حروب اقطاعية..  الأمر الذى لم يجد فيه المصلحون وسيلة فعالة لمنعها تماما، ولكنهم توصلوا الى صيغة لتحديد نطاقها بمنع القتال فى نهاية الأسبوع، والأيام المقدسة، وطوال فترة الصوم الكبير، كما حرمت الحرب على رجال الكنيسة، والحجاج، والتجار، والنساء، والمسنين، والفلاحين، وممتلكاتهم، ومستلزمات الزراعة..
    قامت الكنيسة بالمهمة البوليسية نيابة عن الدولة الغائبة بأن أشهرت السيف عندما كون "جريجورى السابع" جيشا أسماه "جيش القديس بطرس Militia Santi Petri"، وعندما أفلت زمام "جيش السلام" هذا ذات مرة.. راح جنوده ينهبون البلاد، ويقتلون العباد.. مما أضطر أحد الكونتات المحليين الى تجريد "جيش مضاد" لاعادة النظام تمخض عن مقتل 700 من جنود الكنيسة، ومن هنا تأكد دور "البابوية"، وحكمها على العالم الغربى.. مما أدى الى الصراع الحاد العنيف ضد الامبراطورية  تمثل فى الصراع بين البابا جريجورى السابع، و"الامبراطور الألمانى هنرى الرابع" فيما عرف بمشكلة "التقليد العلمانى"..       
    كان البابا جريجورى السابع ذا ميول عسكرية عندما اعتلى عرش البابوية.. فاقترح تجريد حملة لاستعادة "الممتلكات البيزنطية" التى فقدتها الامبراطورية بعد هزيمتها أمام "الأتراك السلاجقة" سنة 1071م فى معركة "مانزكرت"، أو "ملاذكرد"، وكان ينوى قيادة الحملة بنفسه طمعا منه فى اخضاع "الكنيسة الشرقية"، واعادة توحيد العالم المسيحى تحت رعاية "بابا روما"، كما كان يشجع "حملات الاسترداد" فى أسبانيا، ولكن الصراع بينه، وبين الامبراطور الألمانى هنرى الرابع حال دون ذلك..
    ثم جاء البابا "اربان الثانى Urban Two" الذى كان أكثر اعتدالا، وأقل عدوانية، وطموحا من سابقه لكى يبدأ الحركة الصليبية بالخطاب الحماسى فى "كليرمون Clermont" فى اقليم "برجاندى" الفرنسى فى السابع والعشرين من نوفمبر 1095م وكانت الأهداف هى:
1-  توحيد كنيستى الشرق، والغرب(بعد الشقاق الكبير سنة 1054م) تحت زعامته.. مما يدعم موقفه فى مواجهة الامبراطورية..
2-   الاستيلاء على الأراضى المقدسة من المسلمين لدعم زعامة البابا الروحية للعالم المسيحى..
3-   حماية طرق الحجيج المسيحيين..
4-   توظيف الميول الحربية لفرسان الغرب الذين لايكفون عن الاقتتال فى أغراض تفيدهم..
    ومن ناحية أخرى فقد كانت دوافع الذين قبلوا هذه المغامرة هى:
1-   الرغبة فى الحصول على الأراضى على المستوى الرسمى..
2-   المجد الشخصى..
3-  تحقيق أحلام المقهورين فى أوروبا العصور الوسطى فى الأراضى التى تفيض باللبن، والعسل هربا من الموت جوعا، وقهرا تحت سيطرة أسيادهم الاقطاعيين، وحروبهم الدائمة، والتخريب المستمر..
4-  الدعاية المسعورة ضد المسلمين بما أشاعوه عن تدميرهم للكنائس، وقتلهم للمسيحيين، وتعذيبهم عن طريق أبواق البابا، والمبشرين الجوالين من أمثال بطرس الناسك..
5-  فرصة ثمينة للفرسان الذين لايملكون أراض، وكذلك أبناء الأسر الاقطاعية الصغار.. فقد كان توريث الأرض للابن الأكبر فقط دون اخوته الأصغر منه بمقتضى القانون الاقطاعى القائم..
6-   التعطش الى المغامرة خارج الوطن، وارضاء النزعات العدوانية..
7-   فرصة لهروب البعض من العدالة، والأحكام القضائية..
8-  حمل شارة الصليب أملا فى الغفران.. فقد أصدر البابا مرسوما عاما بالغفران لكل مشارك فى هذه الحملة، والدخول فى رحمة الرب فى مناطق يسود فيها الجهل، وتتفشى فيها الأمية، وتختلط فيها المفاهيم الدينية بالخرافات، والخزعبلات، وأنباء عن الرؤى، والأحلام المقدسة، وظهور القديسين، والقديسات، والنجوم التى تتساقط من السماء.. يزكيها المشعوذون، والمبشرون الجوالون أمثال بطرس الناسك، خاصة بعد اقتراب الألف الأولى بعد المسيح من تمامها، وتوقع الناس لنهاية العالم يوم القيامة..
9-   الكوارث الطبيعية، وصغر مساحة القارة..
                                              الحملة الصليبية الأولى   
            
   وعلى مدى قرنين من الزمان، ومنذ خروج الحملة الأولى من أوروبا سنة 1096م، وحتى سقوط آخر معاقل الصليبية فى بلاد الشام سنة 1291م.. توالت على شاطىء المتوسط الشرقى موجات عديدة من الأوروبيين الذين جاءوا بعشرات الألوف من المقاتلين، والحجاج فى مجموعات عسكرية صغيرة بقيادة أمراء الاقطاع، أو فى جيوش كبيرة يقودها حكام أوروبا، وهو مايعنى ان الحملات الصليبية السبع الشهيرة لاتعبر بحال عن الحركة الصليبية، وانما هو تقاطر مستمر من الحجاج، والمحاربين، والتجار، والقراصنة، والنبلاء الجوعى للأرض، والمجرمين، وشذاذ الآفاق الذين اتخذوا من الشرق العجيب هدفا، ومقصدا..
    كان الاستعمار الاستيطانى هو أبرز أهداف الحركة الصليبية، وكانت أول امارة صليبية شادها الغرب الكاثوليكى فوق الأرض العربية هى "امارة الرها" التى استولى عليها "بلدوين Baldwin" ليقيم عليها شعار "بيت أمراء اللورين" بين نهرى "دجلة"، و"الفرات".. وفى سنة 1098م تمكن الصليبيون من الاستيلاء على "أنطاكية" بفضل خيانة "الأرمن"، وفيها بدأ الافلاس الأيديولوجى للحركة الصليبية متمثلا فى بؤرة شريرة من الدسائس، والصراعات، والمؤمرات.. وفى خضم الصراع تفرق الجيش الصليبى، وأغار فرسانه على المناطق الريفية بهدف انتزاع أملاك خاصة لكل منهم..
    وبعد عدة أحداث تمكن الصليبيون من الاستيلاء على "بيت المقدس" عقب مذبحة شنيعة راح ضحيتها المدافعون عن المدينة من "أفراد الحامية المصرية" الذين سلموا بشرط ضمان حياتهم، وبعدها توجه "جود فيرى البيونى" مع أعداد متزايدة من الصليبين الى "الضريح المقدس"، ونتيجة لذلك قامت فوق الأرض العربية "عاصمة مسيحية لمملكة لاتينية"، كما قامت مستوطنات صليبية فى "الرها"، و"أعالى النهرين"، و"أنطاكية"، و"سوريا"، و"فلسطين".. فضلا عن بعض مناطق "الشاطىء اللبنانى"، وظلوا كذلك طوال جيلين كاملين لم يجابهوا فيها بأى مقاومة عربية، أو احتكاك بسبب تخاذل الحكام العرب، والتمزق السياسى.. بل ومساندة بعض المسلمين للجيوش الصليبية، فضلا عن ميراث الحقد، والشك، والضغائن بين حكام المنطقة..
                                                  الامارات الصليبية فى الشرق
    
صورة لصلاح الدين من القرون الوسطى

    وبسبب تشجيع الهجرة الأوروبية الى تلك المناطق.. اعتبرها الافرنج وطنا ثانيا، أو "فرنسا ماوراء البحار Outremer"، ولايمكن لهذا الكيان المنفصل عما حوله أن يعيش بدون الحبل السرى الذى يأتيه من الوطن الأم، ولكن عند اختلاف الظروف خلال القرنين الثانى عشر، والثالث عشر الميلاديين نظرا للتطورات السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية التى طرأت على أوروبا تقلص الدور الداعم لهذه الحركة.. علاوة على اساءة استخدام البابوية للحركة، وذلك بتوجيهها نحو ضرب خصومها السياسيين فى أوروبا، ومنهم مسيحيون مخلصون للكنيسة، كما اعتبر المسلمون أصحاب الأرض هذا الكيان صداعا مزمنا يجب التخلص منه رغم ماهم فيه من تشرذم، وانقسام، وذلك بضغط من الرأى العام الاسلامى بكل قواه على الحكام الغارقين فى السبات العميق، والمهتمين بكراسيهم، ومصالحهم الذاتية، وقد أدى هذا الضغط الشعبى الى ظهور قيادات وضعت نفسها فى خدمة أهداف الأمة مثل "عماد الدين زنكى"، و"نور الدين محمود"، و"صلاح الدين الأيوبى"..
    تولد الضغط الشعبى نتيجة للاستياء العام من التزايد المستمر لأعداد "اللاجئين" التى تدفقت من بلاد الشام الى سائر البلدان العربية مع فشل "محور القاهرة – دمشق" للتصدى لهذا الخطر المتفاقم نتيجة لتدهور أحوال الدولة الفاطمية فى مصر، وأحوال حكام دمشق الذين رضوا بالأمر الواقع، وقنعوا بالتعايش المذل، والمخزى مع الافرنج.. فعبر الناس عن مشاعرهم الغاضبة فى المساجد، ومن فوق منابر صلاة الجمعة، وتعالت صيحات الجهاد تسرى فى أوصال العالم الاسلامى.. وسرعان ماتحولت الى حركة شعبية ضاغطة يقودها المفكرون، وأصحاب الرأى.. فسطرت الكتب، ودبجت الرسائل التى تتحدث عن الجهاد، وفضل المجاهدين، ومكانة بيت المقدس، وأهميته فى نفوس المسلمين..
    أفرزت هذه الحركة المتنامية على طول قرنين من الزمان محورا من محاور المقاومة التى استجابت لهذه الحركات الشعبية وهو "محور الموصل – حلب" بقيادة عماد الدين زنكى حيث أخضع المنطقة الواقعة بين الموصل، وحلب لسلطانه.. فتدفق الناس وراءه ليصبح أقوى حكام المسلمين فى ذلك الوقت، ونتيجة لذلك فقد شن هجوما ناجحا على الرها، واستردها سنة 1144م، وهو ماأعتبر أول مسمار يدق فى نعش هذه الحركة الاستعمارية السافرة المتدثرة باسم الدين، وقد حاول الصليبيون استردادها اثر محاولة فاشلة بفضل يقظة نور الدين محمود وريث عماد الدين زنكى فى الجهاد الأمر الذى قطع كل أمل للصليبيين فى العودة اليها؛ ومن هنا انتهى الضغط الصليبى على مناطق أعالى الفرات..
                                                     ريتشارد قلب الأسد   
       
    تلفت نور الدين حوله فلم يجد سوى "حكام دمشق" المواليين للصليبيين، والذين يستعينون بهم ضد "الزنكيين"، ثم التفت الى "القاهرة" التى ترزح تحت حكم "الخليفة الفاطمى" الذى ترك تصريف أمور الحكم لوزيريه المتنازعين "شاور"، و"ضرغام".. فمصر بمواردها البشرية، والاقتصادية الهائلة يمكنها بالتعاون معه حسم الصراع ضد الصليبيين الذين كانوا دوما يحاولون احتلال مصر، أو تحييدها على الأقل لضمان بقاءهم فى المنطقة(ماأشبه الليلة بالبارحة..  فهذا السيناريو يتكرر هذه الأيام مع مصر لضمان استمرار وجود اسرائيل فى المنطقة العربية بتحييد مصر باتفاقية السلام مع اسرائيل).. بيد أن الحل السعيد جاء عن طريق "الحملة الصليبية الثانية" التى توجهت نحو "دمشق".. الأمر الذى أدى الى ارتماء دمشق فى أحضان نور الدين محمود سنة 1151م  لتفشل الحملة فشلا ذريعا أدى الى تبادل الاتهامات بين الصليبيين المهاجمين، والمقيمين بقبول الرشوة لاحباط الحصار الذى ضربوه حول دمشق.. 
    هاجم الصليبيون "غزة" على الحدود المصرية سنة 1150م، ثم سقطت "عسقلان" آخر المعاقل المصرية فى "فلسطين" سنة 1153م، ثم هاجموا "العريش" المصرية سنة 1161م.. ليتم بذلك فرض اتاوة تدفعها مصر لهم كل عام..
                                                            قلعة الكرك            
    أدخل الصراع الدائر بين الوزيرين الفاطميين كل من نور الدين محمود، والصليبيين الى مصر فى صراع أيضا، ولكنه حربا..  حيث استعان كل وزير بأحدهما ضد الآخر؛ فالتقت قواتهما فى مصر ليدحر نور الدين الصليبيين عنها بجيشه الذى ساعده المصريون كأخوة فى العروبة، والاسلام، ولم تنزح هذه الحرب الصليبيين فقط عن مصر..  بل انهارت البقية الباقية من الدولة الفاطمة المحتضرة فى مصرأيضا الى غير رجعة..  عندما صار "أسد الدين شيركوه" الذى كان قائدا للحملة "وزيرا لمصر"، حتى مات سنة 1169م.. فخلفه ابن أخيه – رفيقه فى الحملة – صلاح الدين يوسف(الأيوبى) سنة 1171م لتعود مصر "سنية المذهب" من جديد.. فيحوز صلاح الدين بقواته الجبهتين "المصرية"، و"السورية"، و"العراق" بعد وفاة نور الدين محمود ليتم بناء "الجبهة الاسلامية الموحدة" خاصة بعد الاستيلاء على "حلب" سنة 1183م لبدء المواجهة الشاملة مع الصليبيين..
    فى هذه الأثناء قام الصليبيون بحملات جريئة عبر "سيناء"، و"تيماء" شمال الجزيرة العربية، وحاول "رينو دى شاتيو"(المعروف "بأرناط" فى المصادر التاريخية العربية) أمير "الكرك" اقتحام "البحر الأحمر"، وغزو "مكة"، و"المدينة"، والتحكم فى التجارة الدولية بين "آسيا"، و"مصر" من خلال "باب المندب"، ولكن سفن "الأسطول المصرى" تمكنت من سحق سفنه تماما..  
    ثم بدأ صلاح الدين عملياته الحربية ضد الصليبيين والتى توجها بمعركة "حطين" فى الرابع والعشرين من ربيع الآخر سنة 583هـ/ الرابع من يوليو سنة 1187م، ومن هذا التاريخ تساقطت حصون، وقلاع الصليبية بعد 88 عاما لتعود القدس الى السيادة الاسلامية العربية من جديد سنة 1187م ليبقى لدى الصليبيين مدن "صور"، و"أنطاكية"، و"طرابلس"، وبعض القلاع..
    جاءت "الحملة الصليبية الثالثة" كرد فعل لهزائم الصليبيين أمام صلاح الدين بقيادة ثلاثة من كبار ملوك أوروبا، وهم "فردريك برباروسا" ملك المانيا؛ وكان فى السبعين من عمره، وقد غرق فى أحد الأنهار الصغيرة بآسيا الصغرى وهو يستحم، و"فيليب أغسطس" ملك فرنسا؛ وقد أظهر استخفافه، ومجونه، وأنه لايريد سوى التظاهر بقتال المسلمين، ولكنه كان تواقا للعودة الى وطنه ليواصل مكائده ضد "ريتشارد قلب الأسد" ملك انجلترا.. وهو الوحيد الذى كان يأخذ الحملة بجدية شديدة، ولم تنجح الحملة سوى فى استرداد "عكا" بعد معارك مضنية..  انتهت بعقد "هدنة" مع صلاح الدين، وريتشارد سنة 588هـ/ 1192م..  وهو ماعرف باسم "صلح الرملة"؛ عاد بعدها ريتشارد الى بلاده، ثم توفى صلاح الدين بعد هذا الصلح بثلاث سنوات.. 
    خيبت "الحملة الرابعة" آمال المستوطنين اللاتين بالشرق العربى باتجاهها صوب "القسطنطينية" لتستولى على "الامبراطورية البيزنطية" كلها سنة 1204م..
    ثم جاءت "الحملة الخامسة" متجهة نحو "مصر" للسيطرة على "السوق التجارية"؛ وهو هدف "المدن التجارية الايطالية" الممول الرئيسى للحملة.. علاوة على استرداد الكرامة العسكرية باخضاع مصر، أو على الأقل دخولها فى معاهدة سلام تضمن رجوعهم لسابق عهدهم لضمان استمرار المد الصليبيى من العامة فى أوروبا، ولكنها باءت بالفشل..
                                              منبر صلاح الدين فى المسجد الأقصى
              
    تجمعت بعد ذلك حملة جديدة بقيادة "فريدرك الثانى" الذى كان يحمل لقب "ملك بيت المقدس" بعد زواجه من "ايزابيلا" ابنة "حنا برين"، ولكنه كان صقلى الأصل.. فكان يعرف الاسلام، والمسلمين من خلال احتلال المسلمين لصقلية فترة من الزمن.. فنجح فى عقد "اتفاقية" مع السلطان "الكامل الأيوبى" نظرا للمشاكل التى كان يواجهها السلطان فى كل من مصر، والشام، وكان من أهم شروط الاتفاقية "عودة القدس للصليبيين" التى كانت الظروف مواتية لهم فى الجبهة العربية الاسلامية بظهور جحافل "التتار" التى بدأت فى اجتياح المدن الاسلامية من جهة الشرق، كما انقسم الأيوبيون على أنفسهم فى مصر، والشام.. فاستعان أيوبيو الشام بالصليبيين ضد أيوبيي مصر الذين استعانوا "بالخوارزميين" الذين نزحوا بسيوفهم نحو مصر بعد أن دمر التتار دولتهم فى المناطق القريبة من "البحر الأسود".. فلقى الصليبيون هزيمة قاسية بالقرب من غزة على أيدى المصريين، والخوارزميين، واستعاد الملك "الصالح نجم الدين أيوب" بيت المقدس مرة أخرى سنة 1244م..
                                                          معركة حطين
       
    قاد "لويس التاسع" ملك فرنسا آخر الحملات الصليبية فى الشرق العربى الاسلامى ضد "مصر" سنة 1248م، والتى انتهت بكارثة راح ضحيتها الجيش الصليبى عن بكرة أبيه، وأسر الملك لويس فى دار "القاضى ابن لقمان"  بالمنصورة، واضطر الباقون من الصليبيين الى الرحيل لقاء فدية كبيرة لهم، ولملكهم بلغت "مليون قطعة ذهبية" لتنقطع صلة أوروبا بالصليبية فى الشرق..
    أفرزت الحروب الصليبية "دولة المماليك فى مصر، والشام" ذات الطابع العسكرى.. فربما كانت هذه الحروب تدريبا عمليا لهم على أرض الواقع لدحر التتار، وايقاف المد التتارى، وانقاذ أوروبا نفسها من التخريب، والدمار الذى لحق بكل البلاد التى دخلوها، ويعتبر بعض المؤرخين "شجر الدر" هى بداية دولة المماليك، ولكن "الظاهر بيبرس" هو المؤسس الحقيقى لتلك الدولة..  والتى يعزى اليها أيضا "تصفية الجيوب الصليبية" فى الشام بعد القضاء على جحافل التتار..
المراجع:
-         "الكامل" فى التاريخ لابن الأثير..
-         "زبدة الحلب" فى تاريخ حلب لابن العديم..
-         "الروضتين" فى أخبار الدولتين لأبى شامة..
-         ذيل "تاريخ دمشق" لابن القلانسى..
-         "مفرج الكروب" فى أخبار بنى أيوب لابن واصل..
-         "السلوك" لمعرفة دول الملوك للمقريزى..
-         "النوادر السلطانية" والمحاسن اليوسيفية لابن شداد..
-         القراءة الصهيونية للتاريخ "الحرب الصليبية نموذجا" للدكتور قاسم عبده قاسم..
    
  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق