استطاعت كلا من "روسيا"، و"أمريكا"
بعد الحرب العالمية الثانية كسر شوكة الدولتين الاستعماريتين الكبيرتين(انجلترا،
وفرنسا)، وتحييد اليابان.. وذلك باستغلال
حادثى "السد العالى"، و"قناة السويس" اللتان آثارهما "عبد
الناصر" فى منتصف الخمسينيات.. ثم
أصبحت مصر قاب قوسين، أو أدنى من الدب الروسى بعد أن اتخذت أمريكا الجانب
الاسرائيلى بما يمكن القول بأنه توزيع الأدوار فى ذلك الوقت..
الأحد، 3 مارس 2013
التعارف
ان أفضل المراحل لتعرف شخصا ما..
هى مرحلة ماقبل الاندماج..
وهى مرحلة النقد، والانتقاد..
وتكوين الانطباع..
الذى يترتب عليه الاستمرار من عدمه..
السبت، 2 مارس 2013
القومية العربية والاستعمار
يقول الأستاذ "محمد
عطا" في كتاب "القومية العربية والاستعمار" المنشور ضمن
مجموعة "اخترنا لك – 32"، والذى صدر في ستينيات القرن العشرين، تحت
عنوان دراسة الحروب الصليبية اذ يرى مبلغ تعصب هؤلاء، وتدميرهم للبلاد التى فتحوها،
واذلا لهم لأبناء هذه البلاد، والعمل على تحطيم معنوياتهم، والتمثيل بالألوف
المؤلفة منهم في غير شفقة، أو رحمة، فقد
بلغ تعدادهم 120 ألفا أثناء زحفهم على الشام، تمدهم دول أوروبا الغربية، والشرقية
بالعتاد، والمال، ثم أغارت بعدها جحافل التتر بقيادة "كتبغا Kitbugha
" على الشام..
انقست الدولة العباسية الثانية إلى دويلات
بفعل العصبية القبيلة التى اشتدت حين ضعفت الحكومة المركزية في بغداد، واستخدام
الخلفاء للعناصر الأحنبية الفارسية، والتركية التى زادت أطماعها مع الوقت، وطمحت إلى
الاستئثار بالسلطة؛ مثل "الطونيين"، و"الإخشيديين"، و"الفاطميين"،
و"الأيوبيين"، ثم المماليك، والعثمانيين، وفى العصر الحديث وهنت قوى "الرجل
المريض"(دولة بنى عثمان)، وأخذت
الدول الأوروبية تقاوم القوات التركية مقاومة عنيفة في أوروبا الشرقية، وتدفعها دفعا
الى الوراء فى محيطها الضيق داخل آسيا، كما أخذت تلك الدول تعمل جاهدة على تقطيع
أوصال هذه الامبرطورية الاسلامية؛ "فانجلترا" تحاول تأمين طريقها الى
الهند، والاستيلاء على قناة السويس، و"روسيا" تعمل على تمزيق تركيا لتجد
لها مفذا الى الشرق الأوسط، والبحر المتوسط، و"فرنسا" تنافس كلاهما فى
الاستيلاء على مصر، والشام، كما فعلت فى "حملة نابليون"، وعندما وجدت
تركيا نفسها غارقة فى بحر ماله من قرار؛ استعانت بولاتها مثل "محمد على فى
مصر" لدرء هذه الأخطار؛ فاستعانت به فى "حرب المورة" التى احتلت
على غرارها القوات المصرية "جزيرة كريت"؛ ثم اخضاع المدن اليونانية، ولما رأت انجلترا ذلك تدخلت بأسطولها الضخم لتحطيم الأسطول
المصرى فى "معركة نفارين"، وعندما تمكنت القوات المصرية من هزيمة القوات
التركية، والوقوف على أبواب القسطنطينية وقفت لها انجلترا بالمرصاد؛ لاعادتها الى
مصر مرة أخرى، بعد أن استطاعت تأليب الدول الكبر ى عليها فى ذلك الوقت(روسيا –
النمسا – فرنسا - بروسيا)، وبعد هزيمة الأتراك أمامهم فى "موقعة نصبين"،
وموت "السلطان محمود" سنة 1839م..
أكرهت انجلترا مصر على ترك سوريا؛ بعد تهديدها
بضرب الإسكندرية، وإجبارها على التبعية لتركيا، وهذا ليس لسواد عيون تركيا، ولكن
لدورها فى صد القوات الروسية عن الشرق الأوسط، واقصاء روسيا عن هذه المنطقة..
ان سياسة انجلترا فى الشرق العربي قامت على المؤمرات الاستعمارية، وشراء الذمم بالأموال،
والتهديد باستخدام القوة، وبذر الفوضى، والاضطراب عن طريق جواسيسها، وعملائها(تعليق:
تقوم أمريكا – وريثة انجلترا فى الاستعمار – بنفس الدور الآن)، حتى انتهى الأمر
الى احتلالها لمصر، ثم انتهزت الفرصة بعد قيام الحرب العالمية الأولى، وانضمام
تركيا لألمانيا للانقضاض على ما تبقى للعثمانيين من بلاد الشرق بالاتفاق مع فرنسا،
فاحتلت الأخيرة سوريا، ولبنان بموجب اتفاقية "سايكس – بيكو" السرية التى
فضحتها "الثورة البلشفية"..
من هنا دعا "السطان عبد الحميد" الى
مشروع "الجامعة الاسلامية"، وجعل داعيته الأول "جمال الدين الأفغانى"
لراب صدوع دول الخلافة، بعد أن انهكت هذه الإمبراطورية قوى البلاد العربية،
وخلفتها على شفا الهاوية، وتركت فيها حزازات، وكلوما لاتندمل, وقلوبا تغلى بالحقد، والمرارة؛
فقد كان مركز الدولة الاسلامية "الحجاز"، "فالشام"، "فالعراق"،
"فمصر"، ثم "تركيا"، وقد اتخذت طابعا محليا فى تركيا، ومن هنا
كان ضعفها، وانتهزت الدول العربية الفرصة للافلات منها(تعليق: كانت هذه هى نقطة
الضعف عندما انتقلت الخلافة من العرب الى الاتراك الذين كانوا فقط محاربين، ولم
يكونوا سياسيين محنكين، أو لهم كياسة فى الحكم، واحتواء الشعوب حضاريا.. فلم يكن
وراءهم "تاريخ"، و"لاحضارة" مثل العرب.. "الدين
الاسلامى" فقط، وقد أخذوه أيضا من العرب)، وبالتدريج خفتت الدعوة الى الجامعة
الاسلامية، بعد ظهور الدعوة لحزب "تركيا الفتاة" الذى تحرك فى خط
التحرير من الارتباط بالعروبة (أصل الدين الاسلامى)..
ويقول الدكتور "يحيى عويس" فى نفس الكتاب:
قامت
التصرفات الاستعمارية على مبدأ سمو العنصر الأبيض، وتأخر العنصر الأسود، وقد
أطلقوا اصطلاح "الاهالى Natives" على أصحاب البلاد الأصلين كناية عن التأخر، والخضوع للسادة
الأوروبيين..
(تعليق:
الخوف كل الخوف عندما تطلق أوروبا- ثم أمريكا حاليا - شعارا من شعاراتها.. فعندما أطلقت
الثورة الفرنسية سنة 1789 شعارها المشهور "الحرية، المساواة، والإخاء"
احتلت مصر سنة 1789، وعندما أطلقت أمريكا الدعوة الى حق "تقرير المصير للشعوب"
سنة 1917 على لسان الرئيس الأمريكى "ولسن" قسمت الدول العربية بين فرنسا،
وبريطانيا بنظام مبتكر للاستعمار سموه "الانتداب"، وفى هذه الأيام قادت أمريكا
العالم تحت رئاسة "بوش الأب" نحو ما اسماه "بالنظام العالمي الجديد"
احتلت بعدها أفغانستان، والعراق فى ضربة واحدة، بعد أن ضربت العراق مرارا، وأوهنتها
اقتصاديا بالحصار، والمقاطعة، كما احتلت أفغانستان بعد أن ساعدتها على طرد الروس، ومن ثم انهيار روسيا، والبقية تأتى)..
ويقول الكاتب ان الاستعمار أطلق على "الثوار"
فى البلاد العربية التى أشرأبت الى التحرير من الاستعمار، وحق تقرير المصير بأنها
سلسلة من فوران "الشغب، والاضطرابات" التى تدفعها، وتحركها مصالح دول
معادية، وأقليات تسعى للاضرار بمصالح الأمة(تعليق: ويردد هذا الكلام الآن حكام دول
المنطقة، وكأنهم ربائب استعمارية)، كما كانت الدعاية الاستعمارية فيما بين الحربين
أن الفاشية الإيطالية، والنازية الالمانية ممثلة فى حكومات ايطاليا، والمانيا، ثم
روسيا الشيوعية بعد ذلك كانت القوة المحركة للاضطرابات، والحركات القومية المناهضة
للاستعمار فى الشرق الأوسط، فليس أخطر على الحياة العامة، وعلى سياسة الدولة،
ومصيرها من جهل قادتها، وسياسييها، وانشغال الأفراد بقضاياهم الخاصة، فقد سخر
الاستعمار عملاء من أفراد جعل منهم طبقة حاكمة تساندها وزارتا الاستعمار فى لندن،
وباريس، وهى قيادات طيعة لينة تخضع لما تمليه السياسة الاستعمارية..
حاولت حركة "تركيا الفتاة" ضم بعض
شباب العرب المتحمسين اليها قبل الحرب العالمية الأولى، وفى عام 1909 شعر قادة
تركيا الفتاة بما سموه خطر القومية العربية؛ فأصدروا أوامرهم بمنع تكون الجمعيات غير
التركية فى الدول العثمانية..
كان لانتشار الثقافة أكبر الأثر فى سرعة
انتشار الوعي، والنضوج السياسي، ومن الأدلة البينة على نشر الوعي القومي، والثقافة
السياسية بين أفراد الشعب العربي –فى الفترة ما بين 1904 حتى نشوب الحرب العالمية الأولى – ذلك الازدياد
الظاهر فى عدد من الجرائد، والمجلات فى الأقطار العربية المختلفة؛ ففي تلك الفترة
زاد ما نشر فى لبنان من 29 الى 168 جريدة،
ومجلة، وفى سوريا من 3 الى 87، وفى فلسطين من جريدة واحدة الى 31، وفى العراق من
جريدتين الى 70، وفى الحجاز من لا شيء الى 6، بالإضافة الى النشرات العديدة التى
كان يقوم باعدادها، ونشرها جماعة من المهاجرين العرب الذين فروا من الاضطهاد
التركى..
أنذرت فرنسا الملك "فيصل بن الحسين"
بالانسحاب فورا خلال 24 ساعة بعد أن كان قد انشأ حكومة عربية تحت لوائه فى سوريا، وبثت جنودها، وعملاءها لقمع حركة
الوطنيين، والمجاهدين السوريين، واستخدمت فرنسا كل الوسائل الوحشية لكبت روح
الكفاح الوطني، كما لجأ عملاء الاستعمار الى فرض اللغة الفرنسية فى المدارس إجباريا، وصودرت الصحافة الوطنية،
واعتقل الزعماء الوطنيون، وأعدم الكثير من المجاهدين، وذلك منذ الانتداب الفرنسي
حتى الاستقلال سنة 1945..
ضمت انجلترا العراق الى مستعمرات التاج البريطاني
لتقوم الثورة الوطنية فى30 يونيو سنة 1920، ولكنها لجأت للخداع على لسان "تشرشل"
من القاهرة فى مارس 1921 الذى أوهم فيصل بأن انجلترا سوف تقيمه ملكا على العراق
المستقلة، ولكنه حنث بوعده لفيصل، وبطش بشعبه؛ مما اضطر الى قبول الشروط
البريطانية لعلمه أن أمام العراق رحلة طويلة من المقاومة الوطنية للتخلص من
الاستعمار البريطاني، فقد كان الرجل الذي حارب
فى صفوف الجيش ضد الاستبداد، ووقف مدافعا عن حقوق العرب فى مؤتمر الصلح، ولكن
بعد هذا الرجل الذي ألهب الروح الوطنية بث الإنجليز عملاءهم، والموالين لهم،
مستغلين فى ذلك ذوى المصالح الشخصية، والإقطاعية لمساعدتها فى كبت الحركة الوطنية، والإطاحة بقادتها، فنشأ الخلاف بين الوطنين
المثقفين التقدميين، وبين الرجعيين المستفيدين من الأوضاع القائمة، علاوة على دس
انجلترا المؤامرات، والمخاوف ببث الشائعات عن طمع كل من مصر، والسعودية فى بسط نفوذ كل منهما على العراق، ولكن لم يخمد
ذلك الثورة فى نفوس العراقيين مثل "ثورة رشيد على الكيلانى"، والثورة ضد
"معاهدة بيفن- جيبر"، ثم الثورة الجامعة ضد "الحلف" التركي العراقي
البريطاني، وضد سياسة "نورى السعيد"، وأخيرا الإطاحة بالأسرة المالكة،
وحكومة نورى السعيد..
ولجأت السيطرة البريطانية فى الأردن الى العنف،
والقوة العسكرة المرابطة فى قلب هذا البلد الصغير لإقصاء الزعماء القوميين، وذلك
منذ إنشاء "إمارة شرق الأردن" تحت
الانتداب البريطاني، كما استخدموا سياسة "المعونة المالية"
البريطانية للأردن سلاحا لخنق الروح القومية فى البلاد مهددين دائما بقطعها،
واهلاك الشعب جوعا اذا ماقامت له قائمة، أو أبدى استياء من التصرفات الاستعمارية
البريطانية فى وجود "جلوب"، ومعاونيه ممن كانوا يتحكمون فى الجيش
الأردنى، وتسميم أفكار الشعب بشتى ألوان الدعاية الكاذبة، ولكن كان التحدى الشعبى
بطرد جلوب، وأذنابه..
عملت السياسة البريطانية، والفرنسية على اهمال
التعليم بوجه عام، والقضاء على التعليم الوطنى، ونشر الثقافة الاستعمارية فى
المدارس الأجنبية، فلم تنخفض نسبة الأمية فى العراق عن 95 %، وفى مصر 90 %، وفى
سوريا 80 %..
كان العرب فى ظل الاسلام لايعرفون أساسا تعدد
الجنسيات بمعناها القانونى، والسياسى الحديث؛ بل كانت قوميتهم(أو جنسيتهم) محكومة
بالشريعة الاسلامية، وبالمبادىء الانسانية التى أوجدتها تعاليم الاسلام، وكان فى
الشريعة الاسلامية مايكفى لتنظيم الناحية القانونية فى الحياة الاجتماعية، والعامة
للأفراد.. فالشريعة الاسلامية، والفقه الاسلامى فى لغة علم الاجتماع تجمع بين فكرة
القانون، وفكرة الدين فى الدولة الحديثة، ولم تكن التعاليم الاسلامية لتعرف، أو
تعترف بالفوارق السياسية، والعاطفية التى تحرك القومية المحلية كما شاهدناها فى
القرن العشرين، ولذا لم يكن الدولة الاسلامية الا قومية واحدة(أو بالمعنى الحديث
جنسية سياسية واحدة)، ومن هنا حرص الاستعمار على فكرة التقسيم، وتعدد
الجنسيات(بمعناها القانونى، والسياسى) بخلق جنسيات سياسية مختلفة، وذلك بتطبيق
الناحية الادراية لنظام الانتداب، وجعل من الحدود السياسية حدودا فاصلة بين الفرد،
والآخر لمجرد وجودهما فى أماكن تخضع لادارات، أو حكومات مختلفة..
وحتى فى ظل الامبراطورية العثمانية كان للعرب
جنسية سياسية واحدة هى الجنسية(أو الرعية) العثمانية، وليس ذلك من الناحية
القانونية فقط؛ أى كون العرب خاضعين لسلطة واحدة هى السلطة التركية،وانما لأن
العثمانيين أنفسهم دأبوا على استغلال فكرة القومية الموحدة فى الاسلام استغلالا
سيكلوجيا، وسياسيا لتثبت أركان حكمهم..
ولاينسينا هذا أنه منذ القرن الحادى عشر بدأت
تنتشر الامبراطورية العربية تيارات انفصالية بين آونة، وأخرى – أى انفصال عن سلطة
الخلافة – وكانت كلها تيارات تدفعها المصالح الفردية لولاية الأقاليم، كما كان يزيد
من حدتها نزعة "الأسرة الحاكمة" التى خلفت لنا مانعرفه من تاريخ الدولة
الاسلامية كالعباسية، والأموية، والفاطمية، وغيرها..
كان من آثار التقسيم السياسى، والادارى للعالم
العربى تعدد قوانين الجنسية.. فأصبحت وضعية مملاة من الخارج، بعد أن كانت خاضعة
للشريعة الاسلامية؛ فوضعت القوانين المتباينة لتحديد الجنسيات التى تبعتها الحدود
السياسية التى رسمها الاستعمار، وظلت السعودية هى الدولة الاسلامية الوحيدة التى
بقيت على نصوص الشريعة الاسلامية فى "قانون الجنسية الحجازية" الذى صدر
عام 1926 حيث نصث "المادة الرابعة" منه على جواز اعطاء الجنسية لكل مسلم
يقيم فى الحجاز 3 سنوات، كما نصت "المادة الخامسة" من نفس القانون على حق
الحكومة فى اعطاء الجنسية لكل مسلم ترى أنها تستفيد من خدماته..
ويعجب الكاتب من النفوذ الصهيونى فى صحافة
الدول بما أوتى من أموال، وموارد، وقدرة مالية تتحكم فى الصحف، وتحريرها، ويتساءل:
هل يقع الكتاب تحت ضغط الصهيونية فى بلد كالولايات المتحدة، ونقول: بل ويقع رئيس
الدولة.. فما بال الصحافة!ّ..
ثم يشرح الدكتور "ناصر الدين الأسد" فلسفة الاستعمار فى نفس الكتاب
بأن الاستعمار الأوروبى الحديث بدأ منذ أواخر القرن الخامس عشر الميلادي، ومطلع القرن
السادس عشر، وهو عصر الكشوف الجغرافية، حين امتلأ خيال أوروبا بسحر الشرق،
ولياليه، وبذخه؛ فشد إليه الرحالة المغامرون أشرعة مراكبهم ليروا بأعينهم ما
سمعوه، وينقلوا منه لبلادهم الحرير، والجواهر، والعطور، والبخور، والبهار،
والتوابل، وسائر أدوات الزينة، ووسائل الترف، واتجهت إليه أنظار الأمراء، والملوك
ليضيفوا الى أملا كهم بلادا جديدة, وساعدهم رجال الدين من المبشرين الذين ينشرون
تعاليم المسيح, ويشيعوا فى نفوس ساكنيها الطمأنينة لهؤلاء الوافدين عليهم, وكسب
ولاءهم، كانت الهند فى مهبط هذه الأحلام, ونظرا لمنعة الطرق اليها؛ اذ كانت تقع فى
حماية الدول الاسلامية مرهوبة الجانب حتى استطاعوا تجنب هذه الطرق باكتشاف طريق
"رأس الرجاء الصالح" حول أفريقيا, وبدأت دول البرتغال, وأسبانيا، تتبعها
انجلترا, وفرنسا, وهولندا، ثم بدأ "عصر الآلة", وما تبعه فى أوروبا من "انقلاب
صناعي", وفائض كبير يحتاج لأسواق خارجية، وما تحتاجه الصناعة من خامات, ومواد
أولية أكثر كثيرا مما هو موجود فى بلادهم, وتحت هذا الضغط كان لابد للوصول الى هذه
البلاد البعيدة من تقصير السبل اليها, ومن ثم احتلال سواحلها, ومن هنا بدأ النظر بإمعان
الى تلك البلاد التى تمر فيها الطرق القربية الى تلك السواحل, ومن ثم ذلك الثأر
القديم المتجدد بين هذا الوطن, وبين أوروبا الذى كان فى فورته ابان القرنين الحادي,
والثاني عشر الميلاديين..
بدأت فرنسا "بالحملة النابليونية"
على مصر سنة 1798م، ثم احتلت "الجزائر" سنة 1830م، ثم شقت "قناة
السويس" بعد ربع قرن من احتلال الجزائر، وهذه القناة كانت أول كسب يناله الاستعمار
الأوروبى فى وطننا العزيز، وذلك لهدفين: الأول: تقصير السبل الى المستعمرات الأوروبية
فى الشرق، والثانية: فصل الجناحين للنسر العربي الأيمن عن الأيسر؛ فاحتلت فرنسا "تونس"
1880م، كما احتلت انجلترا "مصر" سنة 1882، واحتلت فرنسا "مراكش"
سنة 1912م، وايطاليا "ليبيا" فى نفس السنة..
الغزو العلمي:
قامت طائفة منذ قرون فى أوروبا سميت "المستشرقين"
لدراسة أحوال بلاد الشرق من جميع النواحي، فعكف البعض منهم فى بلادهم يدرسون
كتبنا، وتاريخنا، ولغتنا، وأدبنا، وديننا، وفقهنا، ومجتمعنا، ووفد البعض الى
بلادنا بعدة طرق؛ اما قناصل لدى "الدولة العلية"، أو لدى "الدولة
العلوية" فى مصر خاصة، وإما سياحا معرضين أنفسهم لأخطر المهالك، والبعض أعلنوا
إسلامهم، وأقاموا بين ظهرانينا، وارتدى آخرون مسوح الرهبان، ورجال الدين فى الأديرة،
والكنائس فى بلادنا، وأنشأوا المدارس، والمستشفيات، والجمعيات الخيرية الطائفية..
درسنا هؤلاء دراسة دقيقة مستفيضة، فعرفوا
ماضينا، وحاضرنا ، وأثارنا، ونقوشنا، ومخطوطاتنا، ونقلوا مااستطاعوا أن ينالوا
بالسرقة، أو الاهداء، أو الشراء الى بلادهم، ووضعوها بين أيدى هؤلاء الذين بقوا فى بلادهم عاكفين على دراستها..
عرفوا طبقاتنا الاجتماعية، والاقتصادية، وطوائفنا
الدينية، وفرقنا المذهبية، ولهجاتنا المحلية، ثم درسوا أرضنا، وعرفوا طرق
مواصلاتنا، وثرواتنا الزراعية، والحيوانية، والمعدنية، وكتبوا التقارير، والكتب،
ووضعوها فى أيديهم، وبدلوا غزوهم الذى صرفنا همنا نحوه لمحاربته،واجلائه عن ديارنا،
ونسينا أن الغزو العسكري ليس غاية فى ذاتها، وإنما وسيلة لتحقيق أهداف الاستعمار
التى لو تحققت يجلو الجندي الغازي، ويبقى الغازي نفسه..
ولما كان الغزو العسكري ككيان مادى يثير
الضغينة، والحقد، ويدفع بالتالي الى المقاومة، والقتال مما يهدد المصالح
الاستعمارية؛ عمدوا الى القضاء على مقاومات البلاد، واقتطاعها من جذورها، وزرع
جذور أخرى من تربتهم يتعهدونها بالرعاية حتى تنمو نموا غير طبيعي لا يلبث أن يحتاج
الى علاج جديد، فتحقن صناعيا، وتطعم بالمستورد من الغذاء(تعليق: يعني أنه يزرع
مشكلة لاتمثل لنا أى مشقة؛ فنهرع اليهم من أجل الحل, فيبادروا بالحل الذى ماهو المشكلة
أخرى جديدة, وهكذا نظل فى دوران لانهائي فى فكلهم لتنتهي حياتنا بلا طائل, بعد
استنفاد طاقتنا, وجهدنا)..
عرف الاستعمار القوى الكامنة فى هذه الأمة
فقسمها دولا, ودويلات، جعل لكل منها حكومة تقيم الحواجز, والمتاريس، فلا ينتقل شعب
الى الآخر الا بجواز مرور، كما فرضت حظرا على تبادل السلع الا بالمكوس,
وسكت فى كل قطر عملة, ونقدا غير المجاور له, ومن ثم نشأ اقتصادا متميزا, وجندا
مستقلا, وألوانا من التعليم, والثقافة,
وجعلت فى كل قطر حكاما تحيطهم شلة من المنتفعين ارتبطت مصالحهم بالحفاظ على هذه الأوضاع..
بدأ المستشرقون بركام هائل من الدرسات, والمؤلفات
عن الدين الاسلامى أولا, بعد أن علموا أنه ركن أصيل من مقومات هذه الأمة, ملبسين هذا
كله ألوانا من العلمية الخادعة، بحثوا فى القرآن, وأخذوا منه المتشابه، والمنسوخ,
واستقصوا الأخبار الضعيفة, والرويات الشاذة, واتخذوا من المفردات قواعد, ومن الخبر
الخاص حكما عاما, وطرزوا أبحاثهم بدراسات مقارنة دينية, وتاريخية، ووشوها بدراسات سيكولوجية,
وبيولوجية, وجنسية عن حياة الرسول, والصحابة, وأصدروا فى ذلك كتبا، وأبحاثا ظاهرها
المنهج العملي السليم، والبحث الجامعي العميق، ودرسوها فى جامعاتهم مترجمة، وغير
مترجمة، وتلقفناها منهم مشدوهين مبهورين، وعملنا على نشرها، وإذاعتها، والافتتان
بها حتى سرت فينا سمومهم، وصرنا نفكر بعقولهم، ونبحث بطريقتهم، ونؤلف على غرارهم، حتى
اذا اطمأنوا؛ اختفوا، وصدورنا فى الميدان..
وكما فعلوا فى الدين الاسلامى فعلوا أيضا فى
اللغة العربية التى هى لغة الاسلام، والقرآن حتى بلغوا الخلاصة، وهى أن الأمة
العربية كانت جاهلة، بدائية، كانت تقيم فى الصحراء، اضطرت تحت وطأة الظروف الاقتصادية،
والاجتماعية الى غزو البلاد المجاورة بقوة السيف، واستعمارها، أما أدبها(اللغة
العربية) فهو سطحى، لاقيمة له، وهى لغة معقدة مختلفة،غير نامية، عاجزة عن مسايرة
ركب الحضارة، والحياة الحديثة، أما اللهجات المحلية العامية فهي تطور تام طبيعي
يجب أن يصبح لغة مكتوبة..
وحتى لا يكونوا مكشوفين، ومهاجمين فقد اقتضت
الحبكة التمثيلية توزيع الأدوار بحيث يصبح فريقا منهم منتصبا للدفاع عن العروبة، والاسلام،
ومخاصما لزملائه المهاجمين لزيادة القلق، واشاعة البلبة، والاضطراب، واكتساب
المعجبيين من العرب ذوات العقول المنبهرة، ولا مانع من بعض الأمجاد،والمآثر الخائبة
على نظام دس السم فى العسل، وذلك بنشر بعض المؤلفات العربية التى لا تتجاوز مؤلفات
المتصوفة من المنصرفين عن الدنيا، وكان نصيبنا من هذا كله ضحايا هذه الخطة
المحكمة، والمدروسة من خيرة مفكريها خلع ملابسهم، والقاء أنفسهم فى خضم الشك، والقلق،
والاضطراب الفكري انتهى بالبعض الى الجحود، والانكار، والكفر بهذه الأمة دينا، وماض،
ولغة، وتراثا، ومن بقى فى نفسه فضل من ايمان، واعتزاز خشى المجاهرة به حتى لا يوصف
بالرجعية، والتأخر،والجمود..
أما "حبيب
جاماتى" فهو يتحدث عن القومية العربية، والاستعمار الفرنسي فى نفس
الكتاب، ويرى أن عامل الدين كان هو السبب الأول فى انبعاث الحروب الصليبية، ويرى
أن عهد الاستعمار قد بزغ خلال القرن الثامن عشر الميلادي بعد أن فتحت أمام الغرب
سبل المواصلات مع الشرق، وزادت شهية الغربيين لالتهام الخيرات التى كانت من نصيب
الشرقيين فى ذلك الوقت، فوضعت الأمم الأوروبية إمكانياتها الحربية فى خدمة مطامعها
التجارية..
قام بونابرت بحملته على مصر سنة 1798م، وكانت
موجهة ضد تركيا فى الواقع، وضد الإنجليز
فى الخفاء الذين كانوا يسعون الى السيطرة على طريق الهند، حيث ثبتوا أقدامهم، وكانت
تلك الحملة فى نظر المؤرخين هى بدء الحروب الاستعمارية فى البلدان العربية التى
كانت لاتزال تابعة للإمبراطورية العثمانية؛ ففي مايو سنة 1798، أبحر نابليون من ثغر "طولون" متجها بجيشه نحو مصر،
بعد أن تبين أن الامبرطوريات الكبرى فى التاريخ لم تتحقق، وتكتمل عظمتها إلا
بالاستيلاء على مفاتيح الشرق الأوسط ، والشام؛ فكان هدفه الأول الاستيلاء على مصر
لشق قناة فى برزخ السويس لوصل البحرين الأبيض، والأحمر، وتمكين الأسطول الفرنسي من
التحكم فيهما، وطرد الإنجليز من الشرق، والاستيلاء على مصالحهم التجارية،
والسياسية فيه، وقد أرعبت الإنجليز هذه الخطوة كما أرعبها اتصاله ببعض أمراء الهند،
والجزيرة العربية، وأمير مسقط، فما كان من الإنجليز إلا الإسراع باحتلال المواقع
التى تتحكم فى المدخل الجنوبي للبحر الأحمر لأخذ الطريق على نابليون اذا أراد
التسلل جنوبا؛ فاحتلوا "جزيرة بريم" التى تتوسط تقريبا "مضيق باب
المندب"، واحتلوا الثغر اليمنى "عدن" سنة 1799، ثم فرضوا حمايتهم
على بعض المشيخات، وتسمى بالمحميات، واحتلوا "جزيرة موريس"
القاعدة الفرنسية الحربية على الطريق الى جنوب أفريقيا، وعقدوا معاهدتين بالضغط، والإرهاب
مع أمير مسقط سنة 1798، وسنة 1800 لغرض نزول القوات الإنجليزية فى مياه مسقط،
وموانيها على جانبى "خليج هرمز"، وحولوا الوكالات التجارية التابعة "لشركة
الهند" الى وكالات سياسية تتبع الحكومة الهندية ، كما أقاموا وكالة سياسية
لهم فى "بغداد" سنة 1798..
سقط نابليون،
وانهار عرشه بعد أن خرج من مصر، ورجعت مرة أخرى الى الدولة العثمانية، ثم تولى
الحكم فيها محمد على باشا، وأسرته من بعده، وعادت الملكية الى فرنسا، فراحت حاشية
الملك تبحث عن مشروعات يشغلون بها الرأى العام؛ فضلا عن القوات المسلحة، فلم يجدوا
سوى شن حروب استعمارية، وكسب ممتلكات فيما وراء البحار..
كانت الجزائر هى الهدف القريب منهم، والبعيد
فى نفس الوقت عن قلب الدولة العثمانية، وأقل مناعة فقرروا مهاجمتها
بافتعال حادثة تطاول فيها قنصل فرنسا فى الجزائر على حاكمها(تعليق: كان من أسباب
اختراق الدولة العثمانية قبولها نظام "القناصل" فى ممتلكاتها فضلا عن "الرحالة"،
و"الجواسيس" لو كانوا من أوروبا، وقاومت النوابغ من أهل البلاد)؛ فضرب
الحاكم بمنشة كان يحملها الأمير الذى تذرعت به فرنسا لإرسال حملة عسكرية لاحتلالها
بحجة غسل الإهانة(تعليق: ورد فى مذكرات "القنصل الأمريكى" فى ذلك الوقت
دوره الجاسوسي، والاستخباراتى فى مساعدة فرنسا بإطلاعها على النقط الضعيفة لجيش
الجزائر لتسهيل دخولهم اليها،واحتلالها)..
حدث هذا سنة 1830 خلال حكم الملك "لويس
فيليب"، وقد أحرز الفرنسيون سلسلة من الانتصارات بادىء الأمر، ولكن القبائل
العربية فى الجزائر وحدت كلمتها، وجمعت صفوفها بقيادة البطل الخالد الأمير "عبد
القادر بن محي الدين"؛ فاستمرت الحرب بين الوطنيين المجاهدين، والفرنسيين
المعتدين سنوات عديدة، ولم يكن الأمير عبد القادر يحارب باسم العثمانيين الذين لم
يحركوا ساكنا؛ بل بقوميته العربية؛ فهو أول زعيم عربي قاوم الاستعمار الغربى..
دارت مفاوضات بين محمد على باشا والى مصر، وصديقه
لويس فيليب ملك فرنسا فبيل احتلال الجزائر؛ بغرض التعاون بينهما فى عملية الاحتلال،
واقتسام الغنيمة، ولكن محمد على آثر الاتجاه شرقا لانتزاع سوريا من الترك لحسابه
الخاص بدلا من الزحف غربا للاشتراك مع فرنسا التى احتلت السواحل الجزائرية، ثم
واصلت التغلغل فى الداخل، وبعد منتصف قرن فرضت الحماية على تونس بموجب معاهدة سنة
1881، وذلك بعد خروج فرنسا مهزومة فى الحرب المشهورة سنة1870 مع المانيا، وكانت
كارثة على فرنسا خرجت منها مهيضة الجناح، مفلسة، فكان التعويض حملة استعمارية الى
الصين الهندية، ثم حملة أخرى الى البلاد التونسية..
لم
تكن فرنسا لتستطيع العمل وحدها فهي دولة، والغنائم كثيرة، ومثيرة؛ فتم الاتفاق مع
عدوتها اللدود انجلترا سنة 1904..
بعد هذه المعاهدة قسمت الغنائم، وتغاضى كل طرف
عن الآخر فيما أحرز منها، وبدأ الفرنسيون يتدخلون
فى شئون المغرب المستقلة، وتحول تدخلهم الى احتلال؛ أسفر عن معاهدة الحماية سنة
1912، وكان لاتفاقية 1904 ذيول، وتوابع؛ فقد قامت "الثورة العربية"
الكبرى على الدولة العثمانية بقيادة شريف مكة "الحسين بن على" الهامشي
سنة 1916، بموجب مفاوضات مع الشريف حسين بلسان عميدهم فى مصر "مكماهون"
فى أوائل الحرب العالمية الأولى، فحالف الإنجليز العرب، وحالفهم الفرنسيون أيضا، ولكن
الحلفاء خانوا العرب، واقتسموا بلادهم بعد أن تعهدوا بأن يساعدوهم فى جعلها دولة
مستقلة، وفى سنة 1917 جاء الإنجليز
باليهود، وأحلوهم مكانهم فى فلسطين بحجة إنشاء وطن قومي لهم عملا "بوعد بلفور"،
واحتلت فرنسا سوريا، ولبنان سنة 1919..
وكتب الأستاذ "عبد
المنعم خلاف" عن القومية العربية، والاستعمار الانجليزى فى نفس
الكتاب:
اجتاحت موجة المد الاستعمارى التى غمرت الشرق،
وقضت على الإمبراطوريات الاسلامية الثلاث الأخيرة، وهى إمبراطورية "المغول"
فى الهند، والإمبراطورية "الفارسية" فى هضبة إيران، والإمبراطورية "العثمانية"
فى أوروبا، والشرق الأدنى، والشمال الأفريقى؛ فعوقت النمو الطبيعي للحضارة فى
الشرق، وقضت على علامات الشرف، وحرمة المواثيق، ونبل الفروسية، وقيم الأخلاق، ورأت
بها الأقوام المتخلفة وجه المنية الغربى فى إطار فى الجفاف الروحي، والفساد الخلقي،
واشاعة الشهوة، والجريمة، والاغتصاب فنفرت منه، واستعصمت بفطرتها، وبساطتها(تعليق:
انفتح المجتمع العربى الآن على وسائل معيشة، وأنماط من الاستهلاك السلعى جاءت مع
رجوع الرأسمالية مرة أخرى الى المجتمعات العربية، الاسلامية دون تأهيلها للاشتراك
الفعلى فى انتاج هذه السلع، فجعلوا دورها لايتخطى الاستهلاك، واستنزاف أكبر، وأكبر
للثروات، والاحتياطيات لشراء هذه الرفاهية، وهو ما يعتبر من مساؤى النظام الرأسمالى
ذو السوق المفتوح، مع عدم وجود ضوابط أخلاقية أو حتى نمطية تحكم هذا السعار للمال؛
فأصبح كل شىء يباع، ويشترى؛ حتى الإنسان، وقيمه)، وكان الادعاء الاستعمارى هو
الرسالة التاريخية التى قام بها الرجل الأبيض للتمدين، وإنهاض الأجناس
"المتخلفة"، ولكن هو بناء الإمبراطوريات بالغدر، والتخفي، والانقضاض على
أرض المسالمين، الآمنين فى القرن الخامس عشر..
وما لعدوان الثلاثي سنة 1956 إلا حلقة من هذه
الحلقات من أجل قناة السويس، وهى الشريان الأكبر الذى طالما أدى خدمات للمستعمرين،
وجنايات على شعوب الشرق، وعلى النقيض حمل العرب رسالتهم فى قوافلهم، وجيوشهم
البرية، والبحرية الى الشرق، والغرب، وأسسوا دولا، ومراكز إشعاعية، وتجارية
لثقافتهم، ورسالتهم، ونشاطهم الاقتصادي، وغيروا وجه الأرض بهداية الدين، وتمدين
العلم، وعملية الخلط، والمزج بين الحضارات، والأجناس..
أخذ الأسبانيون، والبرتغال علوم العرب البحرية
بعد أن أصاب العرب داء الأقوام؛ وهو الفرقة، والترف، وصاروا بها يبحثون عن طرق
ملاحية جديدة غير تلك الطرق التى تمر ببلاد العرب، والمسلمين ليصلوا بها الى مصادر
تجارة الشرق؛ فاتجه الأسبان الى اقتحام المحيط الاطلسى(بحر الظلمات) سنة 1492، وبادر
"كولومبس" بالاتجاه غربا للوصول الى الهند، والشرق اقتناعا "بكروية
الأرض" التى أخذها عن جغرافي العرب بالأندلس، وصقلية..
واتجه البرتغاليون سنة 1497 نحو الشرق، والهند
عن طريق الالتفاف حول أفريقيا – رأس الرجاء الصالح – على يد "فاسكو دى جاما"،
فأثارت هذه الاكتشافات شهية أوروبا؛ فابتدأت القرصنة، وتحولت الى عمليات مشروعة
مبررة، وغزوات مدروسة منظمة، فتأسست "الشركات التجارية" مدفوعة بتعليلات
اقتصادية، ودينية، وجنسية اتخذها الرجل الابيض ذريعة للاستعمار الحديث..
فكما استفاد الغرب من الغرب الاسلامى، وصقلية؛
استفاد منه أيضا فى الشرق عبر الحروب الصليبية متزودا بتجارب، ومعارف، ومعلومات
وافية من ثروات، وامكانيات، مادية، وبشرية كانت هى الأشعة الأولى من فجر نهضته..
كان الملك "هنرى الثامن" أول من بنى
لهم أسطولا كان أداة مجدهم، وشجعت الملكة "اليصابات" حركات قراصنتهم،
ومغامريهم، فصاروا يتتبعون سفن الدول التى تقدمت عنهم فى هذا المضمار مثل البرتغال،
وأسبانيا، وهولندا، ويعتدون عليها، وعلى مراكزهم التجارية حتى أسسوا "شركة
الهند الشرقية" سنة 1601، وفى سنة 1607 حصلت هذه الشركة على تصريح من امبرطور
المسلمين فى الهند بإقامة وكالة لها على "ثغر سورات" على الساحل الشمالى
الغربى للهند، وما زالوا كذلك يعقدون المعاهدات مع المغول، والامارات الهندوكية،
والاسلامية حتى تحول النفوذ التجارى الى نفوذ سياسى، ودخلت الهند فى طورها السياسى،
والعسكرى سنة 1784 بعد أن انتهت حرب "الاستقلال الامريكية" بهزيمة
انجلترا، وبدخول الهند فى حوزة الانجليز تقرر مصير البلاد العربية، والاسلامية التي
تقع على الطريق إليها، وكانت الإمبراطوريتان العثمانية، والفارسية المسلمتين هما أكبر
تهديد لسيطرة الانجليز على الهند بقوتهما، وباتجاه مسلمي الهند نحو الخلافة الإسلامية
فى تركيا، فعملت على تطويق الامبراطوريتين عبر الخليج العربي، أو الفارسي باستغلال
الظروف، وأعراض الانحلال فى هاتين الإمبراطوريتين، وإقصاء كل نفوذ أوروبى أخر..
يرجع نفوذ الانجليز فى العراق الى سنة 1763
حين استعان أحد ولاة الأتراك فى بغداد بسفن وكالة الشركة الإنجليزية فى البصرة لإخضاع
القبائل الجنوبية التي تقوم بقطع طريق التجارة بين البصرة، وبغداد، ومن هنا
العلاقة بين الانجليز، وهؤلاء الولاة حتى صار لهم رأى مسموع فى تعيين هؤلاء
الولاة، وصارت لهم مصالح، وحقوق فى حماية زوار المزارت المقدسة من الهنود، والإشراف
على توزيع ريع الأوقاف المحبوسة على هذه المزرات، وحماية التجار، وشركات الملاحة
الداخلية التي أسسوها لنقل التجارة والبريد فى دجلة، والفرات..
شجع الاقتحام النابليوني لقلب الدولة
العثمانية فى مصر انجلترا على التسلل إليها عبر أسطولهم الى رشيد سنة 1807 للاستيلاء
عليها، والانحدار منها الى الداخل، ولكن فشلت الحملة بفضل المقاومة المصرية الشرسة
فى رشيد؛ ومن هنا كانت هاتين الحملتين ايذانا باختراق الامبرطورية العثمانية،
واختبار قوتها، وسرعو انقضاضها؛ فبدأت الدولتان العمل على تفكيكها بتحرير الأجزاء الأوروبية
المسيحية من سلطانها، وتشجيع حركاتها الاستقلالية، وكذا الاستيلاء على بعض الأطراف
الإسلامية النائية منها..
ربط الانجليز امارتى "قطر"، و"البحرين"
بمعاهدات سنة 1820 تدرجوا بها كالعادة؛ حتى أصبح لا يبت فى أمر داخلي لهما بدون العرض
على "المعتمد البريطاني" فى الخليج..
استلقت "اليونان" سنة 1829، و"الصرب"
داخليا فى نفس السنة، واحتلت فرنسا الجزائر سنة 1830م، واستقلت ولايتا "ملدافيه"
، و"لاشيه – رومانيا – داخليا سنة 1856، واستقلت الصرب تماما سنة 1878، و"كريت"
سنة 1896, واحتلت فرنسا تونس سنة 1881, وانجلترا مصر سنة 1882, وفرض الانجليز
معاهدة على سلطان "مسقط" سنة 1891, وسنة 1892 عقدوا معاهدات مع مشيخات
الخليج الفارسى, وإماراته لنفس الغرض الاحتكاري تجاريا, وسياسيا لقطع الطريق على أى
قوى أخرى، كما عقدوا معاهدة مع "الكويت" سنة 1899 كالمعاهدات السابقة مع
شيوخ "ساحل القرصان"، وسمى منذ ذلك الحين "ساحل الصلح"، ثم
ثبت مركزهم بالكويت نهائيا سنة 1901 باعتراف الأتراك, فأنشأوا بها وكالة سياسة سنه
1914، لعبت دورا خطيرا فى الدعاية لهم جنوب العراق..
وعند احتلالهم مصر بالقوة, والدس, والخيانة,
والتفريق, والرشوة وقعت كبرى كوارث العالم الاسلامى بالاستعمار؛ كما عبر عن ذلك
المصلحان الثائران "جمال الدين الأفغانى", و"محمد عبده",
فصارت القاهرة دار المعتمد السامي البريطاني مكانا لإثارة السخط بين العرب، والعرب,
والأتراك، والعرب ضد حركة "التتريك" والتي كان لها أكبر الأثر فى "حديث
الاستطلاع" بين "عبد الله بن الحسين", واللورد "كتشنر"
فى أغسطس سنة 1914, ثم "حديث التفاهم" بين "الشريف حسين",
والجنرال "هنرى مكماهون" المعتمد البريطاني فى القاهرة سنة 1915 على
مصير العرب باقامه "مملكة عربية" بعد طرد الأتراك, وخلع ولاءهم الديني، والسياسي
لخليفتهم، ودولته أعقبه اتفاق "سايكس – بيكو" سنة 1916, وإعطاء "وعد
لليهود" باقامة وطن قومي لهم فى فلسطين لإسكان يهود العالم، وتشريد العرب..
تأكد للعرب بعد ذلك ان هذه "غزوة صليبية
جديدة" استخدموا فيها ضد دولة الخلافه الإسلامية؛ بعد أن أذاع الجنرال اللنبى
عند دخوله القدس منشورا أعلن فيه "نهاية الحروب الصليبية", كما صرح
الجنرال "غورو" قائد قوات الاحتلال الفرنسي لسوريا؛ وهو يضع قدمه على
مقدمة قبر صلاح الدين بدمشق قائلا:"هاقد عدنا يا صلاح الدين"..
قامت
الثورات فى الوطن العربي فى مصر سنة 1919, وعندما تخلى الانجليز عن فيصل بن الحسين
فى سورية بسماحها لفرنسا باحتلال سوريا بمقتضى "اتفاق سان ريمو" فى 25 أبريل
سنة 1920 خرجت بقايا جيش فيصل فى سوريا بقيادة البطل "يوسف العظمة" لملاقاة
الفرنسيين فى "وقعة ميسلون" بقيادة الجنرال غورو, ودار القتال حتى
استشهد البطل, وأكثر رفاقه فى 24 يوليو 1921, وكانت هذه الموقعة بعد اعلان أئمة
الدين الجهاد فى يوليو سنه 1920, ولم تهدأ النفوس الا بعد تنصيب "فيصل الأول"
على عرش العراق؛ بعد أن أخرجه الفرنسيون من سوريا، فتولى فيها الادارة بدلا من إنجلترا
الذين حكموها حكما مباشرا, ثم مقنعا بالمستشارين..
وقع أول اضطراب بفلسطين التي انقلب فيها الاحتفال
"بموسم النبي موسى" فى القدس (4 - 8 أبريل سنة 1820) الى مصادمات بين
العرب, اليهود, والإنجليز بعد أن أعلن حاكمها العسكري "بولز" عزم الحكومة
الإنجليزية قبول "الانتداب" على فلسطين بما فيه من إجراءات لتنفيذ وعد
بلفور للصهيونيين..
تتابعت الثورات فى هذا الوقت كثورة "الهند",
و"آيرلندا", و"تركيا الكمالية", وثورة "الريف المراكشى"
بقيادة البطل الأمير "عبد الكريم الخطابي"؛ اضطر الانجليز الى التقهقر
بالمفاوضات, والمؤتمرات, والاتفاقات؛ فكانت المعاهدة مع العراق سنة 1930, ومصر سنه
1936, وشرق الأردن سنة 1928, وخرجت فرنسا من سوريا ,ولبنان سنة 1946 تحت الضغط الدولي
متمثلا فى "مجلس الأمن"؛ بعد أن ضرب الفرنسيون أهالى دمشق، وحمص، وحماة
بالقنابل، وتسليط نيران المدافع على دار "المجلس النيابي" بدمشق سنة
1945..
قام الانجليز بدور الستار "للوكالة
اليهودية" فى تنفيذ أوامرها، وخططها الرامية الى تهويد فلسطين، وطرد العرب,
وجلب اليهود, وذلك باللجان, والوعود, والمؤتمرات, وقمع الثورات بالفرق الإرهابية
المسلحة، والدفاع عنهم فى منظمات الأمم المتحدة, وحتى يغطوا انسحابهم, وتسليمهم
فلسطين لليهود؛ دفعوا بالقضية الى الأمم المتحدة لتدويلها, وإحراج العرب؛ فصدر "قرار
التقسيم" فى نوفمبر سنة 1947, وفى 14 مايو سنة 1948 أنهى الانجليز انتدابهم
على فلسطين ليعلن اليهود قيام دولتهم فى اليوم الثاني مباشرة؛ بعد أن عملوا على
توطيدها بالإرهاب؛ كما حدث فى مذبحة "دير ياسين" التي قتلوا فيها 250
نسمة, ومثلوا بجثثهم فى 10 ابريل 1948, و"بقرية ناصر الدين" التي أحرقوها،
وقتلوا جميع سكانها تحت سمع, ونظر البريطانيين؛ مما اضطر "الجامعة العربية"
الى الإسراع بنجدة عرب فلسطين، وإقرار الأمن بإرسال "الجيوش العربية"
للاشتباك مع القوات الصهيونية فى معارك 1948, ثم إقرار "الهدنة" سنة
1949 بضغط من الأمم المتحدة , كما عملوا بعد ذلك على التمكين لليهود فى فلسطين؛
بفرض "قيود التسليح" على العرب بموجب التصريح المشترك الصادر من أمريكا,
وانجلترا, وفرنسا سنة 1950 ليضمنوا تفوق إسرائيل العسكر، وقد ظهر البترول فى بلاد
العرب لتكتمل مأساة المطامع؛ فالبترول عصب الصناعة, والقوة العسكرية، والصهيونية
مالكه بيوت التحويل, والتصنيع, والصحافة, والتجارة, والإرهاب؛ اضافة الى سلطانها الروحي
على بعض العقول, والقلوب باستغلال بعض الأساطير..
ويقول "عبد
القادر حاتم" عن القومية العربية فى الميزان:
أم مصالح الاستعمار فى الشرق الأوسط ليست
استراتيجية، أو حيوية؛ بل مسألة حياة، أو موت، ولا خيار؛ فقد شاهد العالم نتائج إغلاق
قناة السويس على كبرى الدولتين الاستعماريتين بريطانيا، وفرنسا؛ إذ أفلستا
اقتصاديا، وتوقفت مصانعهما, وغدت مدنها مهجورة؛ فضلا عن العاصمتين الكبيرتين بعد أن
تعطلت السيارات، وكاد البرد يقضى على أهلها (تعليق: حدث هذا أيضا شتاء سنة 1973
حينما منع العرب البترول عن أمريكا، وأوروبا بقيادة الملك "فيصل بن سعود")..
حاول الاستعمار أن يخلق لنفسه جيلا من أبناء
المنطقة يتشربون ثقافته حتى يتحولوا عن مصالح بلادهم..
أما "أنور الجمل"
فيتحدث عن القومية العربية، وإسرائيل، وعن الادعاءات الاستعمارية فى النفوذ،
والسيطرة، والحرب، والدمار للعباد من أجل نشر الديمقراطية، والحرية، والسلام(تعليق:
وهكذا تطلع علينا أمريكا هذه الأيام بنفس البضاعة القديمة وماأشبه الليلة بالبارحة)،
ولم يكن وعد بلفور ثمنا للجهود المبالغ فيها التى بذلها اليهود فى الولايات
المتحدة لتدخل الحرب الى جانب الحلفاء؛ فلم تكن المصالح الحقيقية للولايات المتحدة
خاضعة للصهيونية العالمية فى ذلك الوقت؛ بدليل ماكان من معارضة كثير من اليهود فى
انجلترا، وأمريكا "لفكرة الوطن القومى" اليهودى خشية أن يفقدهم مالهم من
امتيازات, وحقوق, ومصالح فى البلاد التى يقيمون فيها، كما لم يكن وعد بلفور ثمنا
لمساهمة اليهود فى الحرب بأموالهم؛ بسبب أن أكبر عدد منهم كانوا من اليهود
المعارضين لفكرة الوطن القومى، وهذه الدعايات هى التى عمل اليهود على نشرها،
والترويج لها..
الجمعة، 1 مارس 2013
الأحزاب المصرية قبل ثورة يوليو 1952
المدخل:
- قام نظام المجتمع المصري قبل الثورة
على النموذج الديمقراطي الغربى، بما يتضمنه من وجود ملك، ووزارة، وبرلمان، وأحزاب
سياسية مختلفة..
- بعد الغاء الثورة للأحزاب قامت بانشاء
"هيئة التحرير"، مرورا "بالاتحاد القومي"، وصولا إلى "الاتحاد
الاشتراكي" لتجنب الفراغ السياسي في المجتمع..
- مرت الحياة الحزبية في مصر قبل إلغائها
عام 1953 بتجربتين انتهت أولاهما بإعلان "الحماية البريطانية" على
البلاد، مع قيام الحرب العالمية الاولى عام 1914، وبدأت ثانيتهما مع ثورة 1919..
- كان ظهور جماعة الأخوان، وانتشارها
بمثابة البديل الاسلامى لفكرة الجامعة الإسلامية، والتي تمثلت من خلال الدعوة إليها
منذ سقوط الخلافة العثمانية، خاصة إذ لم تتجاوز الفترة بين سقوط الخلافة، وظهور
الجماعة خمس سنوات(1923- 1928).. فلم تخل من محاولة قام بها الملك فؤاد وأفسدها
"الشيخ على عبد الرازق" بكتابة الشهير "الاسلام وأصول الحكم"عام
1926..
- تتميز المرحلة الأولى بظاهرة
"تحزيب الصحف", بينما تتميز الثانية "بتصحيف الأحزاب"..
وتتعدد معايير التصنيف الحزبي، وأشهرها يعتمد على الحجم، والنوع، أو تقسيمها
حسب فهم هذه الأحزاب لحركة التاريخ، وموقفها منه؛ فالأحزاب المحافظة توضع في
"اليمين"، وتلك التي تستوعب الواقع، وتتحرك في إطاره "بالوسط"،
أما هذه الرؤية المستقبلية التى تتماشى مع فهم حركة التاريخ، وتعمل على دفع عجلة
الحياة الوطنية نحو هذا المستقبل "باليسار"..
التجربة
الأولى(1907- 1914):
الحزب الوطني:
مفهوم الحزب، أى الحزب؛ مجموعة من الرجال اتفقوا على مبدأ يحققون من خلاله
المصلحة الوطنية..
أو مجموعة منظمة من أشخاص؛ تسعى للاستيلاء على السلطة، لتجنى ثمار هذا
الاستيلاء..
أو تحالف مجموعة من المصالح لفئة، أو لفئات اجتماعية معينة..
أما مقومات تشكيل حزب حقيقي:
1- وجود "هيكل حزبي"..
2- توفر
"برنامج" معروف أو "فلسفة " معينة على الأقل..
والمقصود بالهيكل هنا تنظيم كوادر الحزب، ابتداء من قاعدته إلى قمته،
فالقاعدة تضم جميع أعضاء الحزب الذين يجب أن يتوفر لهم الايمان بالأهداف الموضوعة،
والانتماء التنظيمي من خلال اشتراك مالي، وإسهام في نشاط الحزب، ومن هؤلاء تنبثق
القيادة..
يأتى بعد ذلك البرنامج بالنسبة للأحزاب المشتغلة بالقضية الوطنية، والفلسفة
بالنسبة للجماعات، والأحزاب ذات الهويات العقائدية، وبدون هذا البرنامج يتحول موقف
المجموعة إلى شكل هرمي يصعب معه تحديد مكانتها السياسية، وموقفها الحزبي .
أما عن الحزب الوطني؛ فقد اصطلح المؤخرون على تسميته "بالحزب الوطني
القديم" إبان "الثورة العرابية", لكن "الحزب الوطني الثاني"
بزعامة "مصطفى كامل" فقد تأسس أولا عام 1893 على شكل جمعية سرية في
صالون "لطيف باشا سليم" أحد الضباط العرابيين، ورجل من رجال الحزب الوطني
القديم؛ الا أنه لم يتخذ الشكل الحزبي
المطلوب من حيث الهيكل، أو البرنامج قبل عام 1907م..
قامت الحملة في صحفية "اللواء" بطبعتيه الانجليزية، والفرنسية،
والطبعة الأصلية على يد مصطفى كامل مؤسس الحزب, وبإلقاء الخطب؛ ثم تبع ذلك تشكيل
"لجنة مؤقتة" للتحضير لاجتماع "الجمعية العمومة" للحزب, ووضع
لائحة له لعرضها على هذه الجمعية في 27 ديسمبر, وتكون أول هيكل للحزب, وقد اتخذ
الشكل الهرمي المعروف في الأحزاب الديمقراطية التى تبدأ من القاعدة ليتدرج إلى
القمة, تمثلت القاعدة في "الجمعية العمومية" التي تتكون من مجموع أعضائه
العاملين، يجتمعون مرة في شهر ديسمبر من كل عام تحت اسم "المؤتمر الوطني"
لانتخاب "اللجنة الإدارية"، والموافقة على ميزانية الحزب, وأعماله،
وتقديم المقترحات، وطرح المشروعات..
تنبثق من اللجنة الادرية التي تتكون من 30 عضوا بخلاف الرئيس, وتجتمع مرة
كل شهر للنظر في أمور الحزب, وتراجع ميزانيته، أو تنظر في طلبات العضوية الجديدة..
ويصل التشكيل الهرمي إلى قمته "اللجنة التنفيذية" للحزب التي
تتكون من ثمانية أعضاء تنتخبهم اللجنة الادرية بخلاف الرئيس؛ منهم نائبان للرئيس,
وسكرتير, وأمين صندوق, وتجتمع هذه اللجنة مرة على الأقل كل أسبوع لتصريف أمور
الحزب, ثم أدخلت على تلك اللائحة عدة تغييرات بعد أن توفى رئيس الحزب بعد شهرين من
تكوينه..
صحافة الحزب :
-"اللواء".. صدرت في مطلع عام 1900 قبل تأسيس الحزب بثماني
سنوات, وأصبحت الممثل الوحيد للحزب, وكانت أوسع الصحف انتشارا, ويأتى بعدها صحيفة
"المؤيد"؛ هذا عدا النسخة الانجلزية، والفرنسية, ثم لسان حال
الحزب إلى صحيفة "العلم" بعد الخلاف الذي حدث بين زعيم الحزب الجديد
"محمد فريد"، وورثة مصطفى كامل، على أنه لم يمنع من أن تكون احدى صحف
الحزب..
-"الدستور".. صحيفة
يومية صدرت في 16 نوفمبر سنة 1907, رأس
تحريرها "محمد فريد وجدي"، وتوقفت في 9 ديسمبر 1909 لأسباب مالية..
-"القطرالمصرى".. صدرت في 24 أبريل 1908 كمجلة
أسبوعية, وتحولت في 16 أكتوبر إلى جريدة أسبوعية, صاحبها، ورئيس تحريرها "أحمد
حلمي" منعت من الصدور في يناير 1910, وكان أحمد حلمى ثاني شخصية في اللواء, وأول
صحفي يسجن بتهمة العيب في الأسرة الحاكمة..
-"وادى النيل"..
صحيفة الحزب في الإسكندرية؛ أصدرها في 2 مايو 1908, وأغلقت في 7 أبريل سنة
1912..
-"ضياء الشرق".. أصدرها "محمود حسيب" في
يوم صدور وادى النيل؛ لم تتجاوز 36 يوما بسبب
محاكاة اللواء..
-"مصر الفتاة".. أصدرها
عدد من المحررين في ديسمبر من عام 1908؛
رأس تحريرها "سيد على"؛ وأغلقت بقرار حكومي عام 1911..
-"البلاغ المصري".. صاحبها "إسماعيل شيمي بك" أحد أقطاب
الحزب صدرت في 9 يوليو 1910 بالعربية، والفرنسية تحت اسم " "la depeche egyptien، ونظرا لتطرفها بالنسبة لموقفها من الاحتلال، أو الخديوي
أغلقت بقرار من ناظر الداخلية في مطلع عام 1911..
وقد تأثر الحزب بثلاث
حوادث على جانب كبير من الأهمية:
1. حلول سياسة الوفاق بين الخديوي "عباس الثاني"،
والمعتمد البريطاني الجديد في القاهرة السير "دون جورست" مما أدى إلى
وحدة السلطة ضد الحركة الوطنية..
2.
وفاة مؤسس
الحزب في فبراير 1908 أى بعد مرور شهرين
من تأسيس الحزب..
3. حدوث "انقلاب دستوري" في تركيا في يوليو من
نفس السنة أطاحت بنظام حكم السلطان "عبد الحميد الثاني" الاستبدادي..
ونتيجة لمناؤة الحزب
للسلطة، والتعريض لها، واستقطابه مجموعات من الطلاب، والعمال أدى إلى مواجهة مع
السلطة ما حدا بالسلطة الى ضرب الحزب، فلقي
زعماء الحزب عنتا شديدا من وراء هذه القوانين تمثل في إصدار أحكام مختلفة ضد
زعمائه؛ كان منها الحكم بسجن "محمد فريد" سنة، مع الشغل سنة 1912 غير أن
الرجل خرج من البلاد قبل صدور الحكم، وبهذا انتهت زعامة الحزب إلى المنفى، وتحولت
قاعدته إلى العمل السري، مما ينهى هذه المرحلة من مراحل نشاطه الوطني..
أحزاب الأقلية:
يمكن تقسيم الأحزاب التي اشتغلت بالقضية الوطنية خلال تلك الفترة إلى ثلاثة
أقسام؛ يضم كل منها حزبين:
القسم الأول:
1- حزب الأمة..
2- حزب الإصلاح على المبادى الدستورية..
القسم الثاني
:
1.
حزب النبلاء..
2.
الحزب المصري..
ويمثل كلاهما عصبية
جنسية، أو دينية..
القسم الثالث:
1.
حزب الأحرار..
2.
الحزب
الدستورى..
حزبا سلطة شديدا
الهامشية..
أولا- حزب الأمة:
في أغسطس 1906 تكونت "الجمعية العمومية لشركة جديدة"، وقد بلغ أعضاء
الجمعية 60 عضوا؛ زادوا إلى 113 تم
اختيارهم بعناية فائقة؛ روعي فيها أن يكونوا جميعهم من الأثرياء، وذي المراكز
العليا في البلاد، وعددا كبيرا منهم من أعضاء "مجلس شورى القوانين"، ثم
اثنين منهم من كبار رجال كل مديرية لضمان انتشار الجريدة، وأفكارها في أنحاء
البلاد..
وفى مارس من العام التالي صدرت الجريدة، ثم تحولت شركة الجريدة الى "حزب الأمة" في سبتمبر 1907 وتم
اختيار "محمود باشا سليمان" رئيسا، و"حسن باشا عبد الرازق"، و"على
باشا شعراوى" وكيليـــــــــن، و"أحمد لطفي السيد" سكرتيرا دائما،
وكانت سياسة الحزب تعتمد على المطالبة بالاستقلال قبل الدستور، ويعتبر الحزب ممثلا
لتيار "القومية المصرية" الخالصة
دون خلطها بالمفاهيم الإسلامية، وما يتصل بذلك من روابط خاصة بدولة الخلافة في
استنبول..
وكانت "الجريدة" لسان حال الحزب، ورأس تحريرها أحمد لطفي السيد
منذ صدورها في مارس 1907، وكانت في حال اعتدال بالنسبة للسلطة، بينما روجت للأفكار
التي كانت منتشرة في العالم آنذاك "كالاشتراكية"، وغيرها، كما تصدرت
الجريدة لبعض المشاكل الاجتماعية مثل قضية "حرية المرأة" حين كانت
الصحيفة، ودارها، وهى أيضا دار الحزب ملتقى لسماع أول خطبة تلقيها امرأة في تاريخ
مصر الحديث, وهى خطبة "ملك حفني ناصف" المعروفة بباحثة البادية..
ثانيا- حزب الإصلاح على المبادىء
الدستورية:
رأس الخديوي "عباس الثاني" الجمعية السرية التي تأسست عام 1894 والتي
انبثق منها "الحزب الوطني"، وظن أنه سيفرض نوعا من الوصاية على الحزب
برعايته لمصطفى كامل، وجماعة الوطنيين الذين التفوا حوله، بيد أن العلاقة بين
مصطفى كامل، والخديوي شحبت خلال النصف الثاني من عام 1907 حين حفلت "جريدة
المؤيد" جريدة القصر باتهامات لمصطفى كامل بالغرور، والتهور..
على ضوء ذلك
كان ايعاز الخديوى للشيخ "على يوسف" صاحب المؤيد بإنشاء الحزب برئاسته،
ووكيلين هما "حسن رفقي باشا"، و"أحمد حشمت باشا"، بالاضافة إلى
12 عضوا؛ أغلبهم من الباكوات، والباشاوات
ذوو العلاقة الطيبة مع القصر..
وتقوم مبادىء
الحزب على تأييد سلطة الخديوي، وقد التزمت المؤيد بذلك، واختار الخديوي أحمد حشمت
باشا وزيرا في الوزارة التي ألفها "بطرس باشا غالى" سنة 1908؛ كما ناصرت الجريدة الخط الاسلامى من خلال نقل أخبار
العالم الاسلامى، والدولة العثمانية..
ثالثا- حزب
النبلاء:
اصطدم الحزب الوطني
بالأرستقراطية التركية، والشراكسة عام 1908 بقيادة محمد فريد وهى العناصر التى
كونت حزب برئاسة "حسن حلمي زادة ابن على حلمي باشا" العضو الوطني لمصلحة
"الدومين" الذي كان من رجال الحكومة التركية، وسكرتارية "محمود
طاهر حقي"، ولم يكن للحزب هيكلا لعدم وجود أعضاء، وعدم وجود برنامج إلا البيانات
التي كانت تصدر في "جريدة الوطن"..
رابعا- الحزب المصري:
في 2 سبتمبر عام 1908 نشر
"اخنوخ فانوس" المحامى مشروع تأسيس ما أسماه "بالحزب الوطني"،
وقد مثل هذا الحزب فكر "الأقلية القبطية" في مصر نفورا من "الاتجاه
الاسلامى" الحاد للحزب الوطني؛ خاصة بعد وفاة مصطفى كامل، ورئاسة الشيخ "عبد
العزيز جاويش" لتحرير اللواء، وبعد أن رفضت الجريدة نشر بعض ردودهم على حمله
الشيخ جاويش على ضوء هذا انسحاب الأقباط من عضوية الحزب الوطني؛ فأعلن أخنوخ فانوس قيام الحزب..
وقد غالى الحزب في الاتجاه المصري، والعلماني في مقابل الاتجاه الاسلامى
القائم، وتضمن برنامجه فصل الدين عن السياسة، والمساواة في الحقوق العمومية لسكان
القطر بلا تمييز بسبب الجنس، والدين؛ بيد أن الحزب تميز باعتدال موقفه من الاحتلال،
والقبول بفكرة تمثيل أجنبى بمصر؛ وبالرغم
من ذلك لم يعثر للحزب على هيكل محدد، أو نشاط يمثل تطبيق برنامجه المطروح في الصحيفتين القبطتين الموجودتين آنذاك؛ وهما
"مصر"، و"الوطن"، ولم تتحول احداهما إلى جريدة للحزب..
خامسا- حزب الأحرار:
بعد حملة اللواء على التقرير السنوي الذي يرفعه المعتمد البريطاني "لورد
كرومر 1907" بالقاهرة إلى حكومته عن حالة مصر، وماليتها، وادارتها نشر
"محمد بك وحيد" في "البروجريه" مقالا يهاجم فيه مصطفى كامل،
وجماعته فأيده "محمد بك نشأت" بمقال نشره "بالمقطم" الجريدة
الاحتلالية، وكان هذا المقال هو نقطة لقاء الرجلين في يونيه؛ وتكوين ما أسمياه
"بالحزب الوطني الحر"، ثم تغير إلى "حزب الأحرار" في 26 يوليو
1907، ويعتبر أول الأحزاب في مصر من الناحية الزمنية، ونشر الحزب مبادئة الذي
يبالغ فيها بالمسالمة الكاملة للمحتلين، والدعوة الى بقائهم في البلاد بغرض
الاستفادة منهم..
صدر للحزب
جريدة "الأحرار" الناطقة باسمه، وهو الوحيد في الأحزاب الصغيرة الذي استطاع
ذلك في مارس 1908؛ ولكنها لم تكن منتظمة حتى أغلقت عام 1910 حيث حوكم رئيس الحزب
محمد وحيد بك، وسجن لمدة شهرين؛ وبذلك أغلق الحزب أيضا..
سادسا- الحزب الدستوري:
أعلن قيامه
"إدريس بك راغب" أحد ثراة المصريين في 9 فبراير عام 1910، ولم يعلن له
برنامجا، وإنما قدم خطة أتضح منها أنه كان حزب سلطة أينما كانت سواء خديوية، أو
احتلال، أو دولة عثمانية؛ فهو للجميع تحت دعوى الاعتدال، والنظرة المتدرجة، وتجنب
الغلو، والتطرف، ولم يتميز للحزب هيكلا، أو نشاطا؛ فضلا عن صحيفة تعبر عن أرائه،
وخططه..
الأحزاب الأيديولوجية:
تتميز باعتناق
"فكر" معين، أو "فلسفة" سياسية، أو اجتماعية، أو اقتصادية لا
تتعامل مع الواقع، والوضع القائم بقدر ما تتعامل مع المستقبل، وطرح البديل الذي
تؤمن به، وقد تمثل ذلك في حزبين من أحزاب تلك الفترة:
أولا- الحزب الجمهوري..
ثانيا- الحزب الاشتراكي المبارك..
أولا- الحزب الجمهوري:
تكون هذا الحزب من مجموعة من المثقفين المتأثرين
بالثقافة الفرنسية متخذين شعار الثورة الفرنسية(حرية – إخاء – مساواة) شعارا
لحزبهم، كما شاركوا بحزبهم في احتفالات الجالية الفرنسية بعيدها الوطني فى14 يوليو،
وقد اختار هؤلاء صحيفة "الأخبار" في ديسمبر 1907 التي كان يصدرها "أمين
الخازن" السوري الجنسية، وكانت ذات نزعات تحررية، وكذلك الترويج للمذاهب المتطرفة،
والمعاداة للخديوي، لنشر أفكارهم التقدمية عن "الجمهورية" كبديل "للنظام
الخديوي"، ويرون أن تدرج الامة الطبيعي يمر بثلاث مراحل الأولى: هي الدستور،
والثانية: الاستقلال التام، والثالثة: إعلان الجمهورية، كما عادى الجمهوريون نظام حكم محمد على، وهاجموه
هو، وأسرته غير أن الجريدة تخوفت من أفكارهم التقدمية؛ فاتجهوا إلى جريدة "الأحرار"
التي اشتهرت بمهاجمه الخديوي عباس غير أن الجمهوريين كانوا يهاجمون الإنجليز أيضا أصدقاء
"وحيد بك" رئيس التحرير؛ فأغلقها دونهم في أواخر 1908..
وعلى الرغم مما
أثارت هذه الحملة من مناقشات على ساحات الصحف العربية، والأجنبية مما لفت إليها أنظار
عدد كبير من المصريين بقيادة "محمد غانم" مؤسس الحزب، واستمالة بعض أنصار
الأحزاب الأخرى إليه؛ إلا أنه لم يعرف له هيكلا محددا لقلة أعضائه الذين لم يعرف
منهم سوى خمسة أسماء على الأكثر، ولعدم استساغة الجماهير العريضة لفكرة الجمهورية
فى ذلك الوقت..
ثانيا- الحزب الاشتراكي المبارك:
تسرب الفكر الاشتراكي
الي مصر من خلال مسارب ثلاثة:
1. مجموعة المثقفين المصريين التي روجت "الجريدة"
أفكارهم رغم أنها كانت صحيفة كبار الملاك؛ إلا أنها تعبر عن فكر النخبة في السياسة
المصرية، وعلى رأسهم "أحمد لطفي السيد"، و"محمد حسين هيكل"، و"سلامة موسى"، وكانوا يسمون
الاشتراكية، والشيوعية آنذاك "بالكومونية"..
2. الصحفيون السوريون في مصر تجنبا لاتجاهات السياسة
المصرية، والقائمون عليها في ذلك الوقت فاتجهوا إلى الكتابة في الموضوعات المذهبية،
وقد تمثل ذلك في "مجلة المقتطف"التي ضمت "شبلي شميل"،
وتلاميذه، وكذلك جريدة الأخبار" التي حررها "توفيق حبيب"، و"نقولا
حداد"..
3. المعركة النقابية للعمال الأوروبيين الموجودين بمصر فيما
بينهم، وبين أصحاب العمل، وانتقال ذلك لزملائهم المصريين..
نتيجة لذلك أسس الدكتور
"حسن جمال الدين" حزبا يدعو للفكر الاشتراكي، ووضع برنامجه؛ إلا أن هذا
البرنامج كان منصبا أساسا على الريف، والفلاحين تجاه كبار الملاك، وقد كان الإهمال
الاعلامى، وعدم الإقبال على الحزب من الأسباب التي أدت لاندثاره..
التجربة
الثانية(1919 – 1953):
حزب الوفد:
يمثل "الوفد" أهم الأحزاب السياسية التي
عرفتها مصر على امتداد تاريخها السياسي الحديث؛ وذلك للأسباب التالية:
1. حصوله على أغلبية مقاعد البرلمان في أى انتخابات حرة..
2. تأليف العديد من الحكومات دون الائتلاف مع أحزاب أخرى؛ ففي
خلال ربع قرن(27- 1952) هو عمر رئاسة "النحاس باشا" للوفد تولى 7 وزارات
ضمن 38 وزارة، 3 منها مؤتلفة..
3. بالنسبة للقضية الوطنية، والوجود الاستعماري البريطاني الذي
لعب فيها الوفد دورا هاما سلم البريطانيون بأن الوفد هو الممثل الحقيقي للشعب المصري؛
مما بدا في بعض الأحيان من رفضهم ابرام أى معاهدة مع أى حزب سوى الوفد، كما حدث في
"مفاوضات 1936"، وكذلك إجبارهم "الملك" في 4 فبراير 1942 على
تشكيل وزارة إبان احتدام القتال خلال "الحرب العالمية الثانية"، والحاجة
إلى قوة سياسية تستطيع تجميع الشعب المصري، ووقف تدهور الجبهة الداخلية..
تأسيس الوفد:
بعد لقاء 13
نوفمبر سنة 1918 بين "سعد زغلول"، و"عبد العزيز فهمي"، و"على شعراوى"، وبين السير "ونجت"
المندوب السامي البريطاني في مصر الذي طالب فيه الثلاثة بالاستقلال بيد أن المندوب
السامي تعجب من ذلك وتساءل:
-"كيف يتحدث رجال عن أمر أمة بأسرها دون أن يوجد ما
يخولهم هذا الحق".. فاجتمع سعد بصحبه للتشاور، وقرروا تأليف ما يسمى "الوفد
المصري" على أن تحصل هذه الهيئة على توكيلات تخولها صفة تمثيل الامة..
وتألف الوفد
على مرحلتين الأولى في 13 نوفمبر حين ضم 7 أعضاء جميعهم فيما عدا "لطفي السيد"
من أعضاء "الجمعية التشريعية", 5 من أعضاء "حزب الأمة"، أو
المتعاطفين معه, 2 من "الحزب الوطني"، والثانية اتسع فيها نطاق الوفد؛ إذ
ضم عددا من رجال الوفد الذي كان قد شكله آنذاك الأمير "عمر طوسون"،
وعددا أخر من أقباط مصر لتمثل شطري الأمة، ولم تكن الهيئة الوفدية على هذا الشكل
تمثل حزبا؛ بيد أن هذه الهيئة كانت الشرارة التي فجرت ثورة 1919، وبدأ ميلاد الحزب
بعدها..
وقد استأثر
رئيس الحزب في ذلك الوقت بسلطات تفوق كثيرا ما تقرر في قانون الوفد؛ وذلك لقيادة
الثورة، والشعبية الهائلة التي تمتع بها، وقد ورث النحاس هذه الصلاحيات..
كما ظهرت
شخصيات بارزة في سكرتارية الحزب لعبت أدوارا هامة في تاريخ الحزب، وتاريخ الوطن مثل
"عبد الرحمن فهمي"، و"مصطفى النحاس" أيام رئاسة سعد، ثم "مكرم عبيد"، و"فؤاد سراج
لدين" أيام رئاسة النحاس..
وقد تفرع عن
الحزب بعد ثورة 19 جهازا سريا نظرا لظروف الثورة ارتبط باسم "عبد الرحمن فهمي"،
وجماعة(أصحاب القمصان الزرقاء)، وهى ميليشيا لمواجهة ما لجأ إليه خصومه في الثلاثينات من استقطاب
للشباب المصري في جماعة شبه عسكرية هي جماعة( القمصان الخضراء)، أو جماعة( مصر
الفتاة)..
وقد ركزت
القضية الوطنية خلال تلك الفترة على مطلبين:
1. الجلاء العسكري البريطاني..
2. الوحدة مع السودان(وحدة وادى النيل)، وقد مرت هذه القضية
بثلاث مراحل يتضح من سردها موقف الوفد من كل منها:
الأولى: تمتد بين تأسيس الحزب في
23 نوفمبر 1918، حتى تصريح 8 فبراير 1922..
- ثورة 19 وإجبار الإنجليز على التخلي عن سياستهم بابقاء
مصر محمية بريطانية..
- مقاطعه لجنة اللورد "ملنر"، وإجبارها على
التفاوض معه وحده برئاسة سعد زغلول..
على الرغم من
افتقاد سعد للصفة الرسمية؛ فلم يكن في الحكم عام 1920، وقد فشلت هذه المفاوضات..
الثانية: تمتد حتى عام 1936 من خلال خمس جولات للمفاوضات،
2 منها انفرد بهما الوفد, 2 منها كان طرفا أساسيا بها، ولم يشترك في واحدة فقط..
- الجولة الأولى: مفاوضات سعد – مكونالد 1924..
- الجولة الثانية: مفاوضات النحاس – هندرسون عام 1930..
- الجولة الثالثة: حين كان طرفا أساسيا في مفاوضات ثروت –
تشمبرلين 1927 برعاية سعد..
- الجولة الرابعة: مفاوضات 1936 التي مثل الجانب المصري
فيها جبهة وطنية من زعماء الأحزاب، وبعض المستقلين يرأسهم النحاس باشا..
- والجولة الخامسة: لم يشترك فيها، وهي مفاوضات محمد
محمود – هندرسون 1929..
هذا غير الصدام
بين الحزب، والإنجليز، وأشهرها حادث اغتيال "السير لي ستاك" حاكم عام
السودان، وقائد الجيش المصري تقدم على أثره الإنجليز بإنذار إلى سعد زغلول أدى إلى
إسقاط حكومته عام 1924، وهى أول وزارة شكلها الوفد المعروفة "بالوزارة
الشعبية" 1924 برئاسة سعد زغلول..
الثالثة: بين معاهدة 36، وسقوط الوزارة النحاسية فى
يناير عام 1952..
- قامت حكومة الوفد في أكتوبر 1951 بإلغاء معاهدة 1936، واتفاقيتي
السودان عام 1899..
الوفد في الحكم:
- صدور دستور 1923..
- اشترك في ثلاث وزارات ائتلافية بين عامى 26, 1928 هي
وزارات "عدلي يكن"، و"عبد الخالق ثروت"، و مصطفى النحاس"
على التوالي..
- شكل النحاس الوزارة الثانية في أول يناير 1930 استقالت
في يونيه 1930 فشل مفاوضات النحاس –
هندرسون..
- شكل الوفد وزارته الثالثة في أوائل مايو 1936(عقد
المعاهدة)، وأعاد تشكيلها في أغسطس من العام التالي بمناسبة تولية "الملك
فاروق" لسلطاته الدستورية، وأقالها
الملك في 30 ديسمبر 1937..
- وزارة 4 فبراير 1942، واستمرت حتى 26 مايو حين أراد
النحاس إخراج "مكرم عبيد"، وأعاد تشكيلها مرة أخرى، واستمرت حتى 8 أكتوبر
1944(أقالها فاروق)..
- شارك في وزارة" حسين سرى"(26 يوليو 1949)..
- وزارة الوفد في 12 يناير ،1950 حتى 27 يناير 1952(أقالها
فاروق في أعقاب حريق القاهرة)..
صحافه الوفد:
-"الأخبار" – "أمين الرفاعى"..
- "وادى النيل" – بالإسكندرية..
- "النظام" – "سيد على" صحفي
الحزب الوطني القديم..
- "الأهالى" – "عبد القادر حمزة"..
- "المنبر" – "أحمد حافظ عوض"..
-"البلاغ" 1923 – عبد القادر حمزة بعد توقف الأهالى..
- "كوكب الشرق" 1924 – أحمد حافظ عوض
بعد توقف المنبر..
- "الجهاد" – "توفيق دياب"..
- "الوفد المصري" 1938..
- "المصري"(1936 – 1954) – "محمود
أبو الفتح"..
- مجلة "روزاليوسف"- صدرت عام 1925
لصاحبتها السيدة "فاطمة اليوسف".. - - مجلة "أخر ساعة"
لصاحبها محمد التابعي، صدرت عام 1934، وانضمت لدار "أخبار اليوم"..
وقد تمتع الوفد تحت رئاسة سعد زغلول بتبعية
بعض الصحف الأجنبية، خاصة الفرنسية:
-"الليبرتيه" 15 سبتمبر 1922 – "لميون
كاسترو"..
-"الريفيو
اجيبسيان"(نفس الوقت) – "جورج روماني"..
-"لبوار"
في عهد وزارة "زيور"(1925 – 1926) 8 ديسمبر 1925- الآنسة "منيرة
ثابت", "جورج فوشيه"..
الأحزاب المنشقة:
حدثت انشقاقات
عن الوفد أدى بعضها إلى تكوين ثلاثة أحزاب جديدة:
أولا: الأحرار الدستوريين 1922..
ثانيا: الهيئة السعدية 1938..
ثالثا: الكتلة الوفدية 1942..
بينما لم يؤد البعض إلى تكوين أحزاب جديدة كالذي
حدث عام 1932 المعروفة بانشقاق "السبعة والنصف"..
أولا- الأحرار الدستوريين:
شبت بوادر
الخلاف فى الحزب بين سعد، وعدلي يكن أثناء "مفاوضات لورد ملنر" صيف عام
1920، فقد رأى سعد رفض المشروع، والعودة إلى مصر لمتابعة الجهاد؛ بينما رأى عدلي،
وحوله أعضاء حزب الأمة القدامى أن الأمة لا تقوى على متابعة المعارضة، والمقاومة،
والتزم جانب الاعتدال خاصة بعد أن كون عدلي يكن الوزارة فى مارس 1921، واستعد لترأس
المفاوضات بينه، وبين "كيرزون" التي فشلت، وأعلن بعدها تصريح 28 فبراير
1922 من جانب واحد؛ احتفظت فيه انجلترا ببعض الامتياز، وانقسمت الأمة حول مؤيد،
ورافض، بيد أن المؤيد تكفل بوضع "دستور جديد"، ودخل صراع آخر مع الملك
حول تحديد سلطاته فى الدستور، وانقسم الحزب إلى "سعديين"، و"عدليين"..
تكون بناء على
ذلك الحزب فى 29 أكتوبر 1922 برئاسة عدلي يكن، وانضم فى عضويته أعضاء "لجنة الدستور"، وآخرون من ذوى النفوذ من بينهم "مدحت باشا
يكن"، و"محمد باشا محمود"، وجماعة من الشبان أمثال الدكتور "حافظ
عفيفي"، وكل من "دسوقي بك أباظة"، و"أحمد بك عبد الغفار"،
وغيرهم ،كما جمع أعضاء حزب الأمة القديم من كبار المصريين، وأبنائهم، وذويهم،
وفريق من المثقفين المتحررين، والأعيان، وترأس الحزب بعد ذلك عبد العزيز فهمي،
ومحمد محمود الذي تولى الوزارة أكثر من مرة، وقام بتعطيل الدستور من خلال "القبضة
الحديدية" 1928 – 1929، ثم رأس الحزب
الدكتور "محمد حسين هيكل"، وقد مثل الحزب جانب المعارضة فى البرلمان؛ خاصة
فى عهد الوفد، وقد مثلت الحزب بأعضائه البارزين فى المجتمع المصري "جريدة
السياسة" التي ترأس تحريرها
الدكتور هيكل، وقادت المعارك السياسية، والفكرية منها معركة كتاب "الاسلام
وأصول الحكم" للشيخ على عبد الرازق..
ثانيا- الهيئة السعدية:
بعد أن تولى
الملك فاروق سلطته الدستورية فى 29 يوليو 1937 كان على الوزارة الوفدية القائمة أن
تعيد تشكيلها طبقا للدستور؛ فانتهز النحاس الفرصة للتخلص من عدد من أعضاء الوزارة
السابقة على رأسهم "محمود فهمي النقراشي" وزير المواصلات الذي كان على
خلاف مع النحاس حول الاستثناءات التي قررت الوزارة منحها لبعض أنصارها، وإسناد
مشروع كهربه خزان أسوان لبعض الشركات الأجنبية دون دراسة كافية، وحول فهم كل منهما
لمعاهدة 36 الذي رأس النحاس تنفيذها، بينما رأى النقراشي أنها ليست إلا خطوة
للتخلص النهائي من الوجود الأجنبى، وانتهى الأمر عندما وجه النقراشي "بيانا
سياسيا" إلى الأمة فى 13 سبتمبر 1937 أعلن فيه خروجه عن الزعامة الوفدية؛ فرد
الوفد ببيان فى 13 سبتمبر باعتبار النقراشي منفصلا عن الوفد، ولم يمض وقت طويل حتى
لحق به صديق عمره الدكتور "أحمد ماهر" رئيس مجلس النواب الوفدي؛ فتكونت
الهيئة السعدية فى مستهل عام 1938 من عدد من الوفدين المنشقين عن النحاس، واختاروا
الدكتور أحمد ماهر رئيسا لهم..
وفى الفترة من
44 – 1949 تولى رئيس الهيئة السعدية خمس وزارات، وزارتان لأحمد ماهر، ووزارتان
لمحمود فهمي النقراشي، ووزارة لإبراهيم عبد الهادي، وقد فقد الحزب زعيميه أثناء توليهما
الوزارة؛ فاغتيل أحمد ماهر فى البرلمان فى 24 فبراير1945، واغتيل محمود فهمي النقراشي
فى 28 ديسمبر 1948..
- لجأ النقراشي لهيئة "الأمم المتحدة" عام
1947؛ ولم يأت بنتيجة تذكر..
- دخلت مصر "حرب فلسطين" فى عهد وزارة النقراشي
الثانية، ولم تكن مستعدة لها بدرجه كافية..
- لم تتمكن الهيئة من امتلاك صحافة قوية تنطق باسمها سوى
صحيفة "الأساس" وهى من أضعف الصحف الحزبية بالرغم من أنها
استكتبت عددا من كبار الكتاب منهم "عباس محمود العقاد" ذو الشهرة الأدبية
العريضة، وساندتها جريدة "أخبار
اليوم" منذ صدورها فى نوفمبر 1944..
ثالثا- الكتلة
الوفدية:
تأسس الحزب
نتيجة للخلاف بين مصطفى باشا النحاس رئيس الوفد، والزعيم الجليل، ومكرم عبيد باشا
سكرتير الوفد، والمجاهد الكبير غير أن الإجماع على أن الخلاف كان نتيجة الصراع بين
مكرم من ناحية، والسيدة "زينب الوكيل"حرم النحاس باشا للسيطرة على زعيم
الوفد تعددت به الروايات وهناك عاملان آخران:
أولهما.. هو دخول عناصر جديدة فى الوفد لها طموحها السياسي العريض على رأسها
"فؤاد سرج الدين"، وكانت تطمع فى ارث مكانة مكرم عبيد عند النحاس، وبذا
اتفقت الأهداف بين هؤلاء، وبين السيدة زينب الوكيل..
والأمر الثاني هو خروج النقراشي من الوزارة، وانتهاز أعداء مكرم فرصة
الخلاف بينه، وبين النقراشى، كذلك تربص الملك، ورئيس ديوانه "أحمد حسين
باشا" بالوفد خاصة بعد فرضه عليه فى حادث 4 فبراير الشهير، وكان ميدان الصراع
هو الاستثناءات التي لم يوافق عليها مكرم عبيد بصفته رئيسا للمالية فى الوزارة..
بناء عليه
تقدم 14 نائبا، وثلاثة شيوخ من الهيئة البرلمانية للوفد باستقالتهم فى مذكرة
مشهورة، شكلوا بعدها "الكتلة الوفدية" برئاسة مكرم عبيد مع آخرين فصلهم
الوفد، والهدف من هذه الكتلة هي الاحتفاظ بالوفدية الأصلية، والاستمساك بمبادىء
الوفد الخالدة..
تقدم عدد من
هؤلاء المنشقين إلى الملك فى مارس 1943 بما عرف "بالكتاب الأسود" ضد
الوفد، وحكومته أدى إلى اعتقال مكرم عبيد
من جانب الوفد، ورئيسه ذى الصلاحيات العسكرية، والسلطات المدنية الأخرى..
لذا فقد اكتسب
هذا الحزب دائما حتى من خلال ممارساته السياسية، ووجوده فى السلطة الصفة الشخصية
حتى دعاهم الإنجليز "بالمكرميين" فى وثائقهم السرية بيد أن بعض عناصر الكتلة
النشطة مثل "جلال الحمامصى" قد انفصل عنها بعد انتهاء حدة الخصومة بين
مكرم، والنحاس عام 1946..
وشارك الحزب
فى وزارات أحمد ماهر، والنقراشي فى الفترة بين أكتوبر 1944، وفبراير 1946، وقد أصدر
صحيفة "الكتلة" عام 1944..
الأحزاب
الملكية:
عرفت فى عهد
الملك فؤاد:
أولا: حزب الاتحاد 1925..
ثانيا: حزب الشعب 1930..
السبب فى هذه التسمية هي أن كلا الحزبين تشكلا
أساسا من رجال موالين للملك، وقد نشأ فى أحضان وزارات ملكية، كما ارتبطا بتجربة سيطرة القصر على الحكم..
أولا- حزب
الاتحاد:
أدت استقالة
وزارة سعد زغلول باشا فى نوفمبر1924 اثر الإنذار الموجه من "اللورد اللنبى"
إلى إطلاق يد الملك فى تشكيل الوزارة الجديدة، واتخاذ كافة التدابير لإضعاف الوفد،
والقضاء عليه؛ فحل الملك "مجلس النواب"، وكان من المقرر تكوين حزب يدخل
به أنصار الملك الانتخابات الجديدة؛ فظهر "حزب الاتحاد" فى 10 يناير
1925، وهو ماأسماه سعد "حزب الشيطان"،
وقد انضم إليه كل من استقال من الوفد..
صدرت صحيفة
جديدة تعبر عن الحزب الجديد برئاسة "عبد الحليم البيلى" النائب الوفدي
السابق، كما انضمت إلى الحزب جريدة "الشعب المصري" بالإسكندرية، و"الليبرتيه" الناطقة بلسان
الوفد آنذاك..
ودخل "الوزارة
الزيوارية" بالاشتراك مع "الأحرار الدستوريين" برئاسة "يحيى إبراهيم"
رئيس الحزب، وثلاثة من كبار أعضائه، وظل يتقلص فى السلطة بعد انتهائه كحزب نيابي
حتى مثله وزيرا واحدا فى وزارة "حسين سرى" من نوفمبر 1940 الى يوليو 1941..
ثانيا- حزب الشعب:
من خلال تجربة
الحكم الثانية للقصر حاول فيها الاستفادة من كافه أخطاء التجربة الأولى، وكان أهمها
على السواء النوافذ الديمقراطية الكثيرة لدستور 23؛ والتي استطاع الوفد من خلالها إثبات
شعبيته، وتوطيدها فكان لابد من وجود دستور يحد من هذه الشعبية وهو "دستور صدقي
30"، وعليه النزول لانتخابات البرلمان بحزب جديد هو "حزب الشعب" برئاسة
"إسماعيل صدقي" باشا فى 17 نوفمبر 1930، وإصدار جريدة أسماها "الشعب"
خاصة أن هذه الانتخابات قاطعها الحزبان الكبيران فى أنحاء القطر، وهما الوفد،
والأحرار الدستوريين، وكانت للحزب الأغلبية البرلمانية؛ بيد أنها كانت المرة الأولى،
والأخيرة؛ سيما بعد سقوط صدقي، وعودة العمل بدستور 1923 آواخر عام 1935، وقد اشترك الحزب مع "حزب الاتحاد" فى
وزارتى صدقي الأولى، والثانية التي استأثر بها وحده، وكان "محمد زكى عبد
القادر" أحد محرري جريدة الحزب شاهدا على الصدام الذي حدث بين صدقي، والملك، وإبعاده
عن الحزب بعد سقوط وزارته الثانية فى سبتمبر 1933، وتشكيل وزارة "عبد الفتاح
يحيى"، وبعدها لم تقم للحزب قائمة..
الحزب الوطني خلال التجربة الثانية:
نستطيع هنا أن
نرصد حركة الحزب، ودوره فى الفترة الثانية من فترات العمل السياسي بمصر حيث اتسمت
الفترة الثانية بتغيير الأرض التي يقف عليها الحزب، خاصة بعد وفاة زعيمه محمد فريد
بأوروبا عام 1919، وقد ارتكزت الأرض الاولى على ثلاث ركائز أساسية هي:
1. عدم الاعتراف بشرعية الاحتلال البريطاني، والحماية..
2. العمل على دولية القضية المصرية، والتمسك بالجامعة الإسلامية،
والخلافة العثمانية..
3. عدم الاعتراف بغير الخديوي عباس الثاني حاكما شرعيا
للبلاد اعتمادا على تحسن العلاقة بين الحزب، وبين عباس الثاني، ورفض الاعتراف بحكم
"السطان حسين كامل"، وبعده "السلطان فؤاد الأول"(الملك فؤاد
منذ عام 1922) ،لأن معنى الاعتراف بهذا الحكم هو اعتراف بالحماية، وماتفرضه من
حكام..
ولاشك أن هذه الركائز قد تغيرت جذريا بعد
الحرب العالمية الأولى، وكان لابد أن يستغرق الحزب فترة انتقال امتدت أربع سنوات(1919-
1923)..
- بدأ نشاط الحزب أوائل عام 1920 من خلال صحيفتين
صغيرتين هما "المحروسة"
بالقاهرة "، و "الأمة" بالإسكندرية..
- يتسع هذا النشاط عام 1921 بصحيفة "اللواء المصري"
الذي رأس تحريرها "حافظ بك رمضان" عضو اللجنة الإدارية للحزب، وتعطلت ستة
شهور لتجاهلها حق سيادة عظمة السلطان..
- فى أواخر عام 1922 تم دعوة عدد من رجال الحزب إلى
تركيا للتباحث معهم فى مسألة تمثيل مصر فى "مؤتمر السلام" الذي عقد
العام التالي فى "لوزان"، والتقوا بأوروبا مع إتباع سعد زغلول حيث شكلوا
"الوفد المصري"، وفى فندق "الاكسلسيور"
بروما أصدر الوافدان ما أسمياه "بالميثاق الوطني" فى 14 نوفمبر عام 1922..
- فى 8 مايو عام 1923 اجتمع 17 من أعضاء اللجنة الإدارية،
وقاموا بانتخاب "حافظ بك رمضان" رئيسا للحزب ومن هنا كان تغير اتجاه
الحزب من إنهاء روابطه الخارجية مع الكماليين "بتركيا"، والخديوي السابق،
واعترف رئيسه بالولاء للملك فؤاد، ثم الملك فاروق بعد ذلك..
- دخل الحزب السلطة، وشارك فى عدد كبير من الوزارات من
باب الولاء للملك فى تلك الفترة فاشترك حافظ رمضان فى وزارة "محمد محمود 1938"،
و"حسن صبري 1940"، و"أحمد ماهر، والنقراشي 1944- 1945"، كما
شارك وزيران من الحزب فى وزارة "حسين سرى(يوليو – نوفمبر 1949)" هما "محمد
زكى على", و"عبد الرحمن الرفاعى" ..
- وكان دخول الحزب البرلمان من باب الشخصيات المرموقة فى
المجتمع، والتي كانت عماد الحزب فهناك "عبد الرحمن الرافعى",و"فكري
أباظة", و"مصطفى مرعى"، و"عبد
الحميد سعيد"، و"نور الدين طراف"، و"محمد محمود جلال"،
كما ساهم "إحسان عبد القدوس" فى تحرير جريدته..
- افتقد الحزب القواعد الجماهيرية العريضة خلال الفترة
الثانية، ولذا فقد لجأ إلى محاولات استقطاب للشباب خلال الثلاثينات، والأربعينيات.
ففي أواخر عام
1923 ظهر تيار شبابي قوى معاد للإنجليز، وأسلوب الوفد عرف باسم جماعة "القمصان
الخضراء"، أو "مصر الفتاة" بزعامة "أحمد حسين"، و"فتحي رضوان" اللذين وجدا من "جمعية
الشبان المسلمين" بالحزب مكانا يمارسا فيه نشاطهما..
وفى أواخر
الحرب العالمية الثانية انفصل فتحي رضوان، وعدد من شباب مصر الفتاة، وانضم اليهم
نور الدين طراف، وانضموا جميعا للحزب الوطني، وقد أصدرت هذه المجموعة الشبابية صحيفة
"اللواء الجديد"التي رأس تحريرها "فتحي رضوان"، وكونوا "اللجنة
العليا لشباب الحزب الوطني" الذين قادوا الإثارة السياسية؛ بالاشتراك مع جماعة
"مصر الفتاة"، و"الأخوان المسلمين" حتى مطلع عام 1952..
الأحزاب
.. والجماعات الإيديولوجية:
يمكننا تمييز
ثلاث ظواهر بشأن هذه الجماعات:
1. بقاؤها خارج السلطة، والبرلمان بخلاف "إبراهيم شكري"(الحزب
الاشتراكي – مصر الفتاة) الذي دخل البرلمان نائبا عن "شربين" نظرا
لمكانته فى دائرته، وكان من كبار الملاك..
2. اجتياز طرق العمل السري نظرا لعمليات القمع المستمرة من
جانب السلطة، وما ترتب على ذلك من أعمال الاغتيالات، وتفجيرالأبنية..
3. التوصيف الحزبي لهذه الجماعات التى لم تسم نفسها بالأحزاب؛
إلا أنها امتازت بتنظيم حزبي دقيق، وبرنامج ذي مبادىء محددة، وراءه فلسفات تاريخية..
وهناك ملحوظة بالنسبة لانتشار مثل هذه
الجماعات فى العمق من الريف المصري، واقتصار نشاطها على المدن فقط من خلال مجموعات
عريضة من المثقفين، وذلك نظرا للتركيب الاقتصادي، والقيم الاجتماعية..
أولا- الجماعات الماركسية:
نشطت هذه
التنظيمات مرتين، مرة خلال العشرينيات، وفى إعقاب الحرب العالمية الأولى، ومرة
خلال الأربعينيات، وفى أعقاب الحرب العالمية الثانية، ويرجع ذلك للأسباب التالية:
1. تمخضت ظروف الحرب الأولى عن ظهور أول دوله شيوعية وهى
"الاتحاد السوفيتي" بعد "الثورة البولشفية" 1917، كما تمخضت
ظروف الحرب الثانية عن ظهوره كقوة عظمى ..
2. تشهد فترة ما بعد الحروب خلخلات اجتماعية، وفكرية هامة..
3. ضعف الواردات فى ظروف الحرب، وزيادة الاحتياجات السلعية،
واتساع قاعدة الصناعات المحلية، وينتج عنه اتساع فى القاعدة العمالية..
والمرحلة الاولى بعد الحرب الأولى حيث كانت
هناك تنظيمات اشتراكية بين العمال الأجانب فى الإسكندرية؛ انتقلت بدورها إلى صفوف
العمال المصريين حين أعلنت مجموعة منهم هم "حسنى العرابى"، و"على العناني"،
و"سلامة موسى"، و"عبد الله عنان" عن تأسيس ما أسموه "بالحزب
الاشتراكي المصري" فى أغسطس 1921، ونشروا برنامجه بالأهرام فى 29 من نفس
الشهر، ولم يكن الحزب ماركسيا تماما فقد
كان ضد الاتجاهين .. "الاشتراكيين المعتدلين" ويمثلهم سلامة موسى صاحب "العقيدة
الفابية"، و"الشيوعيين" ويمثلهم حسنى العرابى، و"روزنتال"
أصحاب الفكر الماركسي مما أدى إلى انشقاق الحزب فى يوليو عام 1922 حين قررت شعبة الإسكندرية
التي كانت تمثل الجناح الشيوعي الخروج عن الإدارة المركزية بالقاهرة، وغيروا اسم
الحزب إلى "الحزب الشيوعي المصري"، وقرروا الانضمام إلى "الدولية
الشيوعية الثالثة"..
ونتيجة
لاصطدام الحزب الشيوعي المصري بحكومة الشعب (1924) برئاسة سعد زغلول الذي اعتقل
زعماء الحزب، وحاكمهم، وأصدر ضدهم أحكاما متفاوتة على اثر قيادة أعضاء الحزب، وعدد
كبير من العمال حركة واسعة لاحتلال مصانعهم، وإجبار أصحابها على قبول شروطهم..
ثانيا- الأخوان المسلمون:
أنشاها
"حسن البنا " حوالي عام 1927 "بمدينة الإسماعيلية" كجماعه
دينية أولا تحض على "الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر"..
انتقل حسن البنا
إلى القاهرة عام 1936 حيث تعددت نواحي النشاط، وأصدر مجلة أسبوعية باسم الجماعة،
وعندما اجتمع مجلس الشورى العام للاخوان المسلمين فى دورته الثالثة بالقاهرة عام
1935 أقر عقيدة الجماعة التى كانت بمثابة مبادئها..
قويت الجماعة
بشكل واضح بعد عام 1936 حين كسب البنا نتيجة تأييده "لثورة فلسطين" عطف
مفتى فلسطين الحاج "أمين الحسينى"،واتصل بحكام البلاد العربية،
والاسلامية، وتقرب اليه "على ماهر"، و"عبد الرحمن عزام"
ليستفيدوا من نشاطه، وتنظيم جماعته بأن يدعمهما فى الميدان العربى، مما دفع المرشد
العالم الى أن يقرر فى عام 1938 الدخول فى ميدان السياسة المصرية؛ فصدرت مجلة
"النذير"..
انتشرت
الجماعة كتنظيم سياسى خلال الحرب، وأعدت فرقا للجوالة، وجمع السلاح، ونظمت جهازا
خاصا مسلحا، ودربت أعضاءها على الطاعة الكاملة، ونتج عن وجود قوة مسلحة للجماعة أن
اتجهت ايجابيا بالنسبة الى السياسة، والوطنية باشتراكها فى "حرب
فلسطين"عام 1948، واتجهت سلبيا فى التخلص من القيادات التى لاتتفق معها، أو
لاتؤيدها كاغتيال النقراشى فى 28 ديسمبر الذى أمر بحل الجماعة فى 4 ديسمبر 1948
مما أفقد الجماعة مؤسسها، ومرشدها العام حسن البنا فى 12 فبراير 1949 بايعاز من
الحكومة التى خلفت حكومة النقراشى..
وفى أكتوبر
1951 بعد قرار النحاس بالغاء معاهدة 36، ورغبته فى ضم الصفوف، تم الغاء قرار حل
الجماعة، واختير "حسن الهضيبى" مرشدا عاما لها..
ثالثا- جماعة مصر الفتاة - الحزب الاشتراكى:
ظهرت هذه
الجماعة عام 1933، وكان هدفها تجميع الشباب، وتعويدهم الطاعة، والنظام، ولذا فقد
غلب الطابع العسكرى على التنظيم، واتخذوا الزى الأخضر، فعرفوا بأصحاب "القمصان
الخضر"، ولذا اتهمهم معاصروهم بأنهم ذات هوية فاشية مما اتضح من أهدافهم،
وعلاقتهم مع "الفاشست الايطاليين"..
وينقسم تاريخ
الجماعة الى مرحلتين؛ تمتد الأولى من أواخر 1933، الى أوائل عام 1938 حين تقرر
الغاء تشكيلات القمصان الملونة، والثانية بعد الحرب العالمية الثانية، وكان قد
انفصل عنها فتحى رضوان منضما الى الحزب الوطنى، وبقى أحمد حسين الذى انتهج النهج
الاشتراكى للجماعة، وأسماها "الحزب الاشتراكى"، وأصدر جريدة باسم "الاشتراكية"،
وعلى أثر الصخب الذى أحدثه الحزب خاصة خلال فترة حرية الصحافة (1950- 1952) من
حكومة الوفد اتهم زعماؤه بالاشتراك فى "حريق القاهرة" فى 26 يناير 1952،
كما اشترك الحزب فى العديد من مظاهرات تلك
الفترة، وفى حرب العصابات بالقناة..
(عن كتاب "الأحزاب السياسية فى مصر" للدكتور "يونان لبيب رزق")
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)