الأربعاء، 30 يناير 2013

عندما يسقط الوطن.. يستباح تاريخه






    عندما يسقط الوطن فى أيدى الجهلاء..  فانهم  يهبون تاريخه للصوص والغرباء..
    يعرض الدكتور "محمد عنانى"- لكتاب بيتر فرانس - "نهب آثار مصر" فى عدد أخبار اليوم الصادر فى 2 من مارس 2002 الذى يتناول فيه قصة اهتمام الغرب بآثار مصر منذ اكتشاف حجر رشيد، وتأثر الأدب الأوروبى بهذا التاريخ الذى يوحى بالألغاز، والأسرار مثل رواية "سيتوس" أى الاله المصرى القديم "ست" فى الثلاثينيات.. وهو الذى أوقد شرارة الولوع بمصر، والجنون بهاEgyptomania ، وتلتها كتب كثيرة، كما كثرت المبانى الهرمية، وأشكال المسلات، وصور النقوش المصرية القديمة، فيرصد المؤلف بدقة نشأة تقاليد نهب الآثار المصرية على أيدى "صولتSalt " القنصل البريطانى، ومساعده "بلزونىBelzonia "  فى الأيام الأولى لحكم "محمد على"، كما يحكى عن تقسيم الغنائم بين الباحثين الفرنسيين، والانجليز.. فقد كانت مصر كما يقول مؤلف الكتاب "متحفا بلا جدرانOutdoor Museum".. خصوصا مدينة الأقصر(طيبة).. حيث كان الاغراء أشد من أن يقاوم، ويذكر كيف خاب أمل بلزونى بعد اكتشاف "معبد أبو سمبل"..  اذ لم يجد فيه بغيته مما يمكن شحنه قائلا:
-"نحن هنا للسرقة.. لاللتأمل"..
    ثم يحكى المؤلف كيف نشأت تقاليد بيع الآثار للهواة فى أوروبا، حتى أصبحت تجارة رابحة، ويثبت الكتاب تردد المتحف البريطانى فى شراء الآثار، ومدى صعوبة اقناع المسؤلين بقيمتها التى لاتقدر بثمن، ويرجع المؤلف ذلك لخطأ ارتكبه صولت عندما ذكر "لوليم هاملتون" وكيل وزارة الخارجية البريطانية الذى كان يسانده، ويرعاه أن التماثيل التى يريد بيعها للمتحف البريطانى تلقى الضوء على فن النحت المصرى، وتثبت أن المصريين قد امتازوا عن اليونايين الذين استعاروا عنهم هذا الفن(استعار اليونانيون الفن عن المصريين).. فقد اشترت الحكومة البريطانية اللوحات اليونانية المنحوتة المشهورة باسم "اِلجنElgin " نسبة الى "اللورد اِلجن" الذى اقتناها، وغيرها من الآثار اليونانية، وباعها للحكومة بعشرات الآلاف من الجنيهات رغم أن صولت كانت مبيعاته تتصف بالتأنى حيث لم يزد سعر التمثال عن عدة مئات من الجنيهات، والبعض لا يتجاوز سعره جنيهات معدودة، أو شلنات قليلة..
    ويذكر المؤلف كيف أن هذه التجارة واصلت انتشارها  بعد موت صولت عام 1827 على يد وكيل أعماله المصرى "سينى" بجمع الآثار، وشحنها للخارج، ومن عرض الأسعار التى بيعت به تلك الآثار يتبين مدى الاستهانة آنذاك بقيمة تلك الآثار.. اذ كانت المجموعة من التماثيل، أو العملات لايتجاوز ثمنها شلنات معدودة..         وقد بلغ الصراع بين انجلترا، وفرنسا فى نهب الآثار حدا جعل محمد على باشا يصدر مرسوما فى 15 من أغسطس 1835 يحظر فيه تصدير الآثار بأى شكل من الأشكال.. بيد أن ذلك لم يمنع الوالى من ارضاء نزوات من يريد ابهارهم..
    ويروى المؤلف كيف أوهم أحد السحرة الأفارقة "ابراهيم باشا" بوجود كنوز ضخمة يحتويها الهرم الأكبر.. فقرر الباشا أن يملأ الهرم بالبارود لتفجيره بحثا عن الكنوز، ولكن قنصل البندقية أثناه عن عزمه بعد اقناعه بأن ذلك سيعرض القاهرة للخطر..
    ويسوق المؤلف المبررات التى ادعاها الأوروبيون من أجل سرقة الآثار منها ماادعاه "سولنييهSaulnier " لتبرير قيام "لولورين" بسرقة "دائرة البروج" من سقف "معبد دندرة"؛ ووضعها فى "متحف اللوفر" من أن الوهابيين قد يحتلون مصر، ويدمرون الآثار، وماقاله "كايوهCaillaud " عن خطر الأتراك، وماقاله الألمانى "لبسيوسLepsyus " الذى أرسل الى متحف برلين 15 ألف قطعة أثرية خدمة للعلم، وارضاء لجمهور المثقفين، وماقاله "هوسكينزHoskins " ردا على اصرار "مارييت" على اقامة المتحف المصرى فى بولاق من أنه من الخطأ تعلق حاكم مصرى بعرض كنوز مصر القديمة فى مكان بعيد عن الأنظار؛ وهى تنتمى للانسانية جمعاء.. ولم ينصف الكاتب من الأوروبيين الا مارييت الذى رفض طلب "أوجينى" امبراطورة فرنسا للحصول على حلى، وجواهر الفراعنة لنفسها، بعد أن أحال "الخديوى اسماعيل" الطلب اليه، وكذلك اغراء "مدام كورنو" أختها بالتبنى لمارييت بكافة المناصب، والمغريات، وقد مات، ودفن بمصر التى أحبها فى حديقة متحف بولاق..                
  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق