السبت، 19 يناير 2013

كوريا المارقة



    احتلت اليابان الكوريتين (امبراطورية الشمس المشرقة) سنة 1910.. فقامت بتحديثها، وبناء قواعد تنمية لخدمتها، وجندت الكثيرين لادارة الآلة الصناعية فى الشمال، والزراعية فى الجنوب، وبعد أن فقدتهما اليابان فى الحرب سنة 1945؛ بعد القنبلتين النوويتين فى هيروشيما، وناجازاكى؛ فوجىء العالم بتوغل ستالين بقواته فى منشوريا، ثم كوريا الشمالية، كما احتل الأمريكان كوريا الجنوبية، وظل الاحتلال المؤقت للكوريتين لحين توقيع اتفاقية بشأن مصير المستعمرة اليابانية السابقة..

    المناضل الأسطورى للاحتلال اليابانى "كيم ايل سونغ" هو والد رئيس كوريا الشمالية الحالى "كيم يونغ ايل" الذى قام باصلاحات زراعية، وصناعية – رغم غياب الحكم اليمقراطى – قدم فيها السوفييت  مساعدات جمة له من أجل اقامة جيش التحدى ضد الأمريكيين فى الجنوب، وذلك منذ عام 1950.. تقدم على أثرها جيش الشمال نحو العاصمة "سيول" لتتصدى له قوات الأمم المتحدة التى تكونت من 90 % من الأمريكيين، اتهم فيها الصينيون، والكوريون الأمريكيين باستعمال أسلحة بيولوجية ضدهم، حتى تولى الأمر الابن "يونغ ايل" الذى صادف توليه أسوا أزمة اقتصادية فى تاريخ البلاد..
                                                                  الجيش الكورى الشمالى يهدد بتدمير الولايات المتحدة

التسليح الكورى الشمالى: عرض الدكتور سعيد اللاوندى كتاب الكاتب الفرنسى "بيير ريجولو" بعنوان "كوريا الشمالية.. الدولة المارقة" فى الأهرام بتاريخ 28 من مارس 2003 ذاكرا فيه الحقائق الآتية:
1-  يزيد تعداد الجيش عن مليون، 200 ألف جندى، ومدة الخدمة العسكرية تتراوح بين 5- 8 سنوات، ويظل المواطن تحت تصرف الجيش حتى سن الأربعين..
2- تملك كوريا الشمالية ترسانة بيولوجية، وكيماوية ليس بمقدور أحد معرفة أحد معرفة حجمها.. وذلك لأنها دولة الصنع، أما فى حالة استيراد السلاح فمن السهل رشوة الشركة الموردة لاستخراج بيانات، أو فواتير البيع.. وبذا تكسب ثمن السلعة مرتين (أين أقمار أمريكا الصناعية، ومخابراتها التى صورت الملابس الداخلية لصدام حسين، وضربت سرير القذافى بالطائرات؟!..  وأين الموساد؟!.. وتقارير المنظمات الدولية التى لاتراقب الا المنطقة العربية المكشوفة لاسرائيل، وكل العالم.. ولكنه اختراق المنطقة العربية التى تتجسس عليها كل السفارات الأجنبية الموجودة على أرضها عن طريق استمارات الاستبيان التى يجب أن يملأها المسافرون العرب عن طيب خاطر طلبا للسياحة، أو التعليم، والباقى تقوم به المنظمات الصيهونية، وبيوت الدعارة التى يرتادها العرب عادة)، ويذكر المؤلف أن كوريا الشمالية تحتل المرتبة الثالثة عالميا فى مجال الأسلحة الكيماوية؛ حسب تقرير معهد الدراسات الاستراتيجية فى لندن، كما يصعب معرفة عدد القنابل النووية التى تمتلكها رغم اعترافها بامتلاك السلاح النووى..
3- تمتلك كوريا الشمالية أكثر من ألف صاروخ منها صاروخ "نود ونج"، ومداه 1300 كيلو متر، وقامت بتطوير صواريخ أخرى باسم "تيبو دونج" مداها عشرة آلاف كيلو متر، والجيش الكورى قادر على توصيل صواريخه داخل أمريكا نفسها..
        ويقدر خبراء أمريكيون أن كوريا باعت صواريخ فى الفترة من 1999 – 2000 بحوالى 914 مليون دولار فى منطقة الشرق الأوسط فقط، وأفريقيا، وباعت طائرات بحوالى 240 مليونا بالاضافة الى الخبرة العسكرية التى قدمتها لعديد من الدول مثل أنجولا، وتدريبات فى كوريا (500 من قوات حرس الثورة الاسلامية فى ايران)..  كما أن لها علاقات قوية، وممتدة مع فرنسا، والجزائر (وهى حصيلة مالية ضخمة تستحق..  يمكن تحويلها للاصلاح الزراعى، والصناعى..  وهى مجالات ليس فيها منافسين كثيرين فى التصدير، بدلا من تصدير البطاطس، والبونبون، واللبان الدكر، وهو التصدير العشوائى، أو شبه التصدير الذى يستمر فى سنة، ويتوقف فى الأخرى لشدة المنافسة فى سلع لاقيمة لها.. ان صناعات الأسلحة، ومكوناتها هى التى تنعش الاقتصاد الوطنى لأنها صناعات مركبة تحتاج لعناصر كثيرة، كما أن عائدها مضمون، ومجز لكل من العامل، وصاحب العمل، كما أنها تعطى ميزة للبلد المصنعة لعدم امكانية الكشف عن تسليح جيوشها، فالأسلحة المستورة من السهل أيضا معرفة امكانياتها، وتصميم سلاح مضاد لهذه الامكانيات فتصبح بعد فترة غير ذات جدوى للدولة المستوردة)..
                                                                       لحظة اطلاق كوريا للصاروخ طويل المدى

الكوريون الشماليون فى حرب أكتوبر 1973:
    تحت عنوان "سحب الوحدات السوفييتية وأثره على الدفاع الجوى" أشار الفريق الراحل "سعد الدين الشاذلى" رئيس أركان حرب الجيش المصرى، والمخطط العسكرى فى مذكراته عن "حرب أكتوبر" والذى منع من النشر فى مصر بعد الحرب وحتى ثورة الشعب المصرى فى 25 يناير 2011 الى دور الطيارين الكوريين فى الحرب بقوله:
"بحلول منتصف عام 1972 كان من الممكن القول أن الدفاع الجوى قد وصل الى مستوى مقبول، وفجأة وقع مالم يكن فى الحسبان.. عندما قرر الرئيس السادات – دون أن يستشير أحدا من رجال القوات المسلحة – طرد جميع الوحدات السوفييتية الموجودة فى مصر فى يوليو 1972.. وكانت جميع الوحدات السوفييتية فى مصر هى وحدات تقوم بواجب الدفاع الجوى.. حيث كان السوفييت يقومون بتشغيل 30 % من الطائرات "ميج 21" التى تقوم بالدفاع الجوى، وكانوا يقومون بتشغيل 20 % من كتائب الصواريخ أرض-جو SAM، كما كانوا يقومون بتشغيل الغالبية العظمى من الوحدات الالكترونية التى كان بعضها ممتلكات سوفييتية متطورة لم يوافق السوفييت على بيعها لنا على اعتبار أنها على درجة عالية من السرية..  وهكذا غادرت هذه المعدات الالكترونية مصر مع الوحدات السوفييتية، وقد أثر قرار سحب هذه القوات السوفييتية على قدراتنا فى الدفاع الجوى تأثيرا كبيرا، ومن هنا كان الواجب علينا أن نعمل بجد لتخفيف هذا الأثر بقدر المستطاع، وقد استطاعت قوات الدفاع الجوى – أقصد وحدات الصواريخ أرض-جو SAM – أن تهىء الأفراد المدربين اللازمين لتشغيل كتائب الصواريخ التى كان الروس يقومون بتشغيلها بنهاية 1972.. أما القوات الجوية فقد عانت مرة أخرى من المشكلة القديمة.. وهى زيادة عدد الطائرات على عدد الطيارين، وقد دفعنى هذا الموقف لأن أطلب من كوريا الشمالية أن تمدنا بعدد من الطيارين المدربين على قيادة ميج 21.. فاستجابت لهذا الطلب، وأرسلت 30 طيارا وصلوا الى مصر فى شهر يوليو 1973..
    بدأ الطيارون فى الوصول، وقد اكتمل تشكيل السرب الذى يعملون به خلال شهر يوليو، وفى 15 من أغسطس أذاع راديو اسرائيل أن هناك طيارين كوريين فى مصر.. فاتصل بى الدكتور "أشرف غربال" المستشار الصحفى لرئيس الجمهورية، وسألنى عن صحة الخبر، فأخبرته بأن الخبر صحيح، ولكن اذاعته، أو عدم اذاعته هو قرار سياسى، ولاسيما أن هناك دولة أجنبية أخرى يجب استطلاع رأيها قبل اعلانه، والآن وبعد أن عاد الكوريون، وأصبح تدعيمهم لنا وقت الحرب جزءا من التاريخ.. فقد قررت أن أحكى القصة حتى يعرف شعب مصر كل من وقفوا معه وقت الشدة، ان أمريكا، واسرائيل، والاتحاد السوفييتى يعلمون حقائق الدعم الكورى، ان الطيارين أثناء تدريبهم اليومى يتحدثون باللاسلكى باللغة الكورية مع أعضاء التشكيل، ومع الموجهين الأرضيين، وفى استطاعة أية ادارة مخابرات أجنبية أن تسجل هذه المحادثات، وان كان كل من يهمهم الأمر يعرفون.. فلماذا نخفى هذه الحقائق عن شعب مصر، وعن الشعب العربى؟!..
    ان التجريدة الكورية التى أرسلتها كوريا الشمالية الى مصر تعتبر من أصغر التجريدات التى أرسلتها دولة الى دولة صديقة أخرى فى تاريخ الحروب.. لقد كان عدد هذه التجريدة 30 طيارا، 8 موجهين جويين، 5 مترجمين، 3 عناصر للقيادة، والسيطرة، وطبيبا، وطباخا، وكانت القاعدة التى خدموا فيها تضم 3000 مصرى، وكان المصريون يديرون شبكات الرادار، والدفاع الجوى، والدفاع الأرضى عن القاعدة، وجميع الشئون الادارية الخاصة بالسرب، وقد زرت تلك القاعدة عدة مرات لأتأكد من عدم وجود مشكلات، ولكنى كنت دائما أجد أن كل شىء على مايرام.. كانت العلاقة بين الكوريين، والمصريين تسير على أحسن مايرام.. كان الكوريون بالنسبة لرجالنا شخصيات غريبة.. فقد كان الطيارون الكوريون يعتمدون على أنفسهم فى كل شىء.. انهم ينظفون أماكن سكنهم بأنفسهم، ويشغلون أنفسهم دائما بشىء ما، فأحدهم اما أن يكون فى مهمة تدريبية، أو أنه يقوم بالدراسة، أو بأعمال رياضية.. فليس لديهم أى وقت للفراغ، وليس لديهم أية متاعب ادارية يشكون منها، وقد وقع اشتباكان، أو ثلاثة بين الطياريين الكوريين، والاسرائيليين قبل حرب أكتوبر.. كما وقع الكثير خلال الحرب نفسها"..     
   


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق